لماذا على العراق وحده أن يقدم شهادة حسن السلوك، وكشفاً بحسابه لأشقائه وجيرانه وخاصة الجارة العزيزة إيران؟ لماذا لا يقدم له الآخرون شهادات بحسن سلوكهم، وكشفاً بحساباتهم وتصرفاتهم ونواياهم؟ كيف يقبل حكام العراق اليوم بذلك؟ بل كيف يقبلون أن يكونوا متهمين بالخيانة مشكوك بتصرفاتهم وأعمالهم وعليهم وحدهم أن يمنحوا الجميع وخاصة الجارة العزيزة إيران ثقتهم واحترامهم لسلوكهم وتصرفاتهم ونواياهم؟


ألم تخض تركيا حروبا وتبرم اتفاقيات ومعاهدات،و تؤجر قواعد أمريكية على أراضيها وتسعى اليوم لتصير جزءا من الاتحاد الأوربي دون أن تستشر العراق؟ ألم تخض سوريا والأردن والسعودية والكويت،وبأشكال متفاوتة حروباً أو جزءاً من حروب وتعقد اتفاقات ومعاهدات،وبعضها مع إسرائيل عدوة العرب الكبرى كما يقولون دون أن يستشيروا العراق؟ ألم تحتل إيران أجزاء من أرض الإمارات، وتشرع بامتلاك سلاح نووي، وتحرك حزب الله في لبنان كيف تشاء، وتزج لبنان نيابة عنها في حرب مع إسرائيل دون أن تستشر العراق؟ لماذا على العراق وحده كلما كان عليه أن يتخذ قرارا مصيرياً يركض إلى الجارة العزيزة إيران يطلب موافقتها على قراره؟ ورضاها عن سلوكه! ولماذا حكامه اليوم يمتثلون لها ولا يمتثلون لشعبهم؟ أو لعقولهم وضمائرهم؟ أهي غائبة؟


ليس غريباً أن حكام العراق الذين يتهالكون على الحصول على شهادة حسن السلوك من جيرانهم أو أشقائهم أو حتى المراكز الدولية الكبرى، يرفضون أن يقدموا للشعب العراقي شهادة بحسن سلوكهم وكشفاً بحساباتهم سواء الأخلاقية أو السياسية أو المالية؟


لا أحد يريد من العراق أن يكون دولة مارقة أو سيئة سلوك وسمعة، ولكن الشهادة بذلك لا تأتي بالتهالك على رضى الآخرين والخنوع لإرادتهم! إنما من الثقة بالنفس، والتثبت من السلوك والموقف عبر مواصفات يعرفها الأسوياء والخبراء!


ربما لو تحدث علماء النفس والاجتماع في ذلك لقالوا لك إنها ظاهرة عراقية متوارثة، مردها شعور مركب بالنقص، وازدواج واهتزاز في الشخصية، شعور بالذنب والتلوث الروحي، عدم ثقة بالنفس،وهي حالة متأصلة لدى العراقيين ورثوها من عصور القمع والاضطهاد والظلم والانحطاط الطويلة، ألم يقل الحجاج للعراقيين،إني أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها؟ أليس المقصود بأينعت، نضجت؟ وإذا نضج رأس العراقي وامتلأ بالفكر والحكمة فيجب أن يقطع كالتفاحة المكتنزة! ألم يحكم العثمانيون العراق والدول الإسلامية أربعمائة سنة، حيث كانت بغداد تباع في الاستانة للوالي الذي يقدم أكبر عرض من الموارد لخزينة السلطان ينتزعه من جلود العراقيين وأرواحهم؟ كيف تريد للعراقيين الذين رزحوا تحت حكم الطغاة الذين مسخوا شخصياتهم ونفوسهم أن يتصرفوا بثقة وكبرياء واعتداد بالنفس؟ كيف؟


ربما يقول لك علماء الاقتصاد، إن العراقي رغم خيرات بلاده الكثيرة لكنه لم يعش الأمن الغذائي أبداً،فدجلة والفرات شريانا الحياة يأتيان من الخارج، ويمكن لتركيا أن تقطعهما عنه وهي بدأت فعلاً بقطعهما؟ وهو دائما يعتمد في عيشه على ما يستورد من خبز ولباس وصناعة خاصة بعد تطور الحياة الاستهلاكية، واليوم حتى الكهرباء والنفط يأتيان من الخارج؟ وهذا كله يجعله يفقد اعتماده على نفسه،وامتلاك قراره واستقلاله النفسي والعقلي!


نعم كل هذا صحيح وهو يدخل في بناء الشخصية العراقية وهو بالتأكيد قد ساهم في صنع مصيرها المأساوي الحالي وهو الذي يجعل مستقبلها محفوفاً بمخاطر كثيرة. ولكن ثمة ظاهرة خاصة في الوضع العراقي اليوم وهي : تشكل لوبي حديث قوي آخذ بالاتساع يعمل لصالح إيران بفعل أسباب عديدة ومعقدة لم تعد تخفى على أحد! أهمها طموح هؤلاء للبقاء في السلطة بحماية إيرانية بعد رحيل الأمريكان والتزود من إيران بالوقود الكافي لبقاء كراسي سلطتهم جاثمة على صدور العراقيين! مكونو هذا اللوبي صارت لديهم مصلحة إيران أهم من مصلحة العراق،ولا يهمهم أن يذهب العراق إلى الجحيم فقط أن تبقى إيران في جنة الملالي، ولا يهمهم أن تهشم أبواب العراق فقط أن تبقى بوابات إيران مفتوحة لهم ذهاباً وإياباً مع أموالهم وميليشياتهم وعبواتهم الناسفة!
ويجافي الحقيقة من يحاول أن يحصر هذا اللوبي برجال من شيعة العراق،فتصريحات محمود المشهداني السني في طهران لا تقل استخذاءً وتهالكاً عن تصريحات إبراهيم الجعفري!


ولقد وصلت الصفاقة ببعض وجوه هذا اللوبي أن صار يتحدث عن جاهزية القوات الإيرانية لدخول العراق إذا ما خرجت القوات الأمريكية من العرق أو توقفت عن العمل!


أنا أحترم من يعارض إبرام الاتفاقية الأساسية مع أمريكا إذا انطلق من مصلحة العراق فعلاً ويمكن له أن يقنعني بموقفه، أو أقنعه بموقفي،فهذا حق للعراقيين وحدهم ما داموا واثقين أنهم لا يكنون عداء أو نوايا سيئة لأحد! ويريدون بناء وطنهم وحمايته! ولكن كيف يمكن أن أقتنع وأتجادل مع مسؤول يقول إنه يعارض توقيع هذه الاتفاقية لأنها تقلق دول الجوار وخاصة إيران، وهو يقصد إيران فقط، فحتى سوريا اليوم تتفاوض مع إسرائيل من أجل اتفاقية معها ومع أمريكا، وسنرى غداً بنودها!


ليعقد حكام العراق اليوم اتفاقية مع إيران مكونة من بند واحد فقط يقول : على إيران أن تقدم كشفاً بحسابها،وشهادة بحسن سلوكها للعراق، وعلى العراق أن يقدم كشفاً بحسابه،وشهادة بحسن سلوكه لإيران! وآنذاك سيكون من حق محمود المشهداني والجعفري والحكيم والصغير والكبير أن يقدموا شهادات حسن سلوكهم لخامنائي واحمدي ورفسنجاني حتى إذا أصر هؤلاء الحكام العراقيون على عدم تقديم شهادات بحسن سلوكهم أو كشفاً بحساباتهم للعراقيين!

إبراهيم احمد