عندما هبطت الجيوش الأمريكية في أفغانستان بعد قصف جوي مكثف لها عام 2001م، انسحب طالبان من المدن وأصبحوا لا يُسمع عنهم شيء؛ إلا أنهم بدأوا يشعرون بعودتهم في وقت أقل مما كان يتوقع البعض. فبدأت قوات الاحتلال تواجه بالمقاومة في المناطق المختلفة من أفغانستان.

وقد قامت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية أجرت انتخابات quot;مهندسةquot; لتبرير احتلالها لأفغانستان بأنها قد أعادت الديموقراطية إليها إثر الإطاحة بنظام quot;غاشمquot; رجعي؛ لكن الأمور لم تسر وفق إرادة الأميركيين. فلم يقدر الرئيس المعين والمدعوم أميركيا من بسط سيطرته على أفغانستان خارج العاصمة كابول التي كانت القوات الدولية تتمركز فيها.

وكان الشعب الأفغاني ينتظر خيرا بعد حرب دامت لأكثر من عقدين وقد أتت على كل أخضر ويابس؛ إلا أن آماله خابت بسبب تفشي الفساد المالي والرشوة والإثرة في الحكومة إضافة إلى اختلاس أموال الدولة وعدم القدرة على مكافحة المخدرات.

وهذا ما جعل الناس مرة أخرى ينتظرون ناجيا ينقذهم من هذا الوضع السيء. والأمر الذي أدرك به الجميع هو أن الشعب الأفغاني قد نال شيئا من التسهيلات وحظي بتحسينات في البنية الأساسية للبلاد؛ إلا أنه فقد الأمن والسلام الذي كان يحظى به زمن طالبان.

والآن وبعد مرور سبع سنين على الإطاحة بنظام طالبان في كابول، أخذ الجميع يدركون بحاجة إلى التفاوض مع طالبان من أجل إعادة السلام إلى شوارع أفغانستان. وقد رفع العقيرة بالتفاوض كل من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وقوات الناتو وأخيرا الولايات المتحدة نفسها. ويرى محللون أن الدوافع التالية دفعتها إلى تغيير تفكيرها إزاء طالبان:
1.إرهاق القوى الدولية في أفغانستان وفشلها العسكري فيها، إذ لم تقدر القوات الدولية مع جميع ما أوتيت من عدة وعتاد، على بسط سيطرتها على جميع أرجاء أفغانستان.

2.انهيار معنويات القوات الدولية؛ لأنها لا ترى لتواجدها في أفغانستان مبررا.

3.ازدياد الضغوط على الولايات المتحدة من داخلها ومن جانب المجتمع الدولي، جراء الخسائر المدنية في القصف الجوي والهجمات الأميركية على طالبان.

4.فشل القوات الدولية في القضاء على القاعدة وعدم تمكنها من اعتقال أو اغتيال رموزها الكبيرة.

5.مواجهة الصعوبات في مواصلة خط الإمدادات لقوات الاحتلال في أفغانستان، بسبب التوتر في العلاقات الروسية الأمريكية، والوضع الأمني المتدهور في المناطق القبلية الباكستانية التي تستخدم لنقل الحاجيات العسكرية والنفط إلى أفغانستان.

6.إن معظم اعتماد كرزاي على الأقليات الأفغانية من الطاجيك والأزبيك والهزارة، في حين هناك شعور بالحرمان في الولايات الجنوبية التي تؤوي البشتون وهم يمثلون أكثر من نصف سكان أفغانستان. وتلك المناطق معاقل لطالبان.

وفي هذا الإطار قد ألمحت القوى الدولية بالجلوس مع طالبان على طاولة المفاوضات، وكانت أول محادثات من هذا النوع في مكة المكرمة خلال شهر رمضان المنصرم، عندما اجتمع بعض قادة طالبان القدامى ومسؤولون أفغان على مائدة إفطار برعاية العاهل السعودي.

وكان السبق الصحفي في نقل تلك المحادثات إلى الأضواء للصحافة الأميركية؛ إلا أن الحكومة الأفغانية وطالبان كلاهما رفض تلك التقارير أول الأمر؛ غير أن الملا وكيل أحمد متوكل وزير خارجية طالبان والملا عبد السلام ضعيف سفير طالبان لدى إسلام آباد، قد أكدا ذلك الخبر فيما بعد؛ بيد أنهما نفيا حدوث أي تفاوض، حتى إن المتوكل قال إنه لم يتم التطرق إلى أي موضوع سياسي حتى قضية أفغانستان. كما أن شقيق الرئيس كرزاي أيضا اعترف بحضوره في ذلك اللقاء مع الجانب السعودي.

وكل هذه الأمور إذا تدل فإنها تدل على أن هناك تحرك دولي للتفاوض مع طالبان. وتم اختيار المملكة العربية السعودية بسبب أنها الدولة التي يحترمها المسلمين في جميع أرجاء العالم، إضافة إلى علاقاتها الطيبة مع حكومة طالبان؛ لأنها كانت الدولة الثالثة بعد باكستان والإمارات العربية المتحدة التي اعترفت بحكومتهم رسميا.

ويرى محللون أن تلك المفاوضات تهدف إلى الأمور التالية:

1.الفصل بين طالبان والقاعدة

2.التفريق بين صفوف طالبان بتسمية البعض منهم بالمعتدلين والآخرين متشددين؛ لأن أي تفرقة بين طالبان - سواء أكانت هناك مفاوضات أم لم تكن- ستنصب في صالح قوات الاحتلال.

3.محاولة من الرئيس كرزاي ليستطيع القول بأنه يرغب في إعادة الأمن والسلام إلى أفغانستان، والإقناع بهذا الأمر سيكون نافعا له خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أما عودة طالبان إلى كابول منتصرين، فهو أمر يتوقعه الكثير من المحللين الدفاعيين والسياسيين. فيرى الجنرال حميد غل المدير العام السابق للمخابرات العسكرية العامة الباكستانية والمحلل الشهير عرفان صديقي بأن طالبان سيعودون بقوة أكثر؛ لأنهم قد يكونوا تعلموا دروسا من أخطائهم السياسية والعسكرية في الماضي، كما أنهم سيحظون بشعبية أكبر هذه المرة، جراء فشل الحكومة الأفغانية في بسط هيمنتها على البلاد وعدم تمكنها من تحقيق طموح الشعب، إضافة إلى الظلم والقصف والقتل الذي يتعرض له الشعب على يد قوات الناتو هناك.

وأخيرا يبقى السؤال عن نجاح تلك المحادثات وفشلها. يرى محللون أن نسبة نجاح تلك المحادثات في هذه المرحلة ضئيلة للأسباب التالية:

1.الحكومة الأفغانية تطالب طالبان بإلقاء السلاح. وهو أمر غير مقبول لديهم أصلا.

2.طالبان يطلبون انسحاب قوات الاحتلال من البلاد، وهو ما لا يمكن أي يكون مطلبا مقبولا أو معقولا لدى كرزاي وأعوانه؛ لأن انسحاب القوات الأجنبية لا يعني سوى فرار كل من دخل كابول على الدبابات الأميركية، منها.

3.إن الجانب الذي يعتبر طالبان في هذه المرحلة، يتضمن أشخاصا سبق لهم العمل في صفوف طالبان؛ إلا أنهم لم يعودوا جزءا من المقاومة أو الحركة التي تعارض تواجد القوات الأجنية في أفغانستان. وبناء عليه يُخشى أنه لن يكون لهم ثقلا في ميزان المفاوضات.

إلى ذلك ومهما تكن من النتائج، فإن الأمر المشجع الوحيد في هذا الصدد في نظر المحللين، هو أنها بريق أمل للمستقبل، إذ أدركت القوى الغربية والموالون لها في أفغانستان الذين كانوا لا يتحدثون إلا بلسان الحديد والنار بأن طريق رخاء أفغانستان وازدهارها، تمر بقندهار وهلمند.

عبد الخالق همدرد
كاتب ومحلل باكستاني
00923005380546
[email protected]