مهيب النواتي
&
&
&

تناولت بعض وسائل الإعلام بتاريخ 13/12/2003 خبرا مفاده أن جهاز الأمن الفدرالي الروسي يتهم تنظيم القاعدة بالوقوف وراء العمليات في روسيا، وقد وقفت مليا عند هذا الخبر لما ينطوي عليه من أهمية كبرى لا يجب أن تمر مرور الكرام دون تحليل أو تدقيق في محاولة لفهم ما يجرى في هذا العالم حيث اصبح مصطلح القاعدة يمثل حالة من الهوس لدى كافة دول العالم، الكبرى منها أو الصغرى، الصديقة منها أو غير الصديقة.
وعند الإمعان بدقة في ما حمله الخبر من اتهام لتنظيم القاعدة بالوقوف وراء أحداث التفجيرات التي تستهدف روسيا في عقر دارها فان هذا الأمر في اعتقادي يحمل رؤيتين للتحليل لا ثالث لهما.
الرؤية الأولى: هذه الرؤية تفترض أن جهاز الأمن الفدرالي الروسي لديه معلومات استخبارية ومعطيات تؤكد مسئولية تنظيم القاعدة عن هذه الهجمات، وهنا يجب الوقوف قليلا والسؤال لمصلحة من قيام القاعدة بتنظيم هجمات تستهدف الشعب والحكومة الروسية في الوقت الذي تقف فيه روسيا موقفا داعما ومساندا للقضايا العربية في كافة المحافل الدولية؟!، ولسنا هنا في معرض إثبات صدق المواقف الروسية تجاه القضايا العربية، لكن على الأقل من خلال قراءة الأحداث الأخيرة المتعلقة بذلك التوجه الروسي الذي يهدف إلى إحياء وتمتين العلاقة مع الأصدقاء القدامى من الدول العربية، والتي تمثلت في أكثر من خطوة وان كان أهمها زيارة ولى العهد السعودي التاريخية قبل عدة اشهر إلى روسيا، إضافة إلى حضور روسيا قمة المؤتمر الإسلامي الأخيرة التي عقدت في ماليزيا.
هذه الخطوات الروسية ناهيك عن المواقف الواضحة للحكومة الروسية في دعم القضية الفلسطينية تجعلنا نتسائل لماذا في هذا الوقت بالذات الذي تحاول فيه روسيا رسم ملامح جديدة لعلاقة متطورة مع أصدقائها في العالمين العربي والإسلامي الذين اصبحوا جميعا في دائرة الاستهداف الأمريكي، لماذا في هذا الوقت بالذات تقوم القاعدة بتوسيع نشاطها ليطال الدولة الصديقة والحليفة للامتين العربية والإسلامية؟ ولمصلحة من؟ ومن المستفيد من تخريب هذه العلاقة؟!، هذا مع افتراضنا كما أسلفنا بأن المعلومات الروسية حول اتهام القاعدة هي معلومات مؤكدة ولا تقبل الشك أو الجدل.
الرؤية الثانية: هذه الرؤية تفترض أن الاتهامات التي أعلنها جهاز الأمن الروسي هي اتهامات جزافية لا علاقة لها بالقاعدة لا من قريب أو من بعيد إنما تأتي كمقدمة لبعض الإجراءات أو الاتهامات المستقبلية التي ستقوم بها الحكومة الروسية تجاه بعض التنظيمات الإسلامية، وما اتهام القاعدة إلا مقدمة لتوسيع دائرة الاتهام لكى تشمل تنظيمات مقاومة إسلامية أخرى وفقا لنظام الاتهامات الأمريكي الجديد، وهنا نفترض أن موقف روسيا الأخير الذي رفض تلبية المطالب الإسرائيلية التي تقدم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون شخصيا خلال زيارتيه إلى موسكو بضم روسيا لمنظمتي حماس والجهاد الإسلاميتين إلى قائمة الإرهاب الروسي، هذا الموقف التاريخي والمبدئي والهام جدا قد بدء يتغير نتيجة لبعض المعادلات الخاصة داخل المجتمع الروسي والتي يقف على رأسها تلك المواجهة المحمومة بين الرئيس الروسي بوتين وبعض أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين الروس من أصول يهودية وما يتبعهم من لوبي داعم في إسرائيل وغيرها من دول العالم ذات العلاقة.
وعلى ما يبدو وفقا لهذه الرؤية التحليلية فان اتهام القاعدة ما هو إلا مقدمة لضم حماس والجهاد إلى المنظمات المعادية للحكومة الروسية، الأمر الذي سيمثل تحولا هاما في العلاقات الروسية العربية والإسلامية وهو ما يخدم بكل تأكيد المحور الأمريكي الذي يسعى إلى سيطرة نفوذه بشكل كامل في المنطقة العربية والشرق أوسطية بهدف رسم معالم جديدة لهاتين المنطقتين.
وسواء كانت الرؤية الأولى أو الثانية هي دافع الروس إلى إعلان اتهامهم للقاعدة فإنني اعتقد أن على الأمتين العربية والإسلامية دولا وحكاما وتنظيمات ألا يسمحوا لأي كان بأن يخرب هذه العلاقة الاستراتيجية والصديقة بينهم وبين روسيا، وعليهم في هذا الاتجاه أن يأخذوا زمام المبادرة من اجل تبديد كافة الغيوم أو الشكوك أو تخفيف الضغوطات التي قد تكون قد مورست على الحكومة الروسية، لان روسيا قد أخذت مبادرتها في الإعراب عن حسن نواياها تجاه الجميع سواء برفضها إدراج حماس أو الجهاد ضمن قائمة الإرهاب دون أن يكون لها مصالح مشتركة أو منفعية بينها وبين هذه التنظيمات، أو من خلال إعرابها صراحة عن رغبتها في فتح صفحات جديدة للعلاقة بينها وبين العرب والمسلمين من خلال سلسلة إجراءات وخطوات قامت بها الحكومة الروسية، ذكرنا بعضها سالفا أو لم نذكر الكثير منها، وفي اعتقادي أن اتخاذ مثل هذه الخطوات المبادرة سيكون لها أثرها العميق في تمتين العلاقة الروسية العربية الإسلامية حيث أن الحكومة الروسية وكما تفيد كافة الشواهد مهتمة جدا بمواقف الحكومات والتنظيمات والهيئات العربية والإسلامية تجاه ما يحدث في روسيا أو في جوارها.