بعد هذا المديح الساخن، لquot;دولة الإخوان الذهبية الجديدةquot; القادمة المنتظرة، وطوفانها المنتظر، عاد د. النابلسي من quot;مصر الطوفان الإخواني الأكبرquot; التي ما أتت(وإن أتت فسوف لن تكون، بالتأكيد، quot;ليبراليةquot;، quot;ديمقراطيةquot;، وديعةquot;، كما توقعها الكاتب، وإنما ستأتي داخل حدود الإسلام السلفي، أو حدود الخلافة الماضية، التي فصّلها الإخوانيون الآباء الأوائل، كحلٍ وحيدٍ أكيدٍ لحكمها وملكها)، عاد بخفي حنين، وتوجه إلى التفرغ لشئون مصر الأخرى، مصر القبطية، أو مصر الخارجة، لا بل المطرودة من حدود مصر الإخوان المسلمين، القدامى السلفيين والجدد quot;الذهبيينquot;، سواءً بسواء.

quot;أقليات ميموا على صفيح باردٍ جداًquot;..قبل ما يقارب العامين أو أقل، سمعنا وقرأنا الكثير بخصوص العكوس الساخنة جداً، لهذا العنوان

النابلسي من الاخوان الجدد للمعتزلة الجدد1-2

الصقيعي، بإمتياز. إنه عنوان يحمل في طياته عناوين أخرى سابقة طالعناها كquot;بشرى سارةquot; إلى أبناء الأقليات المضطهدة في quot;الشرق السعيدquot;. لا بد وأنّ المهتمين بالحرف وشئونه، قد قرأوا quot;بشريات سارةquot; من هذا القبيل، كان يبثها علينا، في حينه، بعض الكتاب والمفكرين الليبراليين، بقيادة د. النابلسي، الذين عزفوا على هذا الوتر quot;الملتهب، والمعروفين دون أدنى شك، بمواقفهم المساندة والمناصرة لحقوق الأقليات...وهنا لا أنكر بالطبع، بأني كنت واحداً من المشاركين في هذا العزف الليبرالي quot;الخالصquot;، ولكن من دون quot;آمال كبيرة ساخنةquot;، ودون quot;تسخينquot; لوعودٍ محتملة قادمة.

في 07 ديسمبر 2006، كتب د. شاكر النابلسي، quot;العازفquot; الأشهر على هذا الوتر، والمعروف بمواقفه الشجاعة، والإستثنائية في بعضها، مع أقليات شرقه المنكوب، الذي كلنا فيه همٌ، مقالاً تحت عنوان quot;غداً... الأقليات فوق سطح صفيح ملتهب!quot;، نشر في إيلاف وجهات إلكترونية أخرى، مبشراً فيه بquot;عهد جديدquot; لquot;100 مليون من الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربيquot; التي ستصبح quot;على سطح من الصفيح الملتهب وليس الساخن فقط. يسمعون صوتهم للضمير العالمي، ولمنظمات حقوق الإنسان. وسوف يتولى المثقفون الليبراليون وغير الليبراليين قيادة هذه المسيرة الحضارية، جنباً إلى جنب مع مسيرة الحرية والديمقراطية عامة. فالاستحقاقات الديمقراطية واستحقاقات الأقليات صنوان، وتوأمان لا يختلفان. وهما يولدان في وقت واحد، ويشبّان تحت سقف واحدquot;(يُنظر المقال الآنف الذكر).

هناك في quot;مصر الإخوانquot;، من قبل، عزف النابلسي على وتر quot;الأكثرية الإخوانيةquot;، وطوفانها الأكثر الأكبر القادم، وتغنى بquot;ذهبهاquot; وquot;قفصهاquot; العاجلين القادمين، كquot;خير أهلٍ لخير مصرquot;، أو quot;خير ذهبٍ لخير قفصٍ وخير ملكquot;. أما في خطابه اللاحق، المشار آنفاً أعلاه، فهتف د. النابلسي ذاته، للنشيد الملتهب، في الطالع الساخن، لتوه، من حناجر الأقليات الملتهبة(والأقباط في أولها) فوق صفيح ملتهب، أكثر من ساخن.
في كلا الخطابين الملتهبين، على صفيح ملتهب؛ خطاب التنبؤ بquot;مصر إخوانية ذهبية جديدةquot;، وخطاب التبشير بquot;عصر جديد للأقلياتquot;، يبدو النابلسي، مبشراً أكثر من متفائلٍ، بقرب الساعة الملتهبة، أو quot;قيامةquot; الدنيا quot;الذهبيةquot;، لأولي الخطابين والمعنيين بهما، للعبور إلى مستقبل كبيرٍ ملتهب(بمعناه الإيجابي طبعاً)، قريب على وشك الحدوث، والدخول في النصر quot;الليبراليquot; المبين.
هناك، بحسب د. النابلسي، سيكون النصر quot;طوفاناً كبيراًquot; تركبه الأكثرية الإخوانية الجديدة، لبناء quot;مصر إخوانية ليبرالية جديدةquot;، وهنا سيكون النصر quot;لهيباً كبيراًquot;، تركبه الأقليات الملتهبة الجديدة، لتحرق كل قديم ديكتاتور، للولوج إلى quot;عصر ليبراليquot;، خالٍ من الإضطهاد والعنصرية والتفرقة بين أبناء الوطن، ليصبح الكل سواسية كأسنان المشط!

بعد هذه البشرى quot;الليبراليةquot; بإميتاز، بقرب ساعة قيام الأقليات المنتهكة، كالفينيق من رمادها، وقرب أوان quot;اشتعالهاquot;، في أوطانها الواقفة على quot;صفيح ملتهبquot;، وبعد هذا quot;الإنذار الليبراليquot;، للشرق الديكتاتور، بدنو عصر جديد، ربما يمكن تسميته بquot;عصر الأقليات الذهبيquot;، تطورت فكرة quot;الأقليات الملتهبةquot;، بعد شهورٍ قلائل، إلى مؤتمرٍ كبير في مدينة زيوريخ السويسرية(24ـ26 مارس 2007) رعاه رجل الأعمال المصري الباش مهندس عدلي أبادير(89 عاماً)، المعروف بquot;زعيم أقبط المهجرquot;(الذي رشح نفسه لرئاسة مصر سنة 2005، وقال في حينه: إذا كان يحق لكردي أن يحكم العراق فبالقطع يمكن لمسيحي أن يحكم مصر)، دُعي إليه نخبة من المثقفين والكتاب والمفكرين الليبرالين العرب من مختلف الأنحاء، إلى جانب ممثلي عدد كبير من أقليات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كالأقباط والكرد والأمازيغيين والمسيحيين(من لبنان والسودان) واليهود والشيعة والعلويين والإيزيديين والصابئة المندائيين، وسواهم.

د. سعدالدين إبراهيم وصف المؤتمر بأنه quot;الأول والأكبر من نوعه في تاريخ العرب قاطبةً، منذ 1400 سنةquot;. بعد ثلاثة أيام مكثفة من المحاضرات والمناقشات والمناكفات والمقاطعات، خرج المؤتمر في جلسته الختامية بquot;إعلانquot; سمي بquot;اعلان زيورخ لتاسيس منظمة للدفاع عن حقوق الاقليات والمرأة في الشرق الاوسط وشمال افريقياquot;، التي سميت اختصاراً بquot;ميمواquot;/ MEMWA ( MidMiddle East Minorities And Women Association ).

بعد أقل من إسبوع كتب د. النابلسي، الذي اختير رئيساً للمنظمة، مقالاً نشر في إيلاف(31 مارس 2007)، تحت عنوان quot;لكي لا ننام على الإسفلت مرة أخرى!quot;، مطالباً العالم، quot;ليحفظوا إسم هذه المنظمة جيداًquot;، quot;لأنه اسم أول منظمة في تاريخ العرب منذ 14 قرناً، تقوم بالدفاع عن حقوق الأقليات في الشرق الأوسط وشرق افريقياquot;، وquot;لأنه جمع نخبة من أرقى المثقفين والمفكرين والباحثين والاعلاميين ليس من بني قومي العرب فقط، ولكن من معظم الأقليات في الشرق الأوسط وشمال افريقياquot;، وquot;لأنه يريد أن يُسمع صوت الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ليس للأنظمة العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا فقط، ولكن لكل صُنّاع القرار في العالم، والمدافعين عن حق الانسان بالعدالة والمساواة في المواطنة. وquot;لأن المنظمة جاهدة وجادة ومصممة على وضع القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الانسانية، في موضعها الصحيح والسليم، بالنسبة لكل فرد في الشرق الأوسط وشمال افريقياquot;. وquot;لأنها سوف تقوم بمعارضة قوية ضد اقامة الأحزاب الدينية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهي التي بقيامها ابتليت هذه المنطقة من العالم بكل هذا التمزق والتشرذم والارهاب وعدم الاستقرار.
فلا مشروعية للأحزاب الدينية، وليبق الدين مقدساً، بعيداً عن نجاسة السياسة ودنسهاquot;.

من الجملة الأخيرة في هذا الخطاب، يتبين انقلاب النابلسي على فكرة quot;جمهورية الطوفان الأكبر الإخوانيةquot;، التي تنبأ بقدوم فجر بزوغها، أواسط يونيو 2005.
هنا، في خطاب الأقليات quot;الملتهبةquot;، يحجب النابلسي كل المشروعية عن كل الأحزاب الدينية(من الإخوان القدامى إلى الإخوان الجدد)، ويأمرها بضرورة بقاء الدين في المقدس فحسب، بعيداً عن quot;نجاسة السياسة ودنسهاquot;.
أما هناك، فيبشر بتحول الأحزاب الدينية الداخلة في كل الشرعية، وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمون quot;الجددquot;، إلى أحزاب quot;سياسيةquot;، quot;واقعية براغماتيةquot;، quot;مرنةquot;، quot;تقدميةquot;، quot;رافضة للخلافةquot;، تؤمن بالدولة المدنية العلمانية كبديل للدولة الدينيةquot;، quot;ديمقراطيةquot;، quot;تؤمن بالإنتخابات والحقوق المدنيةquot;، quot;مفتوحة على حقوق المرأةquot;، quot;ليبراليةquot;، على غرار أحزاب اوروبا المسيحية، كحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، والديمقراطي المسيحي في كل من سويسرا وإيطاليا!!!

من تابع، في الآونة الأخير، الأخذ والرد quot;القاسيينquot;، اللامألوفين، الخارجين على العادة بعض الشيء، بين خطاب النابلسي(الذي اعتاد عليه القارئ في كونه quot;خطاباً صديقاًquot; في صف القضية القبطية منذ سنوات) وخطاب بعض الكتاب الليبراليين من أقباط مصر، والذين يدرجهم النابلسي تحت إسم quot;الكتاب الأقباطquot;(علماً أن بعضهم لا سيما صديقه الكاتب كمال غابريال، رفض أكثر من مرة، اختزال كل مكتوبه، كقبطي، مصري، شرق أوسطي، إنساني كوني في هكذا تسمية ضيقة/ يُنظر مقال للكاتب نشر في الفضاء الإنترنتي، تحت عنوان quot;عفواً د. شاكر النابلسي، في 5 يوليو 2005)، وقرأ مابين السطور في كلا الخطابين، وتفاصيل الدخان المتصاعد، من quot;نيرانهما الصديقةquot;، سيتوضح لديه بأن د. النابلسي ما عاد quot;قبطياً أكثر من عدلي أباديرquot; كما كان، مثلما هو يسعى جاهداًَ، لأن يكون quot;كردياً داخلاً في حرير كردستان، أكثر من مسعود البارزانيquot; منذ سنواتٍ خلت ولا يزال.

في مقاله المنشور في إيلاف(06.10.08)، تحت عنوان quot;الأرثوذكسية بين الأقباط والإخوان المسلمينquot;، والذي أثار أسئلةً وردود أفعال كثيرة، بدا انقلاب د.النالبلسي، على نفسه، مرةً أخرى، واضحاً. فبالرغم من أن العنوان يشي بquot;التقاءquot; كل من الأقباط والإخوان المسلمين، في قواسم quot;ارثودكسيةquot; مشتركة واحدة، إلا أن وقوف النابلسي في هذا المقال، إلى جانب quot;تسامح الإخوانquot; ضد quot;تشدد وتعصب الأقباطquot; يبدو صريحاً وواضحاً، حين يقول: quot;ونلاحظ أن الإخوان المسلمين ـ من خلال الإسلام ـ أكثر تسامحاً من الأقباط في النواحي الإجتماعية. (...) وفي حين، لا يمانع الإخوان المسلمون ـ وباقي المسلمين ـ زواج المسلم السُنّي من المرأة الشيعية أو المسلم الشيعي من المرأة السُنّية، تُحرّم الكنيسة القبطية زواج الأرثوذكسي من الكاثوليكية أو البروتستانتية، وتعتبر الكنيسة القبطية مثل هذا الزواج بمثابة زنىquot;.
الواضح، هنا، هو أن د. النابلسي قرأ هذا quot;التسامح الإخوانيquot; quot;المتفوقquot;، من quot;نافذة دينيةquot; بحتة، وليس من نافذته الليبرالية التي اعتاد عليها قراءه ومتابعوه.
هو قرأ ظاهرة الزواج التي أسند إليها quot;تسامح الإخوانquot; في إتجاه واحد، وكأنه يسوق عربة هذا التسامح في آينبانشتراسيه/ Einbahnstrsse، على حد المصطلح الألماني، أي طريق في اتجاه واحد، ذهاب من دون إياب. ولن أضيف في هذا السياق، على ما قاله الكاتب الزميل مدحت قلادة، حين قال في رده على رؤية النابلسي الأحادية هذه: quot;يشرح النابلسي ذلك على طريقة لا تقربوا لصلاة!!؟ فلماذا لا يسمح الإخوان للمسيحي بالزواج من مسلمة بما انه كتابي أيضا؟!!! آم أن النكاح لابد أن يكون نكاح مسلم لقبطية وليس العكس!!quot;(يُنظر: مدحت قلادة: النابلسي والأقباط والإخوان، إيلاف، 7 أوكتوبر 2008).

ولكن لماذا هذا الحنين الدفين، من جهة د. النابلسي، إلى quot;التسامح الإخوانيquot;، في هذا الزمان، تحديداً، حيث يبكي فيه كلٌّ على quot;ليلى طائفتهquot;؟

والسؤال الأكثر من مشروع، ههنا، على مستوى quot;ميمواquot;، يوم حفظّنا د. النابلسي، إياها؛ السؤال الذي لم يطرح للآن، بعد كل هذه quot;البشريات السارةquot;، والعسل الذي وعدته ميموا لأقلياتها كي ينام أبناؤها فيه، وquot;الصفيح الأكثر من ساخن، الملتهب، الذي كان من المفترض أن تطفو الأقليات على سطحه، كي تحرق الديكتاتور وكل شرقٍ لفّ لفه، هو: أين هي ميموا(التي كانت الأول من نوعها منذ 14 قرناً في كل تاريخ العرب)، التي سقطت في أكثر من نسيان، وفي خبر أكثر من كان؟
أين هي الأقليات وحقوقها المفترضة، الآن، من ميموا التي أنامتهم في عسلٍ كثير، وأين هو د. النابلسي مما قاله بالأمس القريب جداً، وأين هي الليبرالية العربية التي تقول في الكل كل شيء، ولا تقول عن نفسها وعن المقيمين الدائمين في كلامها الشغال أربع وعشرين ساعة شيئاً؟

في البند ال19 مما سماه النابلسي بquot;مسودة مانيفستو الليبراليين العرب الجددquot;، المنشور في مقال تحت عنوان quot;من هم الليبرايليون العرب الجدد، وما هو خطابهم، يؤكد الكاتب على quot;الضرورة الليبراليةquot; لquot;العودة إلى الذات ونقدها، والعودة إلى الوعي بالذات لا كأفراد ولكن كأمةquot;.
ولكن الغريب هو أن د. النابلسي، بإعتباره رقماً كبيراً في معادلة الليبرالية العربية الجديدة، خصوصاً بعد quot;البيان الليبراليquot; الموقع بإسمه وبإسم المفكر التونسي المعروف العفيف الأخضر، و وزير التخطيط العراقي السابق الدكتور جواد هاشم، المرفوع إلى الأمم المتحدة، والمنشور في إيلاف بتاريخ 24 أوكتوبر 2004، ولكونه الرأس الأول لquot;ميمواquot;، الغريب هو أننا لم نرَه حتى الساعة، بحث في مقالٍ، أو بعض مقالٍ، في أسباب وعوامل وخفايا quot;اختفاءquot; ميموا، بإعتبارها quot;المنظمة الأولى من نوعها على طول تاريخ العرب وعرضه، منذ 1400 سنةquot;. لم نرَ النابلسي يكشف للمعنيين من أبناء الأقليات المليونية وأصدقائها وأعدائها، عن سرّ quot;سقوط ميمواquot;، مثلما كان يكشف بحماسٍ كبير جداً عن سرّانيات quot;صعودها الملتهبquot;. لم نرَه يطرح سؤالاً عن quot;ميموا السقوطquot; وتداعيات اختفائها السريع جداً، وهو صاحب مؤلف quot;لماذا/ 2006quot; كبيرة، الباحثة عن السقوط العربي في أسئلة الألفية الثالثة؟

وعلى اعتبار أن د. النابلسي قد صدر كتابه(لماذا) هذا، بعبارة شهيرة للفيلسوف والشاعر الألماني الشهير نيتشه(15 أوكتوبر 1844ـ25 أغسطس 1900)، تقول: quot;من أراد أن يرتاح فليعتقد، ومن أراد أن يكون من حواريي الحقيقة فليسألquot;، أسأل بدوري، ربما اتقاءً من شرّ الوقوع أو السقوط في أي اعتقادٍ، لماذا ميموا: لماذا قامت ميموا، نجحت ميموا، التهبت ميموا، صاحت ميموا، جاءت ميموا، نادت ميموا، راحت ميموا، كانت ميموا، سقطت ميموا، طارت ميموا، غابت ميموا؟؟؟

والآن، بعد ترك النابلسي، للتنظير لquot;جمهورية الطوفان الإخوانيةquot;، التي بشّر بذهبها الكثير في quot;مصر الذهبيةquot;، وتركه للتنظير الملتهب لquot;ميمواquot; الملتهبة، التي سقطت في تاريخٍ من جليد، توجه النابلسي صوب quot;مغرب العقل العربيquot;، كي يعلنه عنواناً مسقبلياً، لquot;العقل العربيquot; القادم، من مشرقه إلى مغربه.
في مقاله المشار أعلاه، ينتقل النابلسي، من التنظير لفكر quot;الإخوان الجددquot;، الذي سماهم هذه المرة، مع كل الحركات الإسلاموية بquot;الأشاعرة الجددquot;، إلى التنظير لفكر quot;المعتزلة الجددquot; وشتان ما بين الفكرين، وquot;الإخوانينquot;، وquot;الجديدنquot; منهما.
شتان ما بين كلام المعتزلة، ونقل الإخوان.
شتان ما بين كلام المعتزلة الكثير، ونص الإخوان الواحد الأحد.
شتان ما بين ديمقراطية وعدالة الكلام المعتزلي، وديكتاتورية النص الإخواني.
شتان ما بين ليبرالية المعتزلة الممكنة quot;المجازيةquot;، وquot;ليبراليةquot; الإخوان اللاممكنة المستحيلة(راهناً وفي المسقبل المنظور في الأقل).
شتان ما بين العقل لدى المعتزلة، والنقل لدى الإخوان.
شتان ما بين quot;عقل الكلامquot; عند المعتزلة وquot;عقل النصquot; لدى الإخوان.
شتان ما بين الله العقل في عقل المعتزلة والله النص في عقل الإخوان.
شتان ما بين فلسفة المعتزلة، وسياسة الإخوان.
شتان ما بين quot;جديدquot; المعتزلة وquot;جديدquot; الإخوان.
شتان ما بين quot;المعتزلة الجددquot; وquot;الإخوان الجددquot;.
شتان ما بين العفيف الأخضر ومحمد أركون وسواهم ممن سماهم النابلسي بquot;المعتزلة الجددquot;، وبين عصام االعريان، ومحمد السيد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح وخلاهم ممن وصفهم النابلسي، بحماسٍ كبير بquot;الإخوان الجددquot;، أو quot;الإخوان الليبراليون الجددquot;.
شتان ما بين ليبرالية النابلسي الداخلة في العقل المعتزلي الجديد، راهناً، وبين ليبراليته المداحة للعقل الإخواني الجديد، سابقاً.
شتان ما بين النابلسي الليبرالي ههنا، والنابلسي quot;الإخوانيquot;، هناك؟
كيف يمكن أن يستوي المتكلمون الجدد(المعتزلة الجدد)، الذين يدخلون النص في العقل أو العقل في النص، مع النصوصيون الجدد(الإخوان الجدد)، الذين يخرجون العقل من كل النص؟
كيف يمكن أن يستوي الله، حراً، طليقاً، في العقل، عند المعتزلة الجدد، مع الله، مسجوناً، مدفوناً، في النص، عند quot;الإخوان الجددquot;.

كيف يمكن قراءة مستقبل العقل الليبرالي التنويري، في نقيضين متوازيين، لن يلتقيا مهما امتدا: quot;المعتزلة الجددquot;، الذين يجيزون(بحكم تأسيس الفكر المعتزلي على القراءة المجازية المتعددة) الذات في الآخر، والآخر في الذات، وquot;الإخوان الجددquot; الذين يزجّون(بحكم تأسيس الفكر الإخواني على القراءة الواحدية) الآخر، سواء أن شاء أم أبى، في الذات الواحدة، التي اختارها الله، كquot;خير ذاتٍ أخرجت للناسquot;؟

لا مشكلة بالطبع، في أن يتحول الكاتب، لا سيما الكاتب الليبرالي، في سياق تأريخه لشؤون الحرف والكتاب، من فكر إلى فكرٍ آخر، ومن قناعةٍ إلى أخرى، ومن quot;جديدٍquot; إلى quot;جديدٍ آخرquot;، أو من quot;حقيقةٍquot; إلى quot;حقيقةٍ آخرىquot;. ولكن المشكلة الكبرى، في ليبرالية د. النابلسي، هو تحوله من quot;الحقيقةquot; إلى نقيضها، ووقوعه في فخ التنظير للنقيضين، بذات المستوى من الحماس والقناعة والإيمان.
فهو نظّر، من قبل، لquot;الحقيقة الإخوانية الجديدةquot;، التي هي quot;حقيقةquot; واحدة ثابتة، تدعو إلى quot;دولة الخلافةquot;، لم تتغير في جوهرها، منذ شيخها الأول حسن البنا، إلى شيخها الأخير المرشد السابع للجماعة محمد مهدي عاكف(المعروف بمقولة quot;طظ في مصر وأبو مصرquot; وبquot;أنه لا يعنيه أن يحكم مصر مصري أو تركي أو حتى ماليزي، فالمهم أن يكون مسلماquot;)، وأعربها بإعتبارها quot;حقيقة ليبرالية جديدةquot;، تحولت من quot;السلفية النصوصيةquot;، إلى quot;الحداثة التأويليةquot;، ومن quot;حقيقة واحدية، دينية، ديكتاتورية، لا تعترف بالآخرquot; إلى quot;حقيقة كثيرة، علمانية، ديمقراطية، ليبرالية، تؤمن بالمشاركة مع الآخرquot;، تماماً مثلما هو ينظّر الآن لquot;الحقيقة المعتزلية الجديدةquot;، بإعتبارها quot;حقيقة تنويرية، حداثويةquot;، يتوقف عليها مستقبل العقل العربي، على حد رأي النابلسي.

د. النابلسي، منذ خطابه المداح، لquot;جمهورية الإخوان الطوفانيةquot;، ووصفه لquot;الإخوان الجددquot;، بأنهم quot;واقعيونquot;، quot;ليبراليونquot;، ولا يتخذون من الإسلام السياسي، سوى الظاهر، كquot;قشرة طلاء ذهبية، لأغراض التسويق السياسي، وإرضاءً لغريزة الدين المسيطرة على الشارع العربي!quot;؛ منذ هذا الخطاب الطائر في فضاء التمني، يبدو أنه يقرأ الإخوان المسلمين، في كفٍ من خيال، أكثر من قراءته لهم في كف الواقع منهم ومن ثقافة شيوخهم، القادمة من ماضٍ سلفيٍّ سحيق.
ترى هل سيخرج علينا د. النابلسي بعد توجهه صوب quot;مغرب العقل العربيquot; الذي يمكن تسميته، بquot;العقل المعتزلي الجديدquot;، وقراءته له بإعتباره quot;مسقبلاً لكل القادم من العقل العربيquot;، وكل الحداثة وكل التنوير منه، من المحيط إلى الخليج، كما قرأنا في مقاله quot;صراع الإسلام والعقل، في معركة الأفكارquot;، هل سيخرج علينا في القادم من فكره، والقادم من كتابه، منقلباً، على هذا quot;العقل المستقبلquot;، ليوقعنا، مرةً أخرى، في فخاخ quot;العقل الإخواني الماضيquot;، عبر quot;نظريات طوفانية، تسامحيةquot;، وquot;ليبراليات إخوانيةquot;، أخرى جديدة؟
لا أتمنى ذلك.

سقت كل هذا الأخذ والرد، والبحث في الماضي القريب من حروف وكتابات د. شاكر النابلسي، المتناقضة، على مستوى التنظير، مع الحاضر والآن منها، بإعتباره واحداً من أنشط وأكبر الأسماء الليبرالية في المشهد الثقافي العربي، كي أسأله، وأسأل من خلاله كل الليبراليين المعنيين بهذا الشأن، بquot;لماذا(ه) الجميلة، دون أدنى أيّ شك: لماذا لا تسقطون ذات الquot;لماذاquot; على ذواتكم، كي تحفروا بها عما وقعتم فيه من التنظير اللاصواب، والتفكير الخارج عن كل توقع وكل حساب، أم أن الquot;لماذاquot; في جمهورياتكم الفكرية، ليس لها أي محل الإعراب، أو هي ضرب من قبيل اللامفكر به وفيه؟

أسأل، هكذا ناطقاً، فصيحاً، في مكتوبٍ معلومٍ، كي لا أسقط في سكوت الصامتين، الذين أهدى النابلسي quot;لماذاquot;(ه) إليهم، حين قال..إلى الصامتين لعلهم ينطقون.


هوشنك بروكا


[email protected]