طارق حمو
&
&
في تكوينية مجلس الحكم الإنتقالي في العراق برزت الكتل الثلاث: الأكراد والعرب الشيعة والعرب السنة إضافة إلى ممثل وحيد عن الآشوريين وممثلة عن التركمان، بهذا الشكل كان التمثيل الشعبي في المجلس الذي أريد له أن يعبر ويمثل كل عنصريات العراق، لكن المشاركة الفئوية كانت غير كاملة وذلك بعد أن إقتصر التمثيل على شخص واحد، كما في حالة التركمان(بشقيهم: القوميين والإسلاميين) والآشوريين (الكلدان والسريان : رغم عدم الإتفاق النهائي بشأن التسمية)، وكذلك الحال في الجانب الكردي فقد إقتصرت التماثلية الكردية على المسلمين فقط وإستبعدت الكرد الإيزيديين (البالغ عددهم حوالي 600.000 ألف إنسان) مما جعل التمثيل الكردي في المجلس ناقصاً بإستبعاد الإيزيديين ولعل لذلك أسباباً أخرى تتعلق أكثرها تأثيراً وأبرزها ظهوراً برغبة الحزبيين الكبيرين التوفيقية في توزيع الأوراق الكردية بينهما والإجتهاد في ظهورالممثلين الكرد بذلك الشكل التعددي الذي ظهروا عليه (حزبيين+ إسلامي + مستقل + شخصية نافذة من كركوك).
الأمير الإيزيدي كاميران خيري بك قال معقباً على عدم تمثيل الكرد الإيزيديين في مجلس حكماء العراق " صحيح إننا كورد عراقيون ولكن لنا خصوصيتنا الدينية وما دام المجلس قائماً على أساس طائفي، ديني، مذهبي، عرقي، فلنا الحق في المطالبة بالتمثيل في مجلس الحكم" (أنظر صحيفة الأهالي العراقية العدد 35)، والحال إن التماثلية الكردية الناقصة في مجلس الحكم الإنتقالي العراقي يلحق غبناً واضحاً بالطائفة الإيزيدية التي تعرضت في أيام الديكتاتور العراقي صدام حسين إلى حيف كبير وكان الظلم الصدامي مزدوجاً بحق هؤلاء الناس : فمن الناحية الدينية ، نال الإيزيديون من صنوف العذاب والتمييز الديني الكثير وصنفوا غالباً على إنهم كفرة ومن عبدة الشيطان، ومن الناحية القوميةعدهّم النظام البعثي تحت خانة القومية العربية لتعريبهم وكان النظام يلجأ إلى حيل عديدة لتمرير خططه الهادفة إلى تعريب الإيزيديين وإبعادهم عن القضية الكردية للتخفيف من الوزن الديمغرافي والجغرافي الكردي وخاصة في مناطق الإيزيدية في سنجار والموصل، فمن ذلك مثلاً كانت الإجراءات التعريبية بحق الكرد تطال الإيزيديين لكونهم أكراداً، فعربت القرى الإيزيدية في مناطق سنجار وشيخان وأستجلب النظام عشائر عربية لإسكانها في أراضي الإيزيدية، ولكن النظام في الجانب الآخر كان يسجل الإيزيديين في خانة الهوية القومية على كونهم عرباً وذلك لإستبعادهم من المعادلة الكردية، كما أسلفنا سابقاً.
التماثلية الطائفية والعرقية في مجلس الحكم الإنتقالي العراقي جاءت واضحة وصريحة لا لبس فيها، والمجلس الإنتقالي العراقي عٌرف في وسائل الإعلام العالمية والعربية (وهذه الأخيرة أعملت الشك والتخوين والتكفير في شرعية هذا المجلس، كالعادة الإعلامية السلطوية العربية دائماً)، بإنه مجلس طائفي وعرقي، فما الخطب إذن أن يتم تحريم بعض الفئات العراقية من حق التمثيل فيه؟.
الإيزيدية والشبك والصابئة من الطوائف العراقية القديمة والتي ذاقت الأمرين على يد السلطة البعثية المندثرة ، لم تمثل في هذا المجلس ويأتي الخوف من مثقفي ووجوه هذه الطوائف أن يتم على هذا الأساس التعامل المستقبلي مع هذه المكونات العراقية وأن يتم إستبعادها بححج مختلفة منها التوفيق بين القوى العراقية الكبرى وتوزيع المناصب والحقائب على القوى المحورية في شكل إرضائي وتوازني على حساب هذه الفئات المظلومة، وهو السيناريو والإحتمال الخطير الذي يجب على القوى العراقية تلافيه وطرح خلافاتها على طاولة الحل والبحث عن حلول لها من منظور المصلحة العراقية العليا وليس تقديم حلول مؤقتة أو مؤجلة لها وعلى حساب بعض الأطراف الأخرى، ومهما كان حجم وعديد هذه الأطراف صغيراً إلا أن هذا لا يمنع من إعطائها فرصة المشاركة في التمثيل وبناء الوطن التعددي الفيدرالي.
الحرب الإعلامية العربية وكذلك المقاطعة السافرة للمجلس الإنتقالي العراقي الذي يمثل العراقيين بشكل قياسي (بخلاف البرلمانات العربية المعينة أو الناتجة عن الإنتخابات المزورة) يفرض على حكماء العراق الإلتفاف إلى مطاليب الفئات الصغيرة في بنيوية المجتمع العراقي وإعطاء الدور لكل تشكيلات الموزاييك العرقي والديني للمشاركة في إدارة وبناء العراق، و لا ضير أن تٌزيد في عدد المقاعد لتستوعب الشرائح العراقية الغير ممثلة.
الإيزيديون (كأكبر شريحة عراقية غير ممثلة في مجلس الحكم الإنتقالي) حٌرموا من المشاركة في تسيير الدولة العراقية، التي من المفروض إنهم من مواطنيها، وكانت فرحتهم عارمة بزوال النظام البعثي الذي عربّ مساكنهم وغيرّ قوميتهم وفتك بالكثير منهم في حملات الموت التي كان يقودها في كردستان بين الفترة والأخرى، لهم الحق، والحال هذه، في التمثيل وبناء وطنهم ومناطقهم المدمرة والمعربة، والحكومة الكردية والحزبيين الرئيسين يتحملان مسؤولية كبيرة تجاه هذه الشريحة الكردية الأصيلة، فالأجندة الكردية يجب أن تحمل بنود خاصة بهذه الطائفة : إعادة الأراضي والدور التي منحها النظام المندثر للعرب بعد طرده أصحابها الإيزيدين منها، وإلحاق أقليم سنجار (المعقل التاريخي للكورد الإيزيديين، والذي يظم الآن أكبر تجمع إيزيدي في العالم، حوالي 380.000 إيزيدي) ومناطق شيخان وعين سفني وباعدرة وغيرها من القصبات الإيزيدية بإقليم كردستان العراق وتأطيرها في الفيدرالية الكردية (إدارياً و مناطقياً) والبدء بإعادة تأهيل الناس هناك بوضع خطة إنمائية شاملة.
مجلس الحكم الإنتقالي في العراق يعتبر تجربة ديمقراطية لا يتوفر لها مثيل في كل دول الجوار الديكتاتورية، وهو المبني على التمثيل الإثني والطائفي فليس من المقبول إذن تجاهل مكونات عراقية قدمت ضحايا وعانت ما عانته من النظام العنصري السابق، التمثيل وحده سيلبي حقوق هذه الفئات وسيضمن لها مشاركية حقيقية في بناء بلدها ودائماً على قاعدة المساواة والديمقراطية و....أخذ العبرة من التجربة الشمولية السابقة التي عادت بالعراق قروناً عديدة إلى الوراء !.
&
&
&
صحافي كردي مقيم في المانيا
[email protected]