د. خالد منتصر
&
&
عندما تهاجم جبهة علماء الأزهر وينتقد التيار الإسلامى المتشدد إحتفاء مصر الرسمى بزيارة بابا الفاتيكان فمن المؤكد انهم لا ينطلقون من فراغ ولكنهم يستندون فى هذا الهجوم والإنتقاد إلى بعض النصوص الدينية، وعندما يصر قسم النساء والتوليد بطب قصر العينى على رفض تعيين أى قبطى ويرفض المهيمنون عليه ضم أى غريب عن الملة لسلك أعضاء هيئة التدريس منذ عشرات السنين فمن المؤكد أن فى جعبتهم الكثير من الشروح والتفاسير التى تقوى من موقفهم المتحدى لكل القوانين ومنها قانون الجامعه، وعندما يجاهر أصحاب بعض المدارس الخاصة بأنه لا مكان للتلاميذ الأقباط بين جدران فصولهم فمن المؤكد أيضاً أن إصرارهم وتخاذل الوزارة أمامهم له ما يبرره بين سطور كتب الفقه وأقوال بعض رجال الدين، وعندما يتلعثم قلم مسئول أمام الخط الهمايونى فإنه بالقطع تحوى ذاكرته سيناريوهات متفرقه من التاريخ عومل فيها الأقباط على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وعندما يتوقع البعض إمكانية تكرار أحداث الكشح فلابد ألا نلومهم فى هذا التوقع لان واقع الحال فى بعض الأحيان يصرخ بالمثل الشعبى "اللى فى القلب فى القلب ياكنيسه"!!
&
وحتى لا يصبح اللى فى القلب فى القلب طوال الدهر، وحتى لا نخفى النار تحت الرماد ونحن نحسب أننا قد أطفأناها، حتى لا يحدث ذلك لابد من مواجهه أكثر جذريه حتى نستطيع إزالة هذه الألغام من تربة المناخ الوطنى المستعد أحياناً والمستهدف أحياناً والملتهب الساخن على الدوام، ونحن لا ننكر دور العوامل الإقتصادية والإجتماعية التى ساعدت وتساعد على تأجج الفتنة الطائفيه، ولكننا لا ننكر أيضا ولابد ألا ننكرر دور العوامل النصية الفقهية الدينية التى يستند إليها البعض ومنهم رموز كبيره كالشيخ الذى هاجم الأقباط علناً فى التليفزيون والآخر الخطيب الراحل المفوه الذى خصص شرائط كاسيت بعينها لسبهم وشتيمتهم والسخرية منهم، والداعية الذى أفتى بمقاطعتهم وعدم السلام عليهم، وحامل الدكتوراه الأزهرى الذى يقطن الآن فى سجون أمريكا والذى إستحل سرقة أموالهم، وإن أنكرنا كل ذلك كنا كمن يدفن رأسه فى الرمال ويخفى عورته بزجاج شفاف، ونحن لا نريد بهذا الكلام إيقاظ الفتنة فهذه النصوص موجودة داخل الكتب وفى الأدمغة ولابد لكى يتم العلاج الحاسم أن يتصدى رجال الدين المستنيرون وأولهم شيخ الأزهر لإعادة شرح وتفسير هذه النصوص، لأن عناق الشيوخ والقساوسة لن يجدى شيئاً فى وجود هذا المسكوت عنه والذى يوغر الصدور شئنا ام أبينا، ولكى لا نعيش فى إزدواجيه ونواجه مشكلة الفتنة بشيزوفرينيا حادة كان لابد ان أدعو رجال الدين لمثل هذا العمل الجاد والذى أعرف أنه صعب ولكن منذ متى كان ثمن التحضر سهلاً، فهذه النصوص هى العامل المساعد للتفاعلات شديدة التوهج التى نخاف حدوثها بين لحظة وأخرى ولابد من التصدى لفهمها الفهم الصحيح والتعامل معها على أنها إفراز زمانها وبيئتها ووضع الدين الجديد وقتها والذى كان مستهدفاً، والذى كان يتنافس على القلوب والعقول مع الأديان الأخرى بالضرورة، ومن هنا نقول ان إعادة قراءة هذه النصوص بروح جديدة تتناسب وتتوازى مع النصوص الأخرى التى تحثنا على إحترامهم تمثل جانباً كبيراً من جوانب الحل الجذرى، فالقنبلة حتى ولو كانت فى متناول الجميع فإن عدم وجود الفتيل وعود الثقاب يحولها إلى جثة من حديد.
&
وأول هذه النصوص التى إندهشت بل وذهلت حين سمعت تفسيرها من إحدى شبكات إذاعتنا المصرية هو تفسير المغضوب عليهم والضالين فى نهاية سورة الفاتحة مفتتح الكتاب، وكان التفسير هو أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى، وإندهشت أكثر حين قرأت هذا الشرح فى أكثر من كتاب تفسير ومن ضمنهم كتاب مقرر على طلبة الأزهر، والسؤال هو إذا كان المقصود من الضالين هو النصارى فلماذا لم ينص على ذلك صراحة لاضمناً؟،وهل البوذيون والمجوس والشنتو لا تنطبق عليهم هذه الأوصاف وبالتالى خرجوا من زمرة المغضوب عليهم والضالين؟، وعلامة إستفهام كبيرة أخرى أوجهها إلى شيخ الأزهر هل معنى ذلك أننا نسب ونشتم الأقباط سبعة عشرة مرة فى اليوم وهو عدد ركعات الصلوات الخمس التى نقرأ فى كل منها الفاتحة؟؟؟، سؤال يحيرنى ولكنه بالنسبة للبعض ياليته يقف عند حدود الحيره ولكن المؤسف أنه قد يتعداها إلى حدود الفتنه والصراع الطائفى وهذا هو مكمن الخطر.
&
أما النص الثانى والذى يحتاج إلى تفسير وإعادة قراءة فهو ما يتعلق بالآيه رقم 29 من سورة التوبة: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يجرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون)،وإذا كانت الجزيه فى حد ذاتها مفهومة بمقياس ذلك الوقت وتلك الظروف من غزو وإحتلال وحرب وهى ظروف تغيرت تماماً الآن وتغير معها مفهوم الجزية بل وإنتفى تماماً برغم أن البعض ما زال يثيره تحت زعم القاعدة التى تقول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،إذا كان ما سبق مفهوماً وأقول مفهوماً وليس مبرراً لأن الجزية مرفوضة و لاتبرير لها على الإطلاق، فغير المفهوم هو التفسير الذى وضعه البعض لكلمة "صاغرون" ومنهم الإمام الطبرى الذى يقول فى تفسيره" أى يأخذها المسلم وهو جالس من الذمى وهو قائم" وهذا التفسير أعتقد انه يحمل تحقيراً وإذلالاً هو أبعد ما يكون عن سماحة الإسلام الذى إعتبر المسيحيين أقرب الناس مودة لنا، وأبعد ما يكون أيضا عن تصرف الرسول عليه الصلاة والسلام عندما جاءه وفد من نصارى نجران فسمح لهم بأداء شعائرهم فى مسجده الشريف.
&
أما النص الثالث والذى فسره المتشددون على هواهم ووجد عندهم صدى طيباً وسنداً قوياً فى حق حجب الوظائف القيادية عن الأقباط فهو ما يتعلق بالآية 51 من سورة المائدة والتى تقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين)، وبالطبع من قرأها منبتة الصلة عن الاتجاه القرآنى العام وعن ربطها بأسباب نزولها فإنه يخرج بالقاعدة الفقهية التى تقول بأنه لا ولاية لذمى والتى يستغلها البعض من موظفى شئون العاملين الأغبياء فى إقناع رؤسائهم ضعاف النفوس فى حجب الترقيات عن بعض الأقباط، وهذه القاعدة هى التى جعلت داعية إسلامياً كبيراً مثل أبو الأعلى المودودى والذى يعد مرجعاً هاماً للتيار المتشدد يقول فى كتابه حقوق أهل الذمه"لا يحق لهم أى أهل الذمة ان يتولوا عضوية مجلس الشورى أو أن يشتركوا فى إنتخاب الرجال لهذه المناصب "،ويقول أيضاً بناء على هذا المبدأ وفى نفس الكتاب "قد إستثنى أهل الذمة من الخدمة العسكرية، وجعل الدفاع عن الوطن الإسلامى من واجب المسلمين وحدهم، وذلك لأن الدولة التى تقوم على مبدأ لا يقاتل من ورائها ولا ينبغى ان يقاتل إلا الذين يؤمنون بصدق ذلك المبدأ"!، وقبل أن ننهى تلك الفترة لابد أن نترحم على الفقيد البطل عزيز غالى بطل حرب أكتوبر وواحد من صناع النصر ونترحم معه على كل شهدائنا من الأقباط والمسلمين الذين إمتزجت دماؤهم بدافع الوطنية وليس بدافع العنصرية، والذين قطعاً لم يقرءوا للمودودى وخيراً فعلوا.
&
أما النص الفقهى الأخير والذى يعتمد بدوره على حديث يحتاج تفسيراً وتوضيحاً من شيوخنا الأجلاء فهو دية أهل الكتاب والتى يذكر الشيخ سيد سابق فى كتابه فقه السنة أنها نصف دية المسلم اعتماداً على ما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، ان النبى صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلم وبهذا قال مالك، وقال الشافعى إن ديتهم ثلث دية المسلم، ولكن هل أنقذنا أبو حنيفة من هذا الأوكازيون عندما أفتى بأن الدية متماثله؟، أعتقد ان الرد عند شيوخنا الاجلاء أو بالأصح عند بعضهم ممن يضعون العصر فى ذاكرتهم عندما يفسرون، والوطن فى قلوبهم عندما يفتون.
&
وهكذا من الممكن أن نقول أن الدولة المدنية هى التى أعلت من مفهوم الوطن وأن مستقبلنا مرهون بمزيد من ترسيخ قيم الديمقراطية والعدل والحرية وهى دستور هذه الدولة المدنية، أما الدولة الدينية التى يتمناها البعض ويروج لها فهى التى تضع فى طريق هذا المستقبل الألغام والأشواك والقنابل وتصر على خنقه وقتله، ذلك لأن ما هو صح وخطأ فى الدولة المدنية يتحول إلى حلال وحرام فى الدوله الدينية، والمواطن فى الدولة المدنية يتحول إلى ذمى من الدرجة الثانية فى الدولة الدينية، والحوار والإختلاف فى الدوله المدنية يتحول إلى رده وشق لعصا الطاعه فى الدولة الدينية، ولذلك طرحنا كل هذه الأسئلة حتى يصبح ما فى القلب ليس فى القلب فقط ولكن على اللسان وعلى الملأ وفى كنف الصراحة والوضوح وحتى ندخل العصر الجديد بمفهوم المواطنة المتحضر وليست العنصرية المتخلفة، وحتى يحدث ذلك نأمل فى بيان من علمائنا الاجلاء يعيدون فيه قراءة وتفسير هذه النصوص السابقة فى ضوء مستجدات العصر وحتى لا يبقى فى النفوس مجال لأى خلافات أو أحقاد أو بذور لفتنة جديدة، إن هذا من واجبهم ومن حق المسلمين والأقباط والوطن عليهم، أتمنى ان يحدث لأننى مؤمن بأن الوطن هو الذى يهمنا ويضمنا فى النهاية مسلمين وأقباطاً وأيضا رجال دين.
&