الهجمات الدموية و الحملات العسكرية الشرسة في بلاد الهند ليست بالأمر الجديد بالمرة، بل أن الولادة الإستقلالية الحديثة لتلك البلاد قد تمت من خلال الصراعات الدموية و الحرب الأهلية الشرسة بين مكونات شبه القارة الهندية السكانية كما كان ظهور دولتي الهند و باكستان مرتبطا أساسا بحالة الإنقسام الديني و التوتر العرقي السائدة هناك و التي يمكن إتبارها حالة إعتيادية في مجتمع ضخم و متعدد الثقافات يضم ملايين الناس و عشرات الآلاف من القوميات و الديانات و المذاهب و اللغات، و إذا كانت الباكستان السابقة بقسميها الشرقي و الغربي قد تعرضت لحالة حرب أهلية إنقسامية أدت لحرب ضروس مع جارتها الكبرى الهند مما أدى بالتالي لولادة دولة جديدة مسلمة إنبثقت من رحم الدولة المسلمة الأخرى وهي دولة ( بنغلادش ) المعروفة بباكستان الشرقية سابقا، فإن جمهورية الهند إستطاعت الحفاظ على وحدتها الإقليمية و على تشكيلتها القانونية و الدستورية رغم النزاعات الداخلية العنيفة، و نقاط التونر الصعبة و الحساسة، كقضية المسلمين في كشمير و قضية الصراع الإنفصالي للسيخ و مطالبتهم بالإنفصال و بتكوين دولة خاصة هي ( خالستان ) و هو صراع و نزاع دموي شرس أدى في النهاية لمصرع رئيسة الوزراء الشهيرة ( إنديرا غاندي ) على يد أحد أفراد حمايتها من السيخ، و كذلك قضية نزعة التاميل للإنفصال في جنوب البلاد و في ولاية تاميل نادو و أرتباط ذلك الملف بقضية الصراع التاميلي مع السنهاليين في سيريلانكا مما أدى في النهاية لمأساة مصرع رئيس الوزراء الأسبق ( راجيف غاندي ) بيد إنتحارية تاميلية، هذا غير التاريخ الدموي الطويل للنزاع المرير بين الأغلبية الهندوسية و بين المسلمين و السيخ وهو الذي كلف الهند حياة زعيمها الروحي و الوطني الكبير مهاتما غاندي في بداية الإستقلال، لذلك فإن صفحات الدم الهندية مفتوحة على الدوام وهي من الأمور التي تحولت لمسألة روتينية ضمن ملف إدارة الصراع في القارة الهندية التي تحولت اليوم لمرجل يغلي من الصراعات الداخلية التي باتت للأسف على ما يبدو معدة و مهيأة بالكامل للإنفجار الشامل و حتى للتصدير وضمن حالات صراع الضد النوعي أحيانا، ففي باكستان المتوترة دوما يتصاعد الصراع بين السلطة و التيارات الدينية المتطرفة من القاعدة أو بقية التنظيمات الأصولية و الجيوش السلفية و التي أدت لأزمة دستورية عنيفة بعد مصرع السيدة بي نظير بوتو مؤخرا خلال حملتها الإنتخابية و من ثم بروز المفاجأة وصعود زوجها عاصف زرداري لإستلام رئاسة الدولة بعد رحيل الجنرال برويز مشرف الذي أعلن عن فشله الواضح في إدارة الدولة الباكستانية و التي بإنهيارها ستنهار أشياء عديدة لعل أبرزها السلم الإقليمي في أواسط آسيا و إنفلات عقال الفوضى عبر الشريط الهندي الباكستاني الأفغاني و هو الممتد حتى الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى ليتلامس مع الحزام الناري الملتهب أيضا و البركان الخامد حاليا في بلوشستان وصولا لمياه الخليج العربي الدافئة!

أي أن هنالك مكونات لأزمة دولية كبرى بدأت بالتصاعد من بلاد الهند و التي إستطاعت بنظامها الديمقراطي الصارم أن تنجو من أزمات عنيفة خلال نصف القرن الأخير، كما تمكنت بهدوء و صبر من تحقيق تقدم إقتصادي و صناعي ملفت للنظر مكنها من ولوج عصر العولمة و المشاركة الدولية الفاعلة في التطور التكنولوجي إضافة لتعزيز قدراتها الدفاعية الصاروخية و النووية، فهي بدون شك أكبر ديمقراطية في العالم،و لكن ما حصل في ( بومباي ) من أعمال تفجير و خطف و إغتيال قيل أن جماعة إسلامية محلية هي ( مجاهدو الجنوب ) تقف خلفه هي من الأمور و الملفات الخطيرة التي تهدد لا محالة بتفجير الهند و تدمير الديمقراطية الهندية على رؤوس أهلها مما سيؤدي بالتالي لكارثة قارية و دولية لا يعلم أحد بمدياتها و مؤثراتها الحالية و المستقبلية، التلاعب بالملفات الدينية الكبرى يعني في النهاية التهديد بقيام مواجهة نووية في آسيا الوسطى، كما أنه يعني إنتشار الخراب الواسع و إهتزاز السلام الدولي القلق، كما أنه مؤشر مهم للغاية على مرحلة قادمة من الفوضى الأهلية خصوصا في ظل الإتهامات المتبادلة بين المسلمين و الهندوس بالوقوف خلف الإضطرابات التي لو لم يمكن إحتوائها فإنها ستتحول بدون شك لكرة نار ضخمة ستحرق سقف العالم و ستكون الشرارة الفاعلة للحرب الكونية الثالثة، لا أحد حتى اليوم يمتلك الملفات الحقيقية و الأسرار الخفية لنشاط و جدية تلك التنظيمات الإسلامية التي تمارس الإرهاب الأسود و الشامل؟ كما أنه لا أحد يمتلك الوثائق السرية للصراع الدائر في شبه القارة الهندية، و لكن مع متابعة ما يدور في العالم فيبدو إن نقاط التفجير و الإشتعال الدولي يراد لها أن تتحرك بعيدا عن الشرق الأوسط وهو الخلية التاريخية و شبه الدائمة للأزمات، ليتم تحريك لعبة الأمم من شبه القارة الهندية من خلال التنظيمات الوهمية أو الخيالية أو المخابراتية لما يسمى بالجماعات الدينية!! في القضية المشتعلة أسرار و غوامض و بلاوي و ملفت معقدة، و المستهدف هو تدمير الدولة الديمقراطية في الهند وزرع الفوضى في آسيا الجنوبية، و تنفيذ ملفات و مهام كونية لا تعرف طبيعتها و لكن علاماتها و مؤشراتها واضحة للجميع... ما حصل في الهند و ما سيحصل بعد حين من إنهيار في باكستان، و من توتر إقليمي ساخن هو بمثابة البداية الساخنة لملف دولي جديد سيكون العنوان الدائم للفترة الرئاسية الديمقراطية القادمة في الولايات المتحدة... العالم على كف عفريت، و من الهند ستتحدد الخيارات فإما سيادة الحكمة الهندية المعروفة، أو إنفلات الشياطين و العفاريت.. و ساعتها سنقول على الدنيا السلام....!

داود البصري

[email protected]