&
"مشروع الكويت لا حماس ولا جدية"، هذا هو العنوان اللائق للندوة المنشورة في جريدة "القبس" يوم الاربعاء الموافق 5/11/2003، التي ادارها الاستاذ يوسف الجاسم، وشارك فيها السيد احمد العربيد رئيس مجلس ادارة شركة نفط الكويت، والنائب الفاضل عبدالوهاب الهارون رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الامة الكويتي، وما تبعها من تصريحات تضارب الندوة من السيد وزير الطاقة والسيد نادر السلطان، والدكتور احمد الربعي. فبالرغم من وعود السيد احمد العربيد باستكمال عقد المشروع في نهاية السنة الحالية، ليقوم وزير الطاقة بعرضه على البرلمان، لم نجد اي تحرك حكومي او برلماني مواز لسن او استعراض او مناقشة قوانين جديدة تضاف الى الدستور تقيد الكيفية التي سيتم بموجبها استغلال هذه الثروة الطبيعية قبل طرح المشروع بصورته التعاقدية امام المستثمر الاجنبي لتكفل حقوق المتعاقدين دون غبن للطرفين.
اما المشكلة الكبرى فهي الاعتراف الصريح للسيد الهارون بعدم وجود مؤسسات تدير الحوار بين السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية لمشروع استراتيجي واقتصادي وامني يتعلق بمستقبل البلد وابنائه، ومن دون وجود قوانين حديثة تلزم السلطة التنفيذية بتنفيذ المشروع.
والتساؤل الذي سيطرحه الشعب على النواب الافاضل عن اهداف الزيارات الميدانية للنواب الافاضل للنرويج، هل كانت للاستجمام والراحة على حساب مستقبل الوطن، ام كانت للاطلاع على قوانين تلك الدولة للاستفادة منها وتطبيقها في الكويت؟
ان التعارض بين رغبة القطاع النفطي للاستعانة بالشركات الاجنبية، وبنود الدستور الحالي الذي يرفض المشاركة في الثروة حتى بقانون كون ان الثروات الطبيعية هي ملك الدولة وتقوم على حفظها، وحسن استغلالها بما يحفظ الامن والاقتصاد الوطني، هناك امران متناقضان يحاصران مشروع الكويت: الاول هو عدم إلمام السلطة التشريعية بالامور الفنية للمشروع، وذلك لعدم وجود كفاءة فنية استشارية مؤهلة ومستقلة تدعمها، وهذا ما يجعل مجلس الامة عدو ما يجهل، والامر الثاني، ان السلطة التنفيذية متمثلة في شركة نفط الكويت تحتفظ ببعض المعلومات الفنية تخشى الافصاح عنها لأسباب تعاقدية ، ومن باب "ليس كل ما يعرف يقال"، وهذا ما يضاعف جهل السلطة التشريعية ببواطن الامور، او يجعلها تشك في مصداقية السلطة التنفيذية في صياغة وتنفيذ المشروع. فلو قام مجلس الامة اولاً بصياغة بنود اضافية للدستور مستعينا بقوانين الدول التي سبقتنا في هذا المجال، كالنرويج والسعودية وايران لتأتي بعد ذلك شركة نفط الكويت، وتصوغ عقداً يناسب المعطيات الفنية والقانونية لبنود مواد الدستور الجديدة، فيما يخص المشاركة النفطية، لأمكننا تفادي نظرة الشك، وسوء الظن من مجلس الامة على الحكومة، وعلينا ألا ننسى ان نوسع دائرة المشاركة حتى لا يقتصر عمل الشركات الاجنبية على استخراج النفط الصعب فقط، بل يجب ان يتعداه في مساهمة الشركات الاجنبية في تصنيع النفط الصعب المستخرج، وتكريره وتصنيعه في الكويت مع مراعاة قوانين البيئة والسلامة والصحة والتكنولوجيا الحديثة في المحافظة على الآبار والمكامن من التلوث البكتيري الضار، كما تقول احدى النظريات "ان احد الاسباب لتحول نفط بعض المكامن من نفط نظيف خال من كبريتيد الهيدروجين الى نفط ملوث مشبع بكبريتيد الهيدروجين السام والضار للبيئة والصحة، وتآكل المعادن يعود الى تسرب بعض البكتيريا الضارة الى المكمن النفطي عن طريق ادوات حفر الآبار او الطين الذي يضخ في البئر في عمليات التنقيب والحفر"، فإن صحت هذه النظرية يجب علينا السعي لمعالجة الوضع، او منع تكراره في الآبار النظيفة. بذلك يمكننا الحصول مع الشركات الاجنبية على مردود اقتصادي يفوق بأضعاف مضاعفة مردود استخراج النفط الصعب فقط، وهذا التوجه سيغري الشركات الاجنبية للسعي في المشاركة للحصول على مبلغ مادي للخدمات التشغيلية الاضافية تفوق ما في حسبانها المبدئي لمردود خدمات استخراج النفط الصعب فقط.
لذا، فإن المشاركة يجب ألا تقف عند الانتاج، بل يجب ان تتعداه للتكرير والصناعات البتروكيماويات اللامحدودة. هذا التوجه سيكون له مردود مادي واقتصادي كبير على الكويت، ومشاركة شاملة لجميع الشركات التي تأتي تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية، ويفتح فرص عمل لأبناء هذا البلد الذي بدأت البطالة تنخر في اوصاله، والاعتماد على الواسطة في كسب لقمة عيشه، اما العائدات من هذا المشروع الكبير فلنوجهها للمشاريع الاستثمارية المنتجة لتصب في صندوق الاجيال القادمة المظلومة التي لن تجد الا مياها جوفية آسنة، بدل النفط، تنتظرها في المكامن النفطية، ولنلتفت الى مشكلة الاسكان المستفحلة، ولندعم هيئة التأمينات الاجتماعية الآيلة الى الافلاس لحفظ حقوق الرعيل الاول والمخضرمين من الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وحيث ان النفط هو المصدر الرئيسي للثروة في الكويت، فالمحافظة على هذه الثروة، يجب ألا تخضع الى آراء اعضاء منتخبين فقط، بل يجب ان تكون هناك لجنة دائمة تساعد اعضاء مجلس الامة في اعطائهم النصح والاستشارات الفنية، ليس لمشروع الكويت فحسب بل يجب ان يتعداه الى جميع العقود والمشاريع التي تخص انتاج النفط وتصنيع مشتقاته ومركباته، ولله الحمد، فإن الكويت تزخر بعقول جبارة عملت في المجال النفطي، وما زالوا يتوقون الى خدمة هذا البلد، ان سنحت لهم الفرصة، وكانت الى اقوالهم آذان صاغية، وما دام الاجنبي سيشاركنا لقمة العيش فلنتعامل معه بحضارية ومنطقية علمية حديثة ضمن معطيات العرض والطلب، وحسب قوانين دولية وعقود صريحة ومعلنة الشروط، لا على الريبة والخفاء واساس ان الشريك الاجنبي ان لم يكن مستعمرا، فهو لص ونصاب، وله شركاء وطابور خامس مستفيد في الخفاء، واعلموا ان اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون، واعطوا الخبز للخباز حتى لو اكل نصفه، قبل ان يفتح مخبزه في بلد آخر، ونأكل خبزا عجينا.
التعليقات