إبتلينا نحن الكتاب الكرد الذين نكتب بالعربية ببعض القراء وأنصاف المتعلمين الذين دأبوا على تخويننا ووصفنا بالعمالة كلما كتبنا عن موضوع خارج إطار القضية الكردية، حالهم حال الكثيرين من القومجية
وينسى هؤلاء القومجية الكرد أن زعيم الأمة الكردية وملهم الأبطال والمناضلين عبدالله أوجلان القابع في سجن إيمرالي بتركيا، أنه قال لحظة إعتقاله من قبل المخابرات التركية quot; أن والدته تركية الأصل quot;، ليعبر في موقف أقل ما يقال عنه أنه خنوع وإذلال ما بعده إذلال عن جبنه وهو من كان يصور نفسه الأسد الهصور الذي يزلزل الأرض من تحت أقدام الدولة التركية؟ |
ومصيبتي أنا من دون سائر الكتاب الأكراد الكاتبين بالعربية،هي أنني علاوة على كتابة مقالاتي باللغة العربية، فإن الكثير من تلك المقالات إنتقادية الطابع تعبر عن نبض الشارع الكردي، وتنال بالتالي من الحكومة الكردية وقياداتها، وهذا ما يزيد من فوران دماء أولئك القومجية الأكراد الذين يتحرجون من نشر الغسيل القذر لقادتنا وأقطاب حكومتنا في الوقت الذي يئن فيه المواطن الكردي في ظلهم تحت وطأة أزمات معيشية وحياتية لم يألفها من قبل حتى في عصور الدكتاتوريات الحاكمة.
فأنا أتلقى بين حين وآخر بعض الرسائل الألكترونية من هؤلاء القراء الذين هم على غرار القومجية العرب يعيشون على أوهام الأمجاد الزائفة والشعارات البراقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي شعارات أكل الدهر عليها وشرب حتى الثمالة. وبينهم أحد القراء الأفاضل الذي دأب على إرسال رسائله البريدية على الإيميل الخاص بي كلما تطرقت في مقال لي الى الأوضاع المأساوية التي نعيشها في كردستان، أو إذا مجدت أحدا من رموز العراق الكبار مثل الجواهري وناظم الغزالي وحسن العلوي وغيرهم من عظماء العراق الذين أناروا عقولنا وعيوننا بنتاجاتهم الإبداعية وشكلوا جزءا من ثقافتنا الإنسانية..
وكان هذا القاريء الفاضل يكتفي في السابق بالبصق على مقالاتي الإنتقادية وإبلاغي بذلك في رسائله الخاصة، لكنه بدأ الآن يشتم عرضي أيضا لتفريغ ما بنفسه مبينا في كل سطر من رسائله، حقيقة ما تجول بدواخله من عقد نفسية لا أملك أنا أي دواء لها سوى بالسكوت عن تطاوله،متمثلا بالإمام الشافعي العظيم الذي قال:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
وقد يكون هناك العشرات من الكتاب والمثقفين ينالون بدورهم جزءا مما أناله أنا من هذا القاريء الفاضل الذي أعتقد أنه يعيش في بلد أوروبي متنعما بخيرات اللجوء والحياة المرفهة فيما أنا أعيش في ظل أزمات خانقة تقض مضاجع شعبي فلا أجد أمامي غير القلم لأعبر به عن تلك المعاناة القاسية.
ومشكلتنا نحن الكتاب الكرد مع هؤلاء الهاربين من الساحة كبيرة جدا، وقد تطرقت في مقال سابق الى هذا الموضوع بإشارة بسيطة، فهؤلاء الذين يبيعون الوطنية برأسنا لا يشعرون بالظروف القاسية التي نعيشها اليوم في ظل حكومتنا المحلية التي ناضلنا من أجلها سنين طويلة،وجدنا من أجلها بأنهار من الدماء ليس بينها ولو قطرات من دماء هؤلاء الهاربين من الساحة الذين إختاروا النجاة بأنفسهم ليعيشوا حياة الدعة والسلامة تاركيننا نحن نواجه أقسى أيام حياتنا. وهؤلاء هم من نفس طينة القومجيين العرب الذين يجلسون في لندن أو اوتاوا أو فيينا أوجنيف يبيعون الوطنية برأس المثقفين والساسة العرب الذين يفكرون بعقولهم،فيحرضون الشعوب العربية على النضال والكفاح ضد الإمبريالية والصهيونية عبر الفضاء.
وأنا أعرف أحد الصحفيين الكرد من الذين خدموا النظام الدكتاتوري طوال أكثر من عشرين سنة بقلمه وجهده، وكان منتميا الى الشعبة الثالثة في الأمن العامة وكتب المئات من التقارير الكيدية ضد زملائه من الكتاب والمثقفين الكرد، وزج بالعشرات منهم بتلك التقارير في السجون والمعتقلات، وعندما زالت نعم الدكتاتورية عنه لجأ الى كردستان المتحررة ومنها توجه الى أقاصي الأرض ( استراليا أو كندا) ليتحول بقدرة قادر الى أحد القومجية الكرد، ويدير من هناك موقعها ألكترونيا يرفرف فوقه علم كردستان الكبرى ينشر فيها مقالات قومية نارية تدعو الى تشكيل الجماهيرية الكردية الإشتراكية القومية العظمى، ويخون جميع القيادات الكردية الحالية لأنها ترمي بنفسها بأحضان بغداد وترتضي بخدمة العراق بدل تحرير كردستان؟؟!!
والأكراد القومجية لا يختلفون البتة عن أقرانهم من العرب القومجية بتسويق شعاراتهم الزائفة والتحريض بأخس الوسائل بالصراخ والعويل عبر الفضائيات أو الصحف الصادرة في لندن أو أستوكهولم ـومونتريال محاولين بذلك التنفيس عن عقدهم النفسية، داعين الى تحرير كردستان الكبرى مثلما يدعو القومجية العرب الى تحرير فلسطين الكبرى،وبناء جمهورية كردستان العظمى مثلما يطمع القومجيين العرب الى بناء دولة الوحدة العربية الكبرى؟؟؟!
وينسى هؤلاء القومجية الكرد أن زعيم الأمة الكردية وملهم الأبطال والمناضلين عبدالله أوجلان القابع في سجن إيمرالي بتركيا، أنه قال لحظة إعتقاله من قبل المخابرات التركية quot; أن والدته تركية الأصل quot;، ليعبر في موقف أقل ما يقال عنه أنه خنوع وإذلال ما بعده إذلال عن جبنه وهو من كان يصور نفسه الأسد الهصور الذي يزلزل الأرض من تحت أقدام الدولة التركية؟؟!
كما ينسى هؤلاء القومجية الكرد أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي يقود نضال الشعب الكردي في كردستان الإيرانية منذ أكثر من نصف قرن من دون أن يطلق رصاصة واحدة لا في زمن الشاه ولا في زمن الحكومة الإسلامية قد إنشق الى ثلاثة أجنحة متصارعة كل يسعى للحصول على جزء من الكعكة الأمريكية المعروضة اليوم على مائدة المعارضة الإيرانية؟!.
أما الأحزاب الكردية في (كردستان سوريا!!) فهي مشغولة بدورها بالنضال من أجل الحصول على بعض الوظائف لمنسبيها بدل تشكيل الدولة الكردية في الجزء الشمال الشرقي من سوريا؟؟!.
أما في كردستان العراق التي تحكمها المافيات الكردية فحدث ولا حرج، وكيف يقبض الإحزاب الكردية القومية على خناق هذا الشعب المسكين بحيث لا يسمح له حتى بإلتقاط أنفاسه بعد أن باعت تلك الأحزاب الحاكمة في كردستان كل قيمها النضالية في سوق النخاسة، مديرة بظهرها لمن جاؤا بها الى سلم السلطة ليس في كردستان بل وفي العراق أيضا بدمائهم وعرقهم؟؟!!.
و لا أدري عن ماذا يريد هؤلاء الأكراد القومجية أن أكتب وأمدح.. أأكتب عن الأزمات الخانقة التي تنهش أجسادنا كل يوم في كردستان، أم أكتب عن تلك الأموال الطائلة من ميزانية الدولة العراقية المقررة كحصة للأقليم والتي تذهب الى جيوب حفنة من المتسلطين على رقاب الشعب؟.
أم تراه يريدني أن أكتب عن الغالبية العظمى من أبناء شعبي المعدمين الذين لا يملكون أقوات يومهم في ظل الغلاء الفاحش الذي يضرب كردستان؟.
أم يريدني أن أكتب عن أزمة الوقود ومعاناة العوائل الكردية في هذا الفصل القارص وهم لا يجدون ليترات من النفط الأبيض لتدفئة بيوتهم وبلدهم يعوم فوق بحور من النفط؟؟!
لا أدري كيف أسهو وأتجاوز عن كل ما أعيشه يوما بيومي في هذا الأقليم ( المتحرر؟؟!!) وأدعو مثل القومجيين الكرد الى تأسيس الدولة الكردية الكبرى؟؟
وقد ينسى من يبيع وطنيته برأسي أنني كنت أحد أفراد البيشمركة الذي ناضلت بقلمي بوجه أحد أعتى الأنظمة الدكتاتورية لأكثر من عشرين عاما ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والمخابراتية لا تبعد عني بـ( شمرة عصا ) وأفرادها متغلغلون في مدن كردستان لا يبعدون عني بأشبار، ولكن كل جبروت هذا النظام الفاشي لم ترعبني أو تكل قلمي عن التعبير عن أحقية ومشروعية قضية شعبي قبل أن يمرغها قادتنا في الوحل بعد سقوط ذلك النظام وتحررنا من الدكتاتورية.
وكنت ضمن الملايين من الناس الذين هبوا في إنتفاضة آذار 1991 لتحرير كردستان من الدكتاتورية بعد أن أذن سكان مدينة رانية البواسل بتفجير تلك الإنتفاضة وهم لا يملكون بأيديهم رشاشة أو بندقية أو حتى مدية صغيرة وهم يهجمون على مقرات الأجهزة الأمنية والمخابراتية للنظام الدكتاتوري، ويعتلون ظهور الدبابات والمدرعات ليخرجوا منها جنود النظام.
لقد كانت القلوب في تلك الأيام مفعمة بالإيمان بمشروعية نضالنا القومي والوطني ضد الدكتاتورية، وكنا نتطلع الى بناء بلد خال من الدكتاتورية والفاشية والأمل يحدو بنا لنقيم نظاما وطنيا ببرلمان وحكومة محلية تعبران عن مجموع الشعب الكردي الذي فاتته فرص كثيرة للتحرر والإنعتاق،ولكن ها نحن اليوم نعاني معاناة أشد وطأة مما عانيناه في سنوات الدكتاتورية البغيضة في ظل برلمان منتخب وحكومة أقليمية محلية. فماذا بعد؟؟!!
شيرزاد شيخاني
التعليقات