منذ سقوط صنم الدكتاتور في بغداد وأنا غارق حتف أنفي في السياسة. فعلى الرغم من أننا نحن العراقيون كنا نأمل مع سقوط الدكتاتورية أن تتحول حياتنا الى النعيم المقيم، وأن نتخلص من السياسة وأوجاعها، ونتحرر من تسيس المجتمع العراقي، وأن ننصرف الى إعادة بناء دولتنا الحديثة على أساس قيم المجتمع المدني، ولكن الأحزاب السياسية غير الوطنية، سواء الأحزاب التقليدية التي أكل منها الدهر وشرب، والتي أطلت برأسها من جديد مع زوال شبح الدكتاتورية،أو تلك التي هبطت من السماء في غفلة من الزمن إستمرت في عملية تسييس المجتمع، حتى سيست تراب الأرض وما تحتها، بدفن قتلى صراعاتها الطائفية والسياسية بقبور الشهداء الذين يرفلون بالعز والفخر في جنات عدن خالدين فيها أبدا، مع أن معظم هذه الأحزاب لا يراعون في دماء المسلمين إلا ولا ذمة، وأكثرهم فاسقون.
سيسوا المجتمع من جديد بصراعاتهم الطائفية والعنصرية، فورطونا ثانية الى حد الإذقان في عالم السياسة بكل مفاسدها.. لذلك وجدتني مراغما بالكتابة في السياسة مع كرهي لها!.

وتطلبت تلك الكتابات أن أتابع الأحداث التي تقع من حولي لأصيغ منها مادة لكتاباتي.وبذلك فقد كنت مضطرا بمتابعة المواقف العربية تجاه ما حصل في العراق من تغيير دراماتيكي رج المنطقة بأكملها. وكنت في البداية أستغرب تلك المواقف التي كانت في معظمها سلبية وغير منطقية تجاه ما يجري في العراق، خصوصا ما يتعلق منها بالموجة الإرهابية التي بدأت تضرب العراق منذ لحظة السقوط ولحد يومنا هذا، أضف إليها مواقف تلك الدول تجاه التدخلات الإقليمية، وفيها تدخلات من دول عربية تعتبر شقيقة للعراق بهدف واضح هو تفتيت العراق أو تدميره من الداخل ؟!..

وفي مراجعة للحسابات كنت أظن أن مواقف بعض الدول العربية المستمدة من وهم التمسك بالأمجاد القومية الزائفة، قد تشفع لهذه الدول في بعض الأحيان تلك المواقف السلبية تجاه العراق الذي أصبح بفضل تلك المواقف العربية لا غيرها، عرضة للإحتلال الأجنبي القادم من وراء المحيط. فقد كانت مباركة تلك الدول لكل ما يقوم به نظام صدام حسين في العراق من جرائم تصل الى حد الإبادة الجماعية، سببا في تفضيل العراقيين للإحتلال الأجنبي لبلدهم على الرضوخ لسلطة دكتاتورية قمعية تريق أنهارا من دماء شعبه بضربة أو بعملية عسكرية واحدة تأتي على الحرث والنسل معا.
في بعض المرات كنت أرغب أن أصطف الى جانب اولئك الكتاب والمثقفين العراقيين الذين أدانوا وإستنكروا المواقف السلبية لبعض الدول العربية تجاه التغيير الذي حصل في العراق، ولكني كنت مترددا لحظتها خوفا من دمغي بالعنصرية والشوفينية والحقد على العرب،زأنا الكاتب الكردي، ولكني اليوم سوف أتجاوز ترددي السابق لأدين تلك المواقف بعد أن وصلت الى حدود غير معقولة..


ففي البداية أشير الى الصراخ والهيصة التي يحدثها العرب بسبب ما يصفونه بتدخل إيراني سافر في شؤون العراق، وبسط النفوذ الإيراني الواسع على أرجاء العراق، طبعا فيما عدا إقليم كردستان العراق الذي له صاحب، وهو ليس منطقة سائبة لا صاحب ولا مالك لها مثل بقية أجزاء العراق الخاضعة لسيطرة الحكومة الطائفية الضعيفة والواهنة، هذه التدخلات التي ترفضها الدول العربية بإصرار وعناد يصلان الى حد مقاطعة الحكومة العراقية الحالية، ولكن تلك الدول ترفض بالمقابل أن تفتح صدرها لإحتضان العراق على الأقل لتخليصه أو لنقل لتحريره من النفوذ الإيراني ؟!.. فها هي النداءات تتوالى من العديد من الأوساط الدولية والعراقية بإعادة سفارات الدول العربية الى بغداد، ولكن من دون مجيب، فلا حياة لمن تنادي ؟!.

أتذكر أنه عندما تشكلت لجان متعددة لصياغة نصوص الدستور العراقي قبل عدة سنوات، أثير جدل كبير حول تحديد الهوية العروبية للعراق.. وكما أشرت سابقا لولا خوفي من إلصاق تهمة العنصرية والشوفينية بي، لكان بودي كعراقي أن أصرخ صرخة يسمعها كل من يعيش بين المحيط والخليج، بأن يدعوا العراقيين وشأنهم، ولطلبت من القوى السياسية العراقية أن تكف عن خلافاتها وصراعاتها العقيمة حول تلك المادة اللعينة التي تدعو الى عروبية العراق.. ولكنت دعوت الى صياغة دستور يؤكد على خصوصية العراق بعيدا عن إنتمائه العروبي، مع إعترافي وإحترامي لعروبية جزء من العراق، لأني كنت في تلك الفترة على قناعة تامة ومازلت، بأن العراقيين لم يجنوا من إنتمائهم العروبي سوى المآسي تلو المآسي..
فهل ننسى نحن العراقيون المواقف العربية الداعمة لحارس البوابة الشرقية للأمة العربية وهو يجر شعبه الى أفدح حرب كارثية في تاريخ المنطقة، فيضحي بمليوني عراقي من أجل أن ترفل بعض الدول العربية بالسعادة والرفاه وهي آمنة مطمئنة في عقر دارها بعيدا عن التهديد الإيراني لأنظمتها؟!.
أم ننسى السكوت المطبق للدول العربية تجاه جرائم النظام الدكتاتوري بحق العراقيين من قتل مئات الألوف من أبناء الشعب بتهم المعارضة السياسية، أو إبادة الشعب بالأسلحة والغازات الكيمياوية،أو تشريد وتهجير الملايين من الشيعة والسنة وغيرهم من أرض العراق حتى ضاقت بهم منافي الأرض ومهاجرها ؟؟!!!!.

قبل أيام رفض إتحاد الكتاب والأدباء العرب عودة العراق الى الإتحاد العربي بحجة إحجام الإتحاد العراقي عن quot; تسمية المقاومة في العراق بالإرهاب، وتسمية ماحصل بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق عام 2003 إحتلالاً وليس تحريرا، كشرط لاعادة عضوية إتحاد الكتاب والادباء العراقي للاتحاد العربي التي علقها عام 2003، حيث اعتبر الامين العام لاتحاد الكتاب والادباء العرب وقتئذ علي عقلة عرسان أن إتحاد الكتاب والادباء في العراق قد حل مع سقوط النظام العراق تلقائياquot; ؟؟!!!.
هذا هو نص الشرط الذي يضعه الإتحاد العربي أمام العراق ضمانا لعودته.
ولكن ألا يعني الشق الأخير من الشرط الذي وضعه الأمين العام السابق للإتحاد، وهو quot; أن إتحاد الكتاب والأدباء في العراق قد حل مع سقوط النظام في العراق تلقائياquot;، إعترافا من هذا الإتحاد بأن جميع الإتحادات العربية للكتاب والأدباء في الدول العربية lsquo;إنما هي منظمات تابعة لأنظمة الحكم القائمة في تلك البلدان، تسقط بسقوط أنظمتها حتى لو كانت قمعية وإستبدادية؟؟!!!!.

هل يجوز لإتحاد يمثل الشريحة المثقفة والواعية في الدول العربية أن تسمي الجرائم المروعة التي تقترفها القاعدة في العراق بمقاومة، وهي التي لم تتردد منذ أكثر من خمس سنوات على قتل العراقيين بوحشية متناهية وصلت الى حد تفخيخ دمى العرائس التي يلعب بها الأطفال أمام بيوتهم، أو إغتيال فرحتهم في أيام العيد بتفخيخ عربات الحلوى المتجولة، أو تسميم مياه الشرب في الأحياء السكنية، أو تدمير المساجد والكنائس والمخابز والأفران، وقتل الناس في الشوارع بالجملة؟؟!!.
فهل أصبح إتحاد الكتاب والأدباء العرب محاميا للدفاع، أو ممثلا عن أشرس منظمة دموية تعيث الفساد أينما حلت في البلدان العربية،أم يفترض به أن يكون ممثلا للطبقة الواعية في مجتمعات هذه الأمة ؟؟!!!.
أليس معيبا على منظمة تمثل أرفع طبقة مثقفة في المجتمع أن تعتبر تحرير العراق من براثن أحد أبشع الدكتاتوريات في العالم جريمة، وجميع من في العراق أو في تلك الدول العربية يعرف كيف أن النظام السابق كان يستخدم منظماته المهنية لكتابة التقارير الأمنية، ويسخرها لأغراضه الدنئية في قتل الثقافة الى جانب قتل الشعب؟!.
أليس معيبا على إتحاد الكتاب والأدباء العرب أن ترفض عضوية العراق الذي أنجب الجواهري والرصافي والزهاوي ومحمد باقر الصدر وهادي العلوي وغيرهم الآلاف من أبدع شعراء وأدباء العرب بجريرة سقوط أكبر قلاع الدكتاتورية في الوطن العربي؟!.

ألا بؤسا للأبواق التي تنفخ تمجيدا للدكتاتوريات المستبدة القامعة للشعوب العربية تحت أوهام القومية الزائفة، ورحم الله نزارا الذي قال:

وإذا اصبـح المفـكـر بـوقـا يستوي الفكـر عنـده والحـذاء

شيرزاد شيخاني
[email protected]