تواجه العملية السياسية في العراق ازمة حادة اثر انسحاب جبهة التوافق من الحكومة وبعد انسحاب التيار الصدري وحزب الفضيلة ومقاطعة وزراء القائمة العراقية جلسات الحكومة، مما يجعل الحكومة عاجزة عن المضي في اداء مهماتها في ظل ظروف متدهورة في جميع المجالات الامنية والسياسية والاقتصادية والخدمية..
ومع وجود جهود لجمع قادة القوى السياسية لبحث هذا الموضوع ومحاولة الوصول الى تسوية مرضية للجميع، إلا أن المعالجات تبقى قاصرة لأنها لا تمس جوهر المشكلة، وهو وجود حالة اقصاء وتهميش واستئثار بالسلطة والاستمرار في انتهاج المحاصصة الطائفية كأسلوب في ادارة عمل الدولة ومؤسساتها..
كانت تجربة اربع سنوات من توزيع وتقاسم المناصب الرئيسة في السلطتين التشريعية والتنفيذية على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية، قد أثبتت فشلها في تسيير امور الدولة، بل انها كانت السبب الرئيس في الاخفاقات الكبيرة التي تهدد جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والخدمية، فالتوزيع على اساس المحاصصة يتجاوز اعتبارات الكفاءة و الخبرة والنزاهة، وجرى تسليم مقاليد الامور بأيدي عناصر غير مختصة ما ادى الى استشراء الفساد المالي والاداري، وعدم القدرة على تنفيذ الخطط الموضوعة في الوزارات والمؤسسات واعادة الاموال المخصصة لها الى وزارة المالية، على الرغم من الحاجة الماسة الى تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات، علاوة على ان مبدأ المحاصصة قد كرس التقسيم الطائفي، وكانت له انعكاسات سلبية حتى على الملف الامني الذي شهد تدهوراً خطيراً نظراً لوجود ولاءات جانبية داخل الجيش والشرطة والاجهزة الامنية للحزب او الطائفة بدلاً من الولاء للوطن والتمسك بالهوية العراقية.
نقول وقد فوجئنا بعد فشل المحاصصة ان لجنة،يظهر انها كانت تعمل في الخفاء، قد ظهرت الى العلن للعمل على توزيع المناصب في الوزارات والمؤسسات الحكومية بحسب ما اطلق عليه quot; مبدأ التوازنquot; أي ان تحصل كل طائفة على حصة معينة من الوظائف انسجاماً مع مبدأ التوازن في توزيع المسؤوليات،وان لجاناً تشكل في الدوائر الحكومية لتحقيق ذلك بما يرضي الطوائف والفئات وبحسب النسب المقررة لها.
ولا شك ان مثل هذا الاجراء يمثل كارثة كبرى على تكوين الدولة العراقية ومؤسساتها، فهو قد (نزل) بمستوى المحاصصة ليشمل جميع الوظائف بدلاً من اقتصاره على المستويات العليا، وذلك ما سيؤدي الى المزيد من الانقسام الطائفي داخل كيان الدولة من جهة، ومن جهة اخرى سيؤدي الى تدهور كامل في أداء مؤسساتها لأن من سيستلمون المسؤوليات بموجب المحاصصة لا يشترط بهم ان يحملوا من الكفاءة والخبرة ما يؤهلهم الى اشغال وظائفهم، وهو ما سيؤدي بالضرورة الى المزيد من التردي في الاداء الحكومي في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من انعدام كامل للخدمات الاساسية في مجالات الكهرباء والماء والطاقة والخدمات العامة، علاوة على انهيار العملية السياسية وزيادة الصراعات من الكتل والقوى السياسية وحتى من داخلها، ما جعل البلاد تسير في طريق لا تحمد عقباه في ظل اوضاع امنية خطرة.
ان مثل هذا الاجراء مرفوض تماماً بجميع المقاييس والاعتبارات، فهو من ناحية يخالف المادة 107 من الدستور التي تعتبر الوظيفة حقاً لكل مواطن بغض النظر عن انتماءاته العرقية او الدينية او الطائفية، وهو من ناحية اخرى يخالف اعتبارات بناء الدولة واجهزتها على اسس حديثة، ومنها قيام ادارة مركزية متخصصة لتعيين العاملين في الدولة بعد اختبار كفاءتهم ومقدرتهم على اشغال أية وظيفة.
اننا وكما طالبنا منذ بداية التغيير بألغاء مبدأ المحاصصة اصلاً من العملية السياسية وتوزيع المسؤوليات على اساس مبدأ الكفاءة والنزاهة، فنحن نعتبر تشكيل لجان التوازنات في المؤسسات الحكومية لتعيين العاملين ردة كبيرة الى الوراء وتكريساً للمحاصصة المقيتة التي لم تجن منها البلاد سوى الانقسامات والكوارث والتدهور في شتى المجالات.. وكان أملنا بعد ان اثبتت الوقائع العملية فشل المحاصصة، ان تعيد الحكومة النظر في منهجها والغاء هذا المبدأ، ولكننا ومع الاسف نجد ان هناك اصراراً على تكريس الطائفية واعتبارها المبدأ الذي تسير بموجبه عجلة الدولة بعد ان بدأت بالعملية السياسية.
وبناء عليه فنحن نطالب بالحاح كل القزى والشخصيات الوطنية لممارسة الضغوط على الحكومة لألغاء تطبيق اسلوب التوازن في توزيع الوظائف الحكومية ونحذر من العواقب الوخيمة التي ستحل بما تبقى من الدولة ومؤسساتها، وندعو الى بناء الدولة على اساس الكفاءة والخبرة والنزاهة والاخلاص للوطن..
الامين العام للحركة الاشتراكية العربية