درهم الطائي النووي
رد متأخر على مقال quot;ادفع درهما تقتل صهيونياquot;

اذا كنا نحن العراقيين، بفضل ما حدث بعد الاحتلال، قد خفضنا الصوت او ربما صمتنا لننضم قسرا للأغلبية (الصامتة)، تاركين ساحات الحديث والاستئساد الاعلامي الجديد للمجموعة (الناطقة) التي اغلبها اتت به رياح التغيير (الجديد) ايضا، فهذا لا يعني انه سكوت الرضا، بل سكوت المترفع العارف بهم شعبه خير معرفة.


(ادفع درهما تقتل صهيونياً)؟؟؟!!!

من بين الاصوات الناطقة صوت الاستاذ محمد الطائي الذي طل من موقع ايلاف يوم 11/11/2008 بمقال غامض المقصد والهدف عنونه quot;ادفع درهما تقتل صهيونياquot;. للحق قرأت مقاله عدة مرات لاستخلص هدفها فلم اجده. الدرهم العراقي غائب وصار تحفة من التحف اذا رآه اطفالنا قطعا لا يعرفون بانه كان في يوم ما عملة (طاهرة) ايام الخير العراقي التي صارت في خبر كان يا ما كان. والصهيونية ليست في مأزق كبير يدفع عراقيا مهما كان الى ان يدافع عنها او يستذكر تاريخ درهمنا (النووي) ليحميها من شره.


من باب حرية الرأي وديمقراطية (الحب) انا اول من يرفض قمع صوت من يتغزل بمن يحب شريطة ان لا يكون على حساب حبيبتي. فالرجل حر بدوافعه وليهب حبه لمن يشاء سواء كانت الحبيبة صهيونية او فاشية او نازية ولكن ليتق الله، كما كان يردد المفكر على الوردي تلك العبارة دائما.


نحن الذين ما تنفسنا هواء غير هواء العراق من ايام الملكية الى الجمهورية الى الدكتاتورية لم تبق لنا الايام السود غير ذكريات دفينة (حلوة) اودعناها حلمنا بالخلاص. من بين اكثر ما نحنّ اليه هو تاريخنا التربوي المجيد وتجاربنا المدرسية في الخمسينات والستينات وحتى منتصف السبعينات. انا شخصيا خرجت جيلا كبيرا وعالي الهمة من المعلمين والتربويين كانوا اهلا للامانة ومفخرة في الاداء التربوي والتعليمي. اي مطلع او مختص بهذا الشأن حتما تغنيني شهادته عن الاسترسال.


تعطلت في الرد على الاستاذ الطائي فقط لاتاكد من عمره فلعله يتكلم عن مدارس جيل ما قبل عشر او خمسة عشر عاما، لكنني تاكدت من انه من مواليد منتصف الخمسينات وحديثه اذن عن مدارسنا في منتصف ونهاية الستينات. وليسأل الطائي ايا من مجايليه تعليميا عن تلك الايام المدرسية ومعلميها وتربوييها وحتما سيرى بريق دمعة في عين صاحبه تحن لتلك الايام الضائعات:
اولئك آبائي فجئني بمثلهماذا جمعتنا يا جرير المجاميع

لا احب لغة المراهنة ولا التحدي، وانّا لي ذلك وانا عراقي احلم بنقطة ضوء دائمة وقطرة ماء نقية ووظيفة لحفيد ودعاء يحمينا من عبوة (لاصغة). مع هذا وانا الجريح اقول له اتحداك ان تثبت ان كانت هناك مؤسسة تربوية عراقية واحدة في تلك الايام تزرع روح القتل والكراهية والعنف في نفوس ابنائنا، حتى ولو كان المستهدف عدوا مبينا. واستشهاددك بالسمبوسة واللبلبي لا يمنحك الحق بالنيل من تاريخ شعبنا ووطنا. نعم يا استاذ محمد للعراق وقفة مشرفة مع الشعب العربي الفلسطيني الذي سلبت ارضه وداره وتشرد مثلما تشر ويتشرد شعبنا اليوم. ولا اهاب ان اقول لك ان الصهيونية بغيضة كما الفاشية والدكتاتورية واي قوة عنصرية ومحتلة مهما كان لونها او دينها. كفانا ان نكون (ملكيين اكثر من الملك). فالخيرين من اليهود هم اكثر عداء للصهيونية من ابناء مدرسة المربد والفتوة التي حشرتها ظلما في فم الصهيونية.


أخطر ما نواجهه اليوم من الاعلاميين (الجدد) هو قلب الحقائق. وهل هناك اخطر ممن يقلب شعارا معروفا دانه اليهود قبل المسلمين والاجانب قبل العرب حين نادى الصهاينة quot;ادفع دولارا تقتل عربياquot;. لا احتاج الى اكثر من ان احيلك لكتاب الكاتب الامريكي المنصف لورانس جريزوولد المعنون quot;ادفع دولارا تقتل عربياquot; هذا الشعار الذي طرح في مدينة نيويورك سنة 1948 ليحثّ الأميركيين على التبرع للصهاينة في فلسطين من أجل الإمعان في إبادة العرب وتهجيرهم من أرضهم. وقد أثار المؤلف لورانس غريزوولد الوحشية التي مارسوها تحقيقاً لهدفهم في إقامة دولتهم على أنقاض دولة وشعب حي، وأثاره أكثر أن لا يسمع الأميركيون غير وجهة النظر الصهيونية، فقام برحلة إلى مختلف الدول العربية؛ وخطّ على أثرها مؤلّفه هذا. فبأي حق تترجم هذا الشعار لتحول quot;الدولارquot; الى درهم وتقلب quot;نيوركquot; الى quot;محلة الجمهوريةquot;.

الذي حيرني سكوت العراقيين عنك وقد مرت فترة ليست وجيزة على نشر موضوعك، خاصة المختصين والتربويين العراقيين وحتى العرب المنصفين الذي يعرفون رصانة وعلمية وموضوعية مؤسساتنا التربوية ومناهجها آنذاك. فما وجدت وانا الذي، ابلغ من العمر عتياquot; ان اكون وحدي الراد عليك. ولا اخفيك اني ليتني مت قبل ان ارى العراق هكذا نهبا لمن هب ودب يفتري عليه هذا ويسرقه ذاك ويتحايل عليه فلان ويتاجر باسمه علان.

نقطة اسجلها لك لا عليك وهي جرأتك ان تصور الانسان العربي والعراقي خاصة بانه يعيش quot;ازمة ثقافيةquot; بفعل شعار لا ادري من اين اتيت به وصرت تبني عليه quot;مقالاquot;. كم كنت، اذن، ظالما مع طلبتي حين كنت quot;اعصرهم عصراquot; في الانشاء وكتابة المقالات واقول لهم: اياكم اياكم ان تكتبوا مقالا بالطريقة ذاتها التي تتحدثون بها مع جداتكم اثناء شرب الشاي مع quot;الكعكquot;.

وهمسة أخيرة هي ان تضع في بالك ان ما تكتبه قد يقع تحت عيني عراقي فطن فينتبه الى شطحات غير موضوعية فيسألك: ما علاقة quot;رأس النظام السابقquot; بحديث عن ايام شرائك للعنبة والبلبي والصمون في اوائل او متصف الستينات؟. ليس هما ادافع عن اي نظام سابق او لاحق لكنها حقيقة تاريخية ودعوة لتوخي الصدق والموضوعية.

واخير ايها الاستاذ العزيز اطمع بسعة صدرك بنصيحة أخرى ولك كامل الحق برفضها او قبولها وهي ان كانت هناك جهة لها فضل عليك بما صرت اليه الآن فامدحها سرا لا جهرا، فليس كل ما يعرف يقال.
والله من وراء القصد.

الدكتور فاروق صبري العمري
استذ اللغة العربية المتقاعد من جامعة الموصل