الاجتماع الذي استضافه خادم الحرمين الشريفين بعد توقيع إعلان مكة بين حركتي حماس وفتح في مكة المكرمة حمل الكثير من المعاني وآثار الكثير من الشجون.

فالاجتماع التصالحي أصلا كان في صالح حركة حماس بصفتها معارضة للسلطة الفلسطينية. وهذا الاجتماع كان يجب أن يكون في عمان برعاية الملك عبدالله الثاني لكن يبدو أن هناك من منع ذلك الاجتماع حتى لا يعطى الأردن ميزة لم يسع إليها لكنها كانت في مصلحته لو حققها وهي ميزة إنجاز تصالح فلسطيني.

على أي حال، لو عقد الاجتماع في الأردن لكانت نتائجه مختلفة، فهو اجتماع لو انعقد فربما لم يشارك فيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لان سورية ستمنعه من ذلك حتى لا تعطي ميزة للأردن التي تعتقد دمشق انه ينافسها على الكعكة الفلسطينية.

الأهم من الاجتماع والاهم من البيان والاتفاق كانت كلمة خالد مشعل. فهو تحدث كالمنتصر، وهو كذلك. لقد حقق نصرا ووقف ندا لرئيس السلطة الفلسطينية. وهو أشبه ما يكون بزعيم المعارضة الروسي بوريس بالتسين عندما وقف يناطح ميخائيل غورباتشوف في خطوة سبقت وصوله إلى الزعامة المطلقة في موسكو. هكذا خالد مشعل تحدث عن إنجازات سعى إليها تمهيدا لتقويض منظمة التحرير وتحطيم السلطة الفلسطينية. والاستيلاء على الحكم لتصبح السلطة الفلسطينية حمساوية وإغراق الأراضي الفلسطينية في صراعات لا تنتهي.

والاتفاق الذي تم بين الجانبين لم يأت بجديد. فموضوع المشاركة لم يكن له داع. فحركة حماس فازت في الانتخابات وشكلت الحكومة وحدها ولم تكن هناك حاجة لاتفاق. وكانت المشكلة من حماس التي أرادت فرض أجندة مختلفة عن أجندة السلطة مما تسبب في مقاطعة عالمية لها وبالتالي شل حركتها. شكل الاتفاق بين محمود عباس وخالد مشعل لم يكن إلا نتيجة لتصرف حماس طوال السنة الماضية.

ولكن هل سيحل هذا الاتفاق مشكلة الحكومة الفلسطينية مع إسرائيل ومع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة وحتى مع بعض العرب الذين لم يعجبهم وصول حماس إلى السلطة؟ بالتأكيد لم يتضمن الاتفاق أي إشارة إلى أن حماس ستغير موقفها من موضوع الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بالتالي باتفاقات أوسلو ـ وهي الاتفاقات التي بنتيجتها استطاعت حماس الوصول إلى الحكم ـ أي أن الموقف العالمي من الحكومة الفلسطينية سيظل كما هو وكذلك الموقف الإسرائيلي. فلماذا كان الاتفاق؟

ربما كان الاتفاق ضروريا لحقن الدماء الفلسطينية، التي سالت رخيصة بلا ثمن وبلا هدف لإرضاء غرور زعامات صغيرة. وربما يكون طوق نجاة لإنقاذ الجانبين، السلطة وحماس، من المأزق الذي وصلتا إليه. فحماس لن تستطيع الإطاحة بالسلطة عن طريق القوة المسلحة، والسلطة تربأ بنفسها عن تدمير حماس بالقوة المسلحة. فهل هو اتفاق لإنهاء الإشتباكات يذكرنا بالاتفاقات التي كانت تتم بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية عام سبعين؟ أم هو اتفاق لتشكيل الحكومة كما هي الاتفاقات بين الأحزاب التقليدية مرهون بمدة ولاية المجلس التشريعي وينتهي بانتهائه؟ ماذا عن الفصائل الأخرى التي ستشعر بأنها استصغرت وهمشت وفي هذه الحال قد تقوم بتخريب الاتفاق كما كانت تفعل المنظمات الصغيرة بعد كل اتفاق بين الحكومة الأردنية وحركة فتح في عام السبعين؟ أم انه خطوة حقيقية مخلصة سيكون لها نتائج ايجابية ملموسة يشعر بها المواطن الفلسطيني؟ نرجو ذلك. فالرعاية السعودية لن تقبل بان يتم الاستهانة بها. ولن تسمح لأي من الطرفين بالإخلال بمضامين الاتفاق ولو إلى حين. المهم أن يدوم الاتفاق. ولكن: هل الشراكة التي تحدث عنها مشعل ستكون شراكة دائمة أم فقط خلال مدة المجلس التشريعي التي تشكل حماس فيه الآن القوة الأكبر. فإذا ما عقدت انتخابات جديدة في نهاية ولاية هذا المجلس وخسرت حماس ماذا سيكون رد فعلها؟

المهم الآن أن تقدم حماس برنامجها السياسي للمرحلة القادمة ويكون هذا البرنامج مقبولا من السلطة والاهم أن يكون مقبولا من إسرائيل والعالم. جلسة الرئيس محمود عباس في الاجتماع الذي تلا التوقيع على إعلان مكة كانت مؤشرا واضحا على القلق العميق الذي يشعر به الرئيس عباس وخشبته من المفاجآت.

لقد بدا الرئيس محمود عباس كمن يشهد مرغما على زواج كريمته من عريس لم يكن موافقا عليه مسبقا. وان كانت لغة الجسد لتؤشر على شيء فقد أشرت على أن الرئيس عباس غير راض لكنه مضطر. وطوال كلمة مشعل وكلمة هنية كان محمود عباس شارد الذهن وغير منسجم مع ما يدور حوله.

التوقعات تشير إلى أن السلطة الفلسطينية، وربما بنصائح من أصدقائها وحلفائها، قبلت أن تنحني للعاصفة وتقبل بهذه الشراكة لحين تغير الأحوال لصالحها ومن ثم لكل حادث حديث.

حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي عمان الأردن