في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، كنا نشاهد نقل التلفزيون العراقي لمبارة في كرة القدم بين تركيا واليونان، ضمن بطولة العالم العسكرية في احد المقاهي في نطقة بغداد الجديدة، هذه المنطقة الشعبية والتي كانت تضم خليطا من كل الاديان والقوميات والمذاهب، الثابت المشترك بينهم انهم كانوا متوزعين بين الطبقة الفقيرة والفئة الدنيا من الطبقة المتوسطة، الا ان ما استرعى انتباهي حينذاك ولا زال في ذاكرتي هو موقف كل رواد المقهى المكتض بالجمهور المؤيد كله لليونان والمعادي لتركيا، اروي هذه الحادثة للتدليل ان العراقيين وبرغم كل مصاعب الحياة والاضطهادات والتجاوزات كانوا يمتلكون شعورا عاما موحدا، اي كنت تشعر حقا بانهم ابناء وطن واحدة، كان لهم ذائقة ثقافية متقاربة ونوع من النية الحسنة الطاغية لديهم، ان موقفهم من تركيا بالتأكيد كان سياسيا اكثر منه كرويا فهم كانوا لا يزالون يشعرون بثقل الاستعمار التركي الذي خيم على بلدهم لمدة اربعمائة سنة.

كان للعراقيين شعورا وطنيا حماسيا وكانوا يقفون مع فرقهم الرياضية خصوصا ويدعمونهم ولو معنويا، اعتقد وهذا ابداه بنفسي ان هذا الشعور الوطني والافتخار بانجازات العراق بداء يبهت رويدا رويدا مع زيادة قبضة نظام صدام على كل مرافق الحياة في العراق، فالعراقي صار يعتبر كل انجاز ما يعود لصدام وبالحقيقة انه كان يدعي ذلك فكل انجاز ما، كان يعتبر من مكرمات الثورة، والتي كانت بالحقيقة اوصارت بعد سنوات مطحنة والة جبارة لضرب الشعور الوطني واستبداله بشعور الولاء لشخص صدام وحزبه الشوفيني.

قبل دقائق اعلنت نتائج مسابقة ستار اكاديمي، وللمفارقة انتي لم اتابع هذا البرنامج الا في حلقته الاخيرة وكنوع من متابعة لمعرفة مصير العراقية الفذة والرائعة شذى حسون، فانهمرت دموع الفرح من عيني لحظة اعلان انتصارها، ومن حقي ان افرح لان احدى بنات شعبي انتصرت ولن يقال انها انتصرت بفضل الثورة وقائدها، لا بل بفضل موهبتها وقدرتها وهذا هوة قدر كل المبدعين العراقيين اينما كانوا وفي اي مجال ابدعوا، انهم ابدعوا لانهم كانوا بشرا مقتدرين ولهم الاصرار التام للفوز وللتقدم واحتلال المواقع الاولى.

ولكن افضل نتيجة حصلنا عليها هو التفاف العراقيين حول الفنانة الرائعة بشرى حسون، وهذا يذكرنا بالالتفاف الرائع حول فريقنا الرياضي في البطولات الاخيرة، وكل هذه الالتفافات كانت نتيجة عودة الشعور الوطني الذي حاول النظام السابق استلابه.

في سنوات الاخيرة صرت حقا افرح واسعد بانجازاتنا وصرت حقا اعتبرها انجازات وطنية عراقية خالية من السيطرة السياسية والاستغلال السياسي لكل ما هو رائع وجميل.

واذا نهنئ المبدعة وذات الصوت الرخيم شذى حسون ونبارك لها فوزها هذا، فاننا ورغم عدم محبتنا للعلم العراقي الحالي لارتباطه بالنظام الصدامي ولم يكن يوما علما تاريخيا، الا اننا نتفهم ونتعاطف مع فنانتنا عندما حملت العلم وحملته رافعة اياه عاليا، لشكر كل العراقيين الذين وقفوا الى جانبها ولتقول ان زمن عودة الابداع العراقي عائد لا محال واوان حملة معاول الهدم ونشر الظلام والبغض الى الزوال.

فالف مبروك لشذى الانتصار الرائع والف مبروك لشعبنا الالتفاف الموحد حول ابنته ابنة النهرين والى مزيد من ما يوحدنا ويقوي اللحمة الوطنية بيننا.

تيري بطرس

[email protected]