مخططات الدول المحتلة لكردستان: تجزئة المجزأ والتهجير القسري للكرد
ان سياسة الدول المحتلة لكردستان هي سياسة عدوانية شمولية مبرمجة. ان هذه الدول متفقة فيما بينها على خلق وتطوير مشروع المناطق الأمنية العازلة وتفعيلها بين اجزاء كردستان الأربعة، رغم الإختلاف السياسي والعقائدي والانتماء القومي بينها. ان استراتيجية هذه الدول تجاه المسألة الكردية هي واحدة، لا تتغير بتغير حكوماتها، وتبقى الورقة الوحيدة التي تجمعها في التقارب والتفاهم حول معاداة الحركة الكردية التحررية. ان الكرد والقضية الكردستانية في خطر حقيقي نظرا لفقدان التوازن بين مؤمرات الدول الاقليمية المعادية وبين خلل الوحدة الوطنية، ذلك الخلل الذي تعاني منه القيادات الكردية وأحزابها، وذلك بسبب التشتت الذي يعيشون فيه.
ان الشعب الكردي يعاني من الاجراءات التعسفية والشوفينية والقرارات الظالمة التي تتخذها الدول المحتلة بحقه، والتي تستهدف من ورائها تهجير الكرد وتفريغ المناطق الحدودية المصطنعة من السكان بين الاجزاء الاربعة من كردستان. ان هذه الدول لا تملك المنطق الانساني واحترام حقوق القوميات والاقليات الاتنية والدينية، وبعيدة كل البعد عن الديمقراطية، ولا تعرف سوى اسلوب العنف وقتل الابرياء والاعتقالات الكيفية لأبناء الشعب الكردي.
ان مجابهة الكرد لهذا الصراع لا يتحقق إلا بخلق التوازن الاعلامي والسياسي والعسكري عن طريق توحيد الصف الكردي والبحث عن صيغ أكثر واقعية وعملية للوصول بالنضال الكردي الى مستوى الجبهة الوطنية الكردستانية لإفشال مؤامرات الدول المحتلة. ومن هنا علينا ان نطبق الديمقراطية فيما بيننا ومع بعضنا، وان نمارسها بشكل فعال وعملي قبل ان نطالبها كنظام مقبول من الدول المحتلة، لان في الديمقراطية التعقل والحكمة والشفافية والوحدة لحل مشاكلنا المعقدة.
الكرد يملكون الكثير من الامكانيات التي يمكن الاستفادة منها والاعتماد عليها اذا أحسنوا التصرف بها، انهم يملكون الطاقة البشرية والقدرة الاعلامية والسياسية والعسكرية والمالية، ويملكون الخيرات الطبيعية كالبترول الابيض والاسود، السهول والجبال، لا ينقصهم سوى التنسيق والانسجام ووحدة الرأي والتفاهم حول توحيد الارادة الكردية وتشكيل استراتيجية كردستانية تشترك فيها جميع الاحزاب الوطنية وقياداتها ومنظمات المجتمع المدني. ان الخلاف الكردي وتنابز الاحزاب وقياداتها هو أخطر من الاعتداءات الايرانية والتركية، لان ذلك يعطي مجالا لاستمرارية القصف الجوي والبري التركي ـ الإيراني على كردستان. وهذا يشبه الواقع الفلسطيني المنقسم على نفسه، وهو الذي يؤدي الى تصعيد اسرائيل لحربها العدوانية المدمرة ضد الفلسطينيين.
ان نظام الملالي في ايران يوسع نفوذه العرقي الفارسي تحت ستار الدين، ويستخدم الايديولوجية الدينية سلاحا لخدمة مصالحه ولأجل ضمان متطلبات الأهداف الاستراتيجية لنظامه. في الداخل يمارس الارهاب ضد مواطنيه، ويتحكم بمصير الشعوب الايرانية من مختلف القوميات والطوائف الدينية، وفي الخارج يتجه النظام الايراني لتطوير علاقاته مع الاسلام المتطرف لتشكيل محور سياسي وعسكري لخلق الفوضى في المنطقة. ان النظام الإيراني يستهدف من وراء هذه السياسة:
1 ـ مجابهة الاسلام المعتدل والتأثير على اهل السنة تحت الشعار المغشوش وهو quot;القضاء على اسرائيلquot; وquot;تحرير فلسطين ومدينة القدسquot;.
2 ـ التغطية على الازمة السياسية والاقتصادية في الداخل.
3 ـ اشغال الدول الكبرى بمشاكل المنطقة لأجل كسب الوقت في بناء سلاحه النووي. أما فيما يتعلق بالقصف المستمر على أراضي كردستان العراق وتدمير القرى الكردية الحدودية وتهجير سكانها، هذا القصف المدفعي الذي يتم بموافقة الحكومة العراقية هو لاضعاف القيادة الكردية وحكومة الاقليم وممارسة الضغط عليها للتنازل عن مطاليبها الشرعية في قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها وتقديم تنازلات فيما يخص مشكلة البترول والمالية والبيشمركة، ومن طرف آخر تريد الحكومة الايرانية عزل وطرد السكان على الحدود والقضاء على المقاومة الكردية.
اما فيما يخص تركيا، فمن المهم القول بان جميع الحكومات التركية المتعاقبة من بداية الثورة الكردية الحديثة المتمثلة بحزب العمال الكردستاني مارست سياسة العنف والارهاب والحرب ضد الشعب الكردي لتصفية قضيته ومحو هويته، لكن جميعها باءت بالفشل أمام صمود قيادة الحزب وقوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني).
السياسة التركية العدوانية التي ترتكز على مبدأ (فرق تسد) تمكنت من اشعال نار الحرب بين القيادات الكردية، ففي عام 1996 نشب الاقتتال الداخلي بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، بعد ذلك جرت مصادمات مسلحة بين الاتحاد الوطني وحزب العمال الكردستاني، رغم كل هذه المآسي لم تتوصل الاحزاب الكردية وقياداتها الى تصفية العلاقات فيما بينها والالتزام بالحوار الاخوي والتفاهم حول تشكيل جبهة وطنية كردسانية لملئ الفراغ السياسي الكردي وتجنبا من زعزعة الكيان الكردي.
ان مخطط الحكومات التركية بدون استثناء كان دائما، ولا زال، القضاء على كل ما يتعلق بالمجتمع الكردي، من عادات وتقاليد واللغة، والتراث الكردي المتمثل بالاثار التاريخية، وحتى التجمع السكاني، وليس اخيرا تشويه تاريخه.
لقد كتبتٌ مقالا في آواخر التسعينيات حول بناء السدود والاقنية في المناطق الكردية برأسمال أجنبي ومشاركة اسرائيلية، تتجاوز 50 مليار دولار، وذكرت بأنه يكمن وراء هذا المشروع أهدافا عديدة هي:
1 ـ التصرف بمياه نهر الفرات ( البترول الابيض ) لأغراض سياسية واقتصادية في ممارسة الضغط في المدى القريب والبعيدعلى سوريا والعراق.
2 ـ التهجير القسري لسكان القرى الكردية وطمر قراهم والآثار التاريخية بحجة بناء السدود، ثم جلب اليد العاملة من الاتراك والتركمان وبناء مستوطنات لهم، كما هو الحال في المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
3 ـ بناء الطرق والجسور بحجة المشروع ليكون ممرا للجيش التركي في حربه العدوانية ضد الحركة الكردية التحررية.
وجاءت حكومة رجب طيب أردوغان الديماغوغية ليستمر في خارطة الطريق التركية بأبشع صورها لمحو الهوية الكردية تحت شعار الثورة الصامتة، المكملة للفلسفة الطورانية العنصرية تجاه المسألة الكردية، والتي تندرج في عملية توسيع رقعة الحرب على الساحة الكردستانية، وتهجير الكرد من المناطق الحدودية لبناء شريط أمني عازل بين اجزاء كردستان.
من جملة مخططات أردوغان والقيادة العسكرية السيطرة على منطقة (الزاب) وعلى قسم من كردستان العراق لإلحاقها بالمنطقة الامنية، لكن تم فشل هذا المخطط على صخرة المقاومة الباسلة ل(قوات حماية الشعب)، اضافة الى ذلك تقوم الحكومة التركية بشق طرق جديدة للآلية الحربية في كردستان تركيا، وبناء ثكنات عسكرية مكثفة في الداخل والمناطق الحدودية لعزل القرى الكردية عن بعضها، وسهولة التصدي للمقاومة الكردية، كما فعلت وتفعل اسرائيل ببناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية، ونظام الكانتونات والحواجز.
ان اسلوب حكومة حزب العدالة والتنمية في تعاملها وتصرفاتها وعدائها مع القضية الكردية مأخوذ من النموذج الاسرائيلي، في الوقت الذي تحارب الكرد في تركيا بشتى الوسائل وبأحدث الاسلحة المتطورة والمدمرة تتهم حزب العمال الكردستاني بالارهاب، ثم تطالب بتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع القيادة الكردية في العراق، بحيث تقسم فيه الكرد الى معتدلين ومتطرفين، وهو الأمر الذي يتناغم مع النغمة الامريكية والاسرائيلية بتقسيم المجتمعات والدول والاحزاب السياسية للمنطقة، وتأكيدا على ذلك، ها هي تركيا تفتح قناة تلفزيونية باللغة الكردية لزيادة تعميق الانشقاق الكردي، في الوقت ذاته تمنع الكرد التكلم بلغتهم، وتسمية اولادهم باسماء كردية، وحرمانهم من التعلم بلغة الام، واعتقال الاعلاميين والصحفيين والكتاب الكرد.
ان أردوغان له وجوه عديدة تتغير بتغير الزمان والمكان، وكالحرباء يغير لونه كما يشاء، انه متطرف مع الجهات المتطرفة مثل حكومة الأسد، وquot;حزب اللهquot; ومنظمة quot;حماسquot;، ومع النظام الملالي تجاه المسألة الكردية، ومعتدل مع الدول المعتدلة مثل مصر، والسعودية والاردن، ومنظمة quot;فتحquot;، أما في اسرائيل فهو حليف أمين للمعاهدة العسكرية بين الطرفين رغم انتقاده للدولة العبرية في حربها المدمرة على قطاع غزة، وفي السياسة الامريكية فهو من الاسلام المعتدل، الهدف من وراء ذلك هو ارضاء جماعته داخل البلاد، واستمالة أهل السنة في المنطقة الى جانبه لدعم السياسة التركية في منافستها المستورة للنظام الملالي الصفوي في ايران، ولكن تتغير هذه المعادلة مع مجيء باراك اوباما كرئيس جديد للولايات المتحدة.
أما في الداخل التركي، فهو، اي أردوغان، ماسوني في اسطنبول، وتركي طوراني عنصري في أنقرة، وكردي مسلم كذاب في دياربكر ( آمد ). ان أردوغان سياسي ديماغوغي وعنصري لا يخجل من مواقفه المتناقضة والفاشلة في أكثر الأحيان، فهو الذي أعطى الضوء الاخضر مع بعض الاطراف العربية لإطلاق الحرب على المدنيين في قطاع غزة، والدليل على ذلك قول النائب محسن يازجي اوغلو: انه سيطالب باستجواء لمعرفة وقائع اللقاء الذي جمع أردوغان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت قبل العدوان على غزة. واخيرا يجول أردوغان ما بين العواصم العربية وتل أبيب لتحقيق الهدنة بين الطرفين ارضاء للمعارضة الداخلية الرسمية والشعبية، لكن مصيره كان الفشل الذريع.
ان دور الحكومة السورية تجاه المسألة الكردية لا يختلف عن دور كل من تركيا وايران في اطار تهجير الكرد وعزل الحدود بين اجزاء كردستان وطرد السكان الاصليين على طرفي الحدود. سوريا تعلن دعمها للشريط الامني المتفق عليه من قبل الدول المحتلة. ان حكومة البعث لا تكتفي بالحزام العربي، ونزع الجنسية السورية عن المواطنين الكرد، وبناء مستوطنات للعشائر العربية على الحدود، لكنها زيادة على ذلك تصدر مراسيماً عنصرية من قبيل المرسوم رقم 49 ـ الجائر والظالم واللانساني بحق الشعب الكردي. هذا المرسوم الذي يٌجرد الكرد من أبسط بل من كافة حقوق المواطنة، بحيث لم يبق أمامهم سوى الهجرة القسرية للبحث عن لقمة العيش.
ان هذا الاجراء التعسفي يخالف روح الدستور السوري في حق المواطنة، ويخالف الاعراف الدولية، ومعاهدة حقوق الانسان المصونة في ميثاق الامم المتحدة والتي وقعت عليه الدولة السورية. ان ممارسة الظلم والتعذيب في السجون تجاه الناشطين السياسيين المعارضين لنظام الحكم يزداد شدة وعنفا وبجميع الاساليب، وبالاخص المواطنين الكرد الذين يفقدون حياتهم في المعتقلات مجرد انهم يطالبون بحقوقهم المشروعة في ظل نظام ديمقراطي، ولا يستثنى من ذلك قتل المجندين الكرد أثناء الخدمة الالزامية لخدمة الوطن وهم يقتلون في ظروف غامضة حسب قول المسؤولين، دون اعطاء المجال لزويهم للكشف عن الحقائق.
أخيرا أقول لا أمان للشعب الكردي ولا نجاح للقضية الكردية في ظل التشتت والانقسام، ولا يستثنى من ذلك اقليم كردستان العراق. الكل في قارب واحد. ان انقاذ القارب والوصول به الى شاطئ الامان، هو انقاذ للجميع، ولكردستان بأجزائها الأربعة.
الدكتور أحمد رسول
طبيب ومحلل سياسي كردي ـ ألمانيا
[email protected]
التعليقات