منذ أن قمت بنشر بعض الوثائق السرية حول علاقات التخادم السياسي و العسكري بين الولايات المتحدة و النظام العراقي السابق و المندثر و أنا كنت أتوقع أن تثور ضدي جملة من الإعتراضات و الهجمات و لربما حملات التسقيط المعروفة في فكرنا الإعلامي و الثقافي للأسف، فالمحبين و المدافعين عن النظام السابق سيهبون هبة رجل واحد لإنقاذ سمعة نظامهم الذي كان يتعيش على إدعاءات الثورية و الصمود و التصدي و محاربة الإمبريالية و الصهيونية و ما إلى تلك الشعارات الجنجلوتية المعروفة و التي لم تطعم شعوبنا خبزا بل ذلا و مرارة و فشلا كارثيا في تحديد طريق المستقبل.

لقاء مدريد الأميركي- العراقي

هل زودت ايران داود البصري بوثائق مزورة؟

و أولئك المحبون الذين يعيشون على أوهام الدكتاتورية سيعتبرون نشر بعضا من تلك الوثائق التي تؤكد إرتباط نظامهم الذي كان بالمخططات الدولية بمثابة كفر بين و صريح و إنتهاك لقداسة صنمهم الذي كان و ساد ثم ياد مخلفا ورائه كل هذا الدمار الذي نعيش و طبعا ستوجه لي تهم العمالة للنظام الإيراني و لمخططات ااشر الفارسية متناسين بأنني واحد من أشد المعارضين للنظام الكهنوتي الإيراني و لأتباعه في العراق الراهن و تاريخي معروف في هذا السياق لا تشوبه شائبة فأنا أدرس التاريخ و أحلل أحداثه كما حصلت الوقائع بالضبط و لا تربطني أي علاقات عمل منهجية بأي طرف مهما كان بل أن رائدي هي الحقيقة التاريخية فقط لا غير و لي من الخبرة الأكاديمية و السياسية ما يجعلني أميز تماما بين الغث و السمين و أتحصن ذاتيا من الوقوع في شراك التزوير و التلفيق الخداعية، ووثائقي حول التعاون الأمريكي / العراقي ليست من وحي الخيال و لا من نتاجات التزوير و لم يكن في بالي أبدا بأنها ستكون بوابة من بوابات الدفاع عن النظام الإيراني بل كانت ولوجا في دروب الحقيقة الصعبة و إذا كان بعض الرافضين لتلك الوثائق قد هب و إنتفض دفاعا عن ( الشرف الأمريكي المنتهك )!!!

فإن إنتفاضتهم تلك هي حركة ساذجة للغاية تتخطى كثيرا أبعاد و أصول و قواعد اللعبة السياسية للسياسة ألأميركية التي كانت و ما زالت من أكبر المدافعين عن الأنظمة الدكتاتورية و القمعية التي تسايرها و تحقق طموحاتها الكونية و لا حاجة لي للإفاضة أكثر في هذا الباب لضمان نشر المقال على الأقل؟ فالولايات المتحدة هي العابث الأكبر في أمن المنطقة و شعوبها و هي لا يهمها في شيء أبدا حرية الشعوب و إنعتاقها بل يهمها أشياء أخرى نعرف و تعرفون و لنا في التجربة العراقية المرة دروس و عبر، الحرب العراقية / الإيرانية لم تكن قدرا حتميا أبدا بل كانت مؤامرة دولية شارك في صياغتها ووضع فصولها النظام العراقي مع دول الغرب و المرتبطين بالسياسة الغربية و لأهداف كونية و ستراتيجية لا علاقة لها أبدا بالحب و الغرام و العداء مع النظام الإيراني الديني الذي قام على أنقاض نظام الشاه المتعجرف العدواني أيضاو الشرس و المتعالي الذي يحتقر دول المنطقة جميعها، كلنا كعراقيين عشنا تلك المرحلة الفاصلة بين الحرب و السلام بكل تفاصيلها و كلنا نعلم بأن الحرب أو ( قادسية صدام ) كان يمكن تجنبها بسهولة فائقة لو كان في العراق نظام حكم ديمقراطي يوفر للشعب العراقي حاجياته الأساسية من الحرية و الكرامة البعيدة عن مظاهر بناء الزعامة الفاشية الواحدة المعبودة التي ترسخت منذ أول يوم وصل فيه صدام حسين لسدة السلطة ألولى في 16 تموز / يوليو 1979، كان من الممكن تجنب الحرب بإتباع سياسة بديلة تقوم على تحصين الجبهة الداخلية و تشجيع حركات المعارضة الإيرانية و اللعب بأوراق الدبلوماسية و بكل الخيارات الممكنة لتجنب الحرب و لكن النظام العراقي وقتها كان يعيش سياسة إنتقامية هدفها غسل عار إتفاق الجزائر المعقود مع الشاه عام 1975 و الذي فرطت فيه حكومة البعث القومي و بتوقيع صدام حسين بعراقية و عروبة شط العرب في تنازل مخجل لم يقدمه أبدا النظام الملكي السابق و لا كل الأنظمة التي تلته بل قدمه النظام المتدثر بالثورية و التقدمية و تحرير فلسطين بينما لم يستطع الحفاظ على عراقية و عروبة جزء عزيز و غالي من الأرض العراقية و العربية، لقد حاول النظام السابق إستغلال ما تصور أنه فرصة تاريخية في غباء مطلق و رفض إستشارة الحكماء و الخبراء و ذهب بعيدا في غيه و حصل ما حصل و بالشكل الذي إستفاد منه النظام الإيراني حاليا، و حيث تورط النظام في تنفيذ مخططاته ضد دولة الكويت تحديدا و التي تؤكدها هذه الوثيقة فالهدف كان الكويت و ألأميركان يعلمون ذلك بدقة و حرفنة من أجل توجيه ألأوضاع لما وصلت إليه و أعتقد أن شهادة الوزير السابق السيد حامد علوان الجبوري أيام كان سفيرا في جنيف بعد حادثة ضرب الطارات العراقية في الخليج العربي لضرب المدمرة الأميركية ( ستارك ) عام 1987 تلقي الأضواء على طبيعة المخطط ألأميركي فقد هنأت السفيرة ألأمريكية في جنيف السفير العراقي على تلك الضربة قائلة له : إنه عمل جيد!!!

فهل شهادة الوزير مزورة أيضا، من السهل جدا إطلاق الإدعاءات بالتزوير، و من السهل أيضا رفض كل الكلام و الحجج و لكن من الصعب جدا تغيير الحقائق و الأحداث التاريخية، و يهمني التأكيد على كوني لست ملزما أبدا بالبوح عن مصدر معلوماتي فتلك قضية خاصة بي وحدي و ستظل حبيسة في صدري و لكنني أؤكد بأنني لم أتعرض أبدا لعملية خداع أو تضليل لكون مصادي من المصادر السرية جدا و الغير معروفة إعلاميا و التي كانت تحت تصرف رئيس النظام السابق، و أعتقد أن الذين يتهموني بالوقوع تحت شراك الخديعة و التضليل من المخابرات الإيرانية يعيشون أوهاما فكرية و نفسية حادة و كبيرة و يتصرفون بمنطق عاطفي له علاقة بمشاعر الحب و الكراهية و ليس الحقيقة المقدسة التي تصدم و تجرح بل و تقتل في أحايين كثيرة...

أؤكد بأن العداء الشوفيني لإيران و نظامها لا ينبغي أن يعمينا عن ذكر الحقائق و دلالاتها و إيران و أجهزتها ليست بحاجة لخداعي أو أن تحقق أهدافها عن طريقي أو عن طريق غيري و أتمنى أن لا نبالغ في إستعراضاتنا التهريجية!!، هنالك سياسات مخططة سلفا و معدة منذ عقود و حتى النظام الديني القائم في إيران ما كان له أن يصل للسلطة لولا تزاطؤ الغرب الذي رفع يده عن نظام الشاه و لفظوه ليموت منبوذا و مطاردا في غربته بعد أن مدحوه في السابق و سلحوه حتى الأسنان ثم لفظوه و كذلك فعلوا مع النظام العراقي الذي هيأوا له كل عوامل الدعم ثم كانت نهايته على أياديهم و بحبالهم التي نسجوها، أما من يدافع عن الإدارة ألأميركية فأرجو أن يلاحظ حوله و يرى أن من يحكم العراق اليوم ليس داود البصري و لا أيا من المعادين للسياسة الإيرانية بل أن من يحكم تحت الحماية ألأمريكية المباشرة هم رجال إيران الذين قادوا جبهتها الإعلامية و العسكرية و المخابراتية ضد النظام العراقي.. من يحكم العراق اليوم هم نفس الأطراف الذين تتحدث عنهم الوثيقة التي نشرتها بكونهم (عملاء للنظام الإيراني )!!!!

فهل في الأمر مصادفة أم ماذا؟ فكروا قليلا يا جماعة و ستعرفون طبيعة عملية النصب التاريخية التي تعرض لها الشعب العراقي وهي صناعة أمريكية بحته.

داود البصري


[email protected]