أجرى الحوار د. إسماعيل نوري الربيعي
&
&
من دون التباسات أو احترازات يشرع محمد القضاة في مقاضاة ذاته،كأنه المحاسبي الصوفي الذي آثر أن يعقد تطواف الروح في دائرة الوجد العميق. يمر الكلام قريبا من روحه، يمرق من خاصرة البوح الذي استغرق فيه، من دون أن يرف له جفن، إنه المنكب على الكلام، يمد الجسور بجناح خافق لا يعرف الزخرف أو المعسول من التوسلات. مدققا في كل شيء، متفرسا في المعاني التي لا تعرف الركون الى الالتصاق بالحناجر التي آثرت التكرار، واستكانت الى المداخل الجاهزة.
ناقد لا يروم من النقد غير الابتكار، حيث الوقوف على الأرض التي تحفز في المرء الإحساس العميق بالكينونة. من فعل النقد الى فعل الحياة، يواصل(القضاة) تجليات المعنى عبر لسع النصوص وتفكيك المتصلب منها، بغية الولوج الى شفراتها السرية، التي استقرت جاثمة على الوجوه والأبدان والورق المسفوح. وهاهو ذا ينظر شزرا بعين الرقيب الى كل هذا التناسل والتكاثر، لسفاح المقولات التي انبرت تستقي الحضور على حساب الإنصات الى البوح الشفيف الذي ينضج في الروح.
لا يملك هذا الناقد سوى الرهان على فعل التفكير في زمن، صار من العسير الوقوف على التحديد الدقيق للملامح، لا سيما عند هذا النطاق الذي يطلقون عليه؛ "تفكيرا".وهكذا يغور في التفصيلات حاثا جهازه الاصطلاحي للحفر العميق بين ثنايا اللغة والتشكل الخطابي وآليات الاستدلال، حيث الشروع في القراءة الفاحصة والمدققة، بحثا عن القدرة والإنجاز، والوقوف على ملامح الأداء وطرق التواصل، الذي يشغف فيه المبدع باعتبار التواصل الأدبي الذي يحفز متعة الانفعال. لكن هذا الناقد لا يأل جهدا أو عملا إلا ويعمد الى حفز التواصل في صلب الموقف، بحثا عن الحدس الساعي الى إشراك القارئ في مضمون رسالة الأدب، حيث الوعي الذي يتأسس عليه المزيد من الوظائف والمعطيات والاندماجات والإثباتات والتأثيرات.
لا يملك هذا الناقد سوى الرهان على فعل التفكير في زمن، صار من العسير الوقوف على التحديد الدقيق للملامح، لا سيما عند هذا النطاق الذي يطلقون عليه؛ "تفكيرا".وهكذا يغور في التفصيلات حاثا جهازه الاصطلاحي للحفر العميق بين ثنايا اللغة والتشكل الخطابي وآليات الاستدلال، حيث الشروع في القراءة الفاحصة والمدققة، بحثا عن القدرة والإنجاز، والوقوف على ملامح الأداء وطرق التواصل، الذي يشغف فيه المبدع باعتبار التواصل الأدبي الذي يحفز متعة الانفعال. لكن هذا الناقد لا يأل جهدا أو عملا إلا ويعمد الى حفز التواصل في صلب الموقف، بحثا عن الحدس الساعي الى إشراك القارئ في مضمون رسالة الأدب، حيث الوعي الذي يتأسس عليه المزيد من الوظائف والمعطيات والاندماجات والإثباتات والتأثيرات.
ولد محمد أحمد القضاة عين جنا/عجلون/ الأردن في 2/1/1959م. دكتوراه في اللغة العربية وآدابها/الجامعة الأردنية1996م، عنوان الأطروحة "نجيب محفوظ والتراث". ماجستير في اللغة العربية وآدابها / الجامعة الأردنية 1993م. مدير تحرير المجلة الثقافية/ الجامعة الأردنية من أيلول 1985 ولغاية الآن. |
كاتب مقالة اسبوعية في جريدة الرأي منذ عام 1983 ولغاية الآن. له عديد من الكنب من بينها: "شعر عبد الله البردوني"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997. و"التشكيل الروائي عند نجيب محفوظ"، دراسة في تجليات الموروث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2000. كما نشر عدة بحوث من بينها: "الشعرية والنص الحديث"، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، "الأسلوب والأسلوبية والنص الحديث"، مجلة "دراسات"، الجامعة الأردنية و"الأمركة العربية: المنظور الثقافي"، بحث محكم منشور في كتاب "العلاقات العربية الأمريكية"، الجامعة الأردنية، عمان2001.
&
من سلطة النص الى سطوته، تكون المسافة الفاصلة في تلك التشكلات التي تفرض بحضورها على القارئ العربي، أين بتقديركم يكمن الفصل أو الإثقال على موضوعة التلقي في الفضاء النقدي العربي؟
- الفضاء النقدي العربي فضاء واسع وقد اختلطت فيه المصطلحات وغابت عنه الأسس الصحيحة التي تعيد له حضوره وفعله، ومن يتابع المسافة بين النص وإشكالياته من جهة والساحة النقدية يرى أن النقد يغيب لصالح سلطة النص نفسه وكأننا أمام حالة مربكة في عملية النقد التي يؤطرها التنظير دون أن نجد قاعدة نحتكم إليها في ظل التغيرات التي تشهدها الساحة النقدية والأدبية بشكل عام،وموضوع التلقي متباين بين فترة وفترة وبين حقيقة وحقيقة وبين جيل وآخر، وحين ننظر الآن إلى الحمل الثقيل في فضائنا النقدي العربي ندرك هشاشة التلقي وعدم قدرته على فهم المنجز النقدي الذي ينبغي أن يكون له الفعل الحقيقي في مسألة الإبداع، لأننا في النهاية نريد ممارسات نقدية تولد لغة من لغة أخرى، تفكك النسيج اللغوي للخطاب الأدبي، تتنوع في مصادرها ومقولاتها ووجهات نظرها، تتجاوز الخطاب إلى الاستنطاق والتأويل، تجتهد وتضاعف جهدها في التحليل والتعليل والتطبق والقراءة...
&
أسس التواصل باتت تعيش التداخل والارتباك المقلق، الى الحد الذي ضاعت المزيد من المعاني، باعتبار الانشغال الملفت بالمشاريع الموغلة بالذاتية التي راح الكثير من النقاد العرب يسعون نحو إغرائها. هنا نكون أشد قربا من مسألة تعريف المبدع وأين يكون موقع الناقد في كل هذا؟
- عملية التواصل عملية معقدة تتداخل فيها مشاريع وإنجازات وإبداعات متباينة ومتضادة في الوقت نفسه، والتواصل الذي نراه يوغل بالتعقيد والغرابة والذاتية الذي باتت أقلام النقد تمضي فيه دون أن تدرك أن النقد لابد أن يقوم على أسس واضحة وموضوعية يتواصل فيها المبدع مع الناقد بحيث نرى انسجاماً إبداعيا بين الطرفين، وحين نقف عند مفاصل عملية النقد وكيفية تواصلها في حاضرنا ندرك أن طرفي المعادلة مغرق في ذاتيته وانه هو المحور الأساسي الذي تدور حوله القضايا الإبداعية والنقدية، ووصل الأمر عند بعضهم انه هو الأساس الذي يجب أن يؤخذ منه أو أن يؤتى إليه، وهذا أمر جديد لم نعهده في عملية التواصل بين طرفي المعادلة إلا حديثاً حين اغرق الناقد أو المبدع نفسه في معاني عجائبية وغرائبية قد لا تمت للنص بصلة وكأننا أمام حالة استلاب وفقدان ضوابط عملية التوصيل. ولأن النقد اغرق في التغريب والغموض وهنا بدأت شكوى المتلقي من الممارسات النقدية التي تعكس حالة التغريب والعجز والقطيعة.
&
المتأمل في الفضاء النقدي الأردني، يلمح طغيانا بارزا وملفتا لهيمنة الأكاديمي على المجمل من النتاج المتداول. هل يرتبط هذا بطبيعة النشأة أم أن موجهات الاصطلاحية والمفهومية، باتت الحاضر الأهم على حساب الإمكانية الذهنية والقدرة الخاصة للعديد من الأصوات النقدية المهمة؟
- الفضاء النقدي في الأردن متشابك ومثقل بالهموم والمصطلحات الكبيرة التي حين نختبرها نكتشف أن هناك ثمة مشكلة يواجهها النقد تقوم على المجاملة والتحامل، وهذا أمر لا يقدم ولا يؤخر، ولذلك فإن حالة النقد ومعطياته عندنا تحتاج أن ترضخ لشروط النقد الجديد القائم على الموضوعية والعلمية، لا على العلاقات الشخصية ولا على أيدلوجيات لا يحتاجها النقد ولا يمكن أن تكون إطارا موضوعياً لحالة الفضاء النقدي الأردني برمته، أما بخصوص مسألة النقد الأكاديمي وهيمنته على مجمل حركة النقد فاعتقد أن هناك حالة من القطع الواضح بين الأكاديميين ومجمل ما يدور في الحركة الأدبية وسببه بروز بعض النقاد/ نقاد الصحافة السريعة الذين لا يعترفون بمنجز غير حروفهم وكتاباتهم، وهذا أدى بالنقاد من الأكاديميين أن يختاروا منهجهم الأكاديمي الصارم الذي لا يقبل مبدأ المجاملة والتحامل، وهذا لا يعني أن كل من في الساحة النقدية في مركب واحد، وانما هناك تجاوزات وهناك نقد فعلي، وهناك فرص ضائعة كثيرة تحتاج إلى تقييم كي نعرف أين يكمن الخلل في المنجز النقدي الأردني، ولا أظن أن حالة النقد العربي بعيدة عن ما يدور في إطارنا النقدي.
&
ماهي المساحة الممكنة التي يمكن للناقد أن يعيش في كنفها، لاسيما وان تقاطعات الوظيفة الإبداعية تكون بمثابة الحاضر الأهم، حتى ليجزم البعض الى حسم العلاقة لصالح المبدع الأول للنص.لا ينطوي السؤال على المباشرة التقليدية بين المبدع والناقد، بقدر ما يكون السعي الى ترصد استراتيجيات السيطرة الرمزية والذهنية.
المبدع ينبغي أن يمارس إبداعه بمنتهى الحرية، يكتب ويمارس دوره بأريحية كاملة بعيداً عن سطوة النقد، لأنه إذا كتب لأجل الناقد فإن إبداعه لن يتجاوز ما يرغب به الناقد وحينها نشعر أن المبدع يجامل في إبداعه حتى يقال عنه انه التزم بشروط النقد، وهذا أمر مرفوض في الإبداع، لأن الإبداع والإلهام لا يرتبط برغبة الناقد، ولذلك فإنني أرى أن النص المبدع يعلن عن نفسه مهما كانت شروط النقد صارمة، لأن القصيدة الشاعرة، والرواية المتميزة والقصة الجميلة لا يختلف عليها النقاد، وانما لابد أن يمارس المبدع نشاطه الإبداعي باستراتيجياته وذهنيته ورمزيته واقنعته لأن شروط الإبداع غير شروط النقد والا وجدنا أنفسنا أمام حالتين نتيجتهما واحدة، وهذا ما لا يرغبه المبدع وما لا يقبله الناقد.
&
الحديث عن الأفق المعرفي في البيئة الثقافية العربية، صار كأنـه "حديث خرافة" هل من ثمة أمل؟
&
- الأفق المعرفي في البنية الثقافية العربية في أفق متماهي مغرق حتى الوحل في صور متضاربة ومتعددة الوجوه بحيث اصبحا البنية الثقافية العربية متشابكة ومعقدة وغير مقنعة وخصوصاً أن التيارات الثقافية العالمية تأخذ دورها وتنشط حضورها سوى الأفق العربي الذي لا يزال يمارس دوره تحت دائرة الرقيب الذي لا يفلت من قلمه حرفاً فيه حياة، وعليه فإن البيئة الثقافية العربية لا بد لها من انطلاقة جديدة بحيث تمارس دورها بقوة بعيداً عن الخوف والتشظي والإغراق في التنظير الذي لا يقنع حتى المنظرين أنفسهم وحين تتأمل واقع الثقافة العربية بمنجزاتها ومعطياتها ورموزها وتداخلاتها ندرك أننا أمام واقع لا حول له ولا قوة، ولذلك نرى حالة التصدع بين المجتمعات العربية والمثقفين الذين يعيش كثير منهم في أبراج خشبية، ولذلك لم نجد لتنظيراتهم وكتاباتهم وندواتهم ذلك الأثر الذي نراه في الأفق العالمي، ولننظر بصدق إلى دور المثقفين العرب في القضايا التي تخص العالم العربي لنجد أننا أمام حالة من الإرباك الشديد الذي يشدنا إلى الخلف، ولا نرى ذلك الاهتمام الكافي بالثقافة التي لا تتجاوز عند بعضنا بعض قطع الديكور في البيت، واعتقد انه بعد كل هذه الهزائم التي نراها تنتهك الجسد والعقل العربي آن لنا أن ننقد ثقافتنا وخطابنا وطريقة تفكيرنا وكيفية تعاملنا مع الآخر.
&
التعليقات