ثمة أسئلة واشارات استفهام عديدة،في الأوساط السياسية والثقافية، الكردية والآشورية والأرمنية، السورية. اثارتها محاضرة بعنوانquot;الوحدة الوطنية ومشكلة الأقلياتquot; اقامها، في مدينة القامشلي بتاريخ 25 تشرن الأول الماضي، الأستاذ كمال نادر، القادم من لبنان، الأمين والمسؤول الاعلامي في الحزب السوري القومي الاجتماعي،جناح عصام المحايري، المقرب من الحكم في سوريا،ممثل في الحكومة ومجلس الشعب والجبهة الوطنية.تتمحور هذه الأسئلة حول توقيت المحاضرة والمواضيع التي تناولها المحاضر والرسائل السياسية التي أراد ايصالها أو حمل بها الى الأحزاب الكردية والآشورية والأرمنية السورية.فبحسب عنوان المحاضرة كان من المفترض أن يقدم الأستاذ كمال نادر وجهة نظر أو رؤية حزبه quot;السوري القومي الاجتماعيquot; لحل مشكلة القوميات في سوريا وبما يعزز الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع السوري الذي يعاني من نقص كبير في الاندماج الوطني ومن اشكالية في quot;الهوية الوطنيةquot;.


لكن يبدو أن عنوان المحاضرةquot;الوحدة الوطنية ومشكلة الأقلياتquot; اختير quot;لغاية في نفس يعقوبquot;.اذ لم يتحدث المحاضر كمال نادر،عن quot;مشكلة أقلياتquot; في سوريا والمنطقة،وذلك انسجاماً مع الفلسفة القومية لحزبه التي لا تقر أصلاً بوجود قوميات في مجتمعات ودول ما يسمى بـquot;سوريا الكبرى أو سوريا الطبيعيةquot;، وانما فقط أقوام وأعراق ومجموعات ثقافية ودينية واجتماعية جميعها هي سورية المنشأ والمنبت.واللافت أن الاستاذ كمال نادر لم يتوقف بالمطلق عند سياسات التميز القومي والاقصاء التي تمارسها السلطات السورية اتجاه الكورد والآشوريين والأرمن والأقليات الأخرى وعن حرمانهم من حقوقهم القومية والديمقراطية.وبدلاً من أن يطرح حلاً واقعياً لمعضلة التعددية القومية في سوريا على قاعدة حقوق المواطنة الكاملة والمساواة التامة بين ابناء الوطن الواحد، شكك بالولاء الوطني للأقليات واتهمها بالعمالة للخارج المتآمر.قال عنها:quot;بأنها حاملة مشروعات تخريبية في المنطقةquot;.ملمحاً الى الزعامات الكردية في العراق وبعض الزعامات المسيحية في لبنان.ففي سياق حديثه عن الأزمة اللبنانية حمل الأحزاب المسيحية،وبشكل خاصquot;حزب الكتائبquot;مسؤولية الحرب الأهلية والفتنة الداخلية في لبنان.بينما هو أشاد بعملية اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب quot;بشير الجميلquot; عام 1982 من قبل المدعو quot;حبيب شرتونيquot; أحد كوادر السوري القومي الاجتماعي، واعتبر السيد كمال تلك الجريمة الارهابية- التي فاقت ببشاعتها جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط 2005- عملاً بطولياً ووطنياً.هكذا وعلى طريقة فقهاء الارهاب والقتل من الاسلاميين المتشددين التكفيريين، برر السيد كمال اغتيال بشير الجميل بالقول: quot;أنه كان خائن لوطنه وعميل لاسرائيلquot;وقد قام الحزب بإعدامه تطبيقاً لمبادئه ولعدم وجود دولة لبنانية تقوم بمعاقبة الخونة.

لا يبدو أن السيد كمال نادر جاء الى الجزيرة السورية،معقل الأحزاب الكردية والكلدوآشورية سريانية والأرمنية، متسللاً/ متخفياً، خلف عنوانquot;الوحدة الوطنية ومشكلة الأقلياتquot;،فقط ليسمع الحضور مواقف حزبه من الأزمة اللبنانية ومن الأحداث والتطورات التي تعصف بالمنطقة،وانما جاءها وهو محملاً ربما بأكثر من رسالة وبأكثر من اتجاه،استشف بعضها من مما قاله وسمعناه في محاضراته.رسائل لكل من الحركة الكردية والحركة الآشورية محذراً لها من عواقب الذهاب بعيداً في رفع سقف مطالبها والتفكير باستغلال الضغوط الخارجية على سوريا والمنطقة.وبشكل خاص محذراً أكراد سوريا من انتهاج طريق أخوانهم أكراد العراق المتطلعين الى الاستقلال واقامةquot;الدولة الكرديةquot; في الشمال العراقي.فقد سأل الاستاذ كمال نادر،كما لو أنه محقق أمني، اثناء مداخلة قدمها قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي حول سياسات التميز القومي التي تنتهجها السلطات السورية،سأل: فيما اذا كان أكراد سوريا يؤيدون اقامة quot;دولة كرديةquot; في الشمال العراقي أم لا؟. ربما ليحكم السيد نادر على أكراد سوريا بموجب الاجابة التي يسمعها، فيما اذا كانوا وطنيين أم لا؟. هكذا فالسيد كمال لم يجعل من نفسه وصياً على لبنان وشعوب لبنان،ووكيلاً لحزب يوزع صكوك الوطنية على من يشاء من اللبنانيين ويخون من يشاء منهم ويفتي بقتله فحسب، وانما نصب نفسه وصياً على شعوب سوريا والعراق وكل دول وشعوب ما يسمى بـquot;الهلال الخصيبquot;.فرغم موافقة القيادة السورية على اقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان، استجابة لرغبة الحكم اللبناني والمجتمع الدولي، اعلن كمال نادر رفض حزبه لهذه الخطوة لأنها اعتراف بالحدود المصطنعة التي وضعتها اتفاقية quot;ساس بيكوquot;.


لقد تناول القوميون العرب بكثير من الطوباويةquot;العروبةquot; ورفعوها الى مرتبة quot;القداسةquot;.وسعى،ومازال الكثير منهم، الى فرض هذا المفهوم الآيديولوجيquot;العروبةquot; كهوية وانتماء بديلاً عن quot;الهوية الوطنيةquot; للكيانات السياسية،المسماة وفق ذات quot;الآيديولوجيا المهزومة والمتكلسةquot;بـquot; أقطار عربيةquot;وتوحيد هذه الاقطار في دولة قومية عربية واحدة.لكن بعد عقود طويلة اكتشف القوميون العرب بأنهم باتوا أكثر بعداً عن حلمهم القومي.حيث تعمقت الانقسامات والخلافات quot;العربية- العربيةquot; وتحولت المجموعات والأقليات الدينية والثقافية والاثنية التي طالها الاقصاء والتهميش والابعاد في ظل الاستبداد القائم الى شبه quot;كيانات سياسيةquot; داخل الدولة الواحدة تهددها بالتفكك والانفراط.يبدو أنquot;القوميين السوريينquot;في تناولهم لظاهرة التعددية القومية ومشكلة الأقليات وكذلك في نظرتهم الى تاريخ المنطقة وشعوبها،لم يختلفوا كثيراً عن أشقائهم quot;القوميين العربquot;- بحسب عقيدة القوميين السوريين تعتبر الأمة السورية احدى الأمم العربية- ورغم انشطار quot;القوميون السوريونquot; الى تيارات وأجنحة متخاصمة لا يبدو أنهم أخذوا دروساً وعبراً من تجارب أشقائهم quot;البعثيينquot;في الحكم و السلطة، في كل من العراق وسوريا.حيث أخفقا جناحا البعث ليس بتوحيد البلدين وانما حتى بإحداث أي تقارب سياسي أو تعاون جدي بينهما رغم تجاورهما الجغرافي والحدود المشتركة، لا بل في أغلب المراحل كانت العلاقات بين البلدين مقطوعة ومتوترة.


لقد دفعت الطوباوية الفكرية والرومانسية السياسية السيد كمال نادر الذهاب بعيداً في تفاؤله ورهاناته على قيام quot;سوريا الكبرىquot;الكفيلة بحل الأزمة اللبنانية وجميع أزمات المنطقة والقادرة على مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية التي تتعرض لها.هذه القراءة التبسيطية و المؤدلجة سببت استياءً لدى الحضور، عبر عنه من خلال أسئلة تمحورت بمعظمها حول المغالطات السياسية والتاريخية والتناقضات الفكرية التي انطوى عليها كلام السيد نادر.


أخيراً: واهم كل من يعتقد بأن اقامة مثل هذه المحاضرات وتناول هكذا قضايا في سوريا في هذه المرحلة هي دليل او مؤشر على وجود مناخ ديمقراطي في هذا البلد الذي ينفرد حزب البعث بحكمه واستحواذه على كل السلطات. فـquot;المراكز الثقافيةquot; لا تفتح ابوابها إلا لمحاضرين بعثيين أو مقربين من الحكم والموالين له، امثال الاستاذ كمال نادر.والعناوين الديمقراطية التي يرفعها البعث الحاكم وكذلك الأحزاب التي تدور في فلكه في اطارquot;الجبهة الوطنيةquot;هي ليست أكثر من محاولات يائسة لإيهام وتضليل الرأي العام السوري بأن ثمة تحول ديمقراطي ما في سوريا،ولتجميل صورة الواقع المزري الذي يعيشه الشعب السوري منذ عقود طويلة فيما يخص الحريات السياسية والديمقراطية وحقوق الانسان.وما الحكم الجائر الذي صدر قبل أيام، ويقضي بسجن عامين ونصف اثني عشر من نشطاء المعارضة الديمقراطية السورية فيquot;اعلان دمشقquot; للتغير الديمقراطي،الا دليل جديد على استمرار انتهاك حقوق الانسان السوري وعلى قمع الحريات وكم الأفواه في سوريا.

سليمان يوسف يوسف

[email protected]
سوري آشوري مهتم بقضايا الاقليات