يخصص الصحافي ومؤرخ بيروت سمير قصير ثلاث صفحات من كتابه quot;تأملات في شقاء العربquot; للحديث عن تجربة التنمية في إمارة quot;دبيquot;، ومسّها بهجوم شديد حينما يكتب:(في دبي حيث ناطحات السحاب تتكاثر ضمن هندسة تماثل هندسة شيكاغو كان من شأن الجهد الجبار المبذول في سبيل التنظيم والتحديث.. إلا أن هذا النجاح الباهر وهذه الفخامة التي تذكر البعض بولاية كاليفورنيا لا يخلوان من هشاشة تنذر بالخطر وذلك بدءاً ببنية السكان.. إن عملية التحديث تبقى وهماً.. فسيطرة التقاليد تعيق أشكال التحول المجتمعي) انظر الصفحات (40-43). يعني سمير قصير أن التنمية الموجودة في دبي هي تنمية مفصولة عن المجتمع ذلك أن التحديث الهندسي والإقتصادي لم يمر من بوابة التحديث الثقافي، وهذه الكلمة تتكرر كثيراً لدى نقاد تجربة التحديث والتطوير في الخليج، وأعني بالنقاد ليسوا أصحاب الخطط الاستراتيجية المثمرة التي تنطلق بناء على معطيات الواقع، وإنما النقاد من طبقة quot;المثقفينquot; الذين ينظّرون عن الإنحطاط الثقافي للخليجيين وانفصالهم عن عمليات التنمية التي تحدث في بلادهم، مع أن تجربة دبي الرائدة في مجال النهضة العربية لا يمكن أن تمرّ على المثقف بشخطة قلم، هذا مع أنني لا أقصد هنا الصحافي الكبير سمير قصير والذي أعتبره من أهم الشخصيات الصحافية العربية، لكنني أتيت به لأوضح نقاط ربما لا يمكن لمن لم يمرّ على الخليج من طبقة quot;المثقفينquot; الذين أصيبوا بتخمة التنظير والثرثرة حول عزلة المواطن الخليجي عن quot;ثقافةquot; التنمية التي تعيشها دولته، ويمكنني أن أوجز قولي في التأملات التالية:
-النهضة في الخليج لم تكن مفصولةً عن المجتمع، ففي السعودية نعرف أن شركة ضخمة مثل quot;أرامكوquot; ndash; التي احتفلت بمرور 75 عاماً على إنشائها- لم تكن منفصلةً عن المجتمع، كما لم تكن مجرّد شركة تدير المكائن، لقد استفاد منها المجتمع عبر جوانب كثيرة جداً، جوانب ثقافية، وأخرى تعليمية واقتصادية، لقد ساهمت في ضخّ معايير في التعامل مع الآخر، ولم يكن النفط مجرّد ذهب أسود يستبدل من خلاله الأعراب إبلهم بأفخر السيارات، وإنما كان البوابة لدخول عهد اجتماعي جديد. صحيح أن المؤثرات والعوائق الثقافية الممانعة كانت أقوى وتكرّست في بعض مناطق نجد ضد أي مد حديث، وتم عزل تأثير أي مؤسسة أو شركة على الجوانب الثقافية، لكن المعركة لا زالت حامية، ولم تزل quot;أرامكوquot; على سبيل المثال تقوم بمحاولات لتأميم العلم عبر التعاون التعليمي مع بعض شرائح المجتمع لتمرر من خلالهم خبراتها التاريخية، هذا هو الحال أيضاً في المدن الصناعية، كالجبيل وينبع، حيث تقوم إلى حدٍ لا بأس به في منح المجتمع خبراتها العملية وتقوم بتسهيل وسائل التواصل مع الآخر.
-في مؤتمرٍ حول الطائفية أقيم في العاصمة البحرينية quot;المنامةquot; عام 2006 كان الحضور من الجيل البحريني الجديد، أذهلني مستوى التعليم الصلب الذي يتلقونه في مؤسساتهم التعليمية، وصروحهم الجامعية، وفي قاعة المؤتمر كان الطلاب يحاصرون الفلاسفة العرب بأسئلة منهكة، كما تغصّ كشكولاتهم بالملاحظات والتساؤلات. لقد بدأ التعليم في البحرين بتاريخ مبكر جداً حيث افتتح أول مدرسة للتعليم في عام 1893 والبحرين أول دولة سبّاقة تاريخياً في مجال التعليم في الخليج، كما أن أول بعثة طلابية تخرج من البحرين كانت في عام 1928 إنه مجهود تاريخي من أجل تجديد النماذج التعليمية، وتطوير الفكر البشري. لم تكن التنمية في البحرين، معزولة عن التطوير المعرفي والعلمي.
-قطاع الثقافة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في الإمارات يمكنني اعتباره القطاع الذي سيصبح بعد أن تنضج صورة مشاريعه من أهم قطاعات العمل الثقافي المؤسسي في المنطقة، فهو يقوم وفق إمكانيات مادية جيدة، ويتحرك ضمن استراتيجية ليست سهلة، حيث تقوم الآن المؤسسة بمشروعٍ ضخم اسمه quot;ترجمquot; سأسلط عليه الضوء في مناسبة لاحقة. لكن قطاع الثقافة في هذه المؤسسة يقوم عليه ثلة من الشبان الذين يعرفون احتياجات بلدهم الثقافية أكثر من غيرهم، فهم يعملون على زرع ثقافة حديثة واختيارية داخل المجتمات، فليست مهمة المؤسسات صناعة الصدام مع المجتمع، وإنما فتح مجالات quot;الاختيار الفكريquot; عبر طرح رؤى متعددة وحديثة تساهم في نقل المجتمعات العربية إلى مسار التحديث، علماً أن الذين يتحدثون عن مستوى الثقافة في الخليج، ينسون نسب الأمية العالية في بلدانهم، ونسب الاتجار بالأميين في المهن، وهذه مسألة أخرى.
الخليج-مرةً أخرى- سكانه قلة، وموارده من أهم الموارد في العالم، فهو خليج غني بالغاز والنفط ولديه إرث تاريخي عريق، حيث نبعت من أرضه ثقافات وأديان، من الصعب وضع معادلات وتجارب غربية -كلنا نعترف بعظمتها- من أجل تحديث الخليج، هناك معادلة تحتاج إلى حل، كيف نستطيع تجاوز أزمة التقاليد المعششة في المجتمعات هذا ما نبحث عنه. وهو ما يجب على الدول العربية الأخرى احتذاءه، فليست الدول العربية التي عمر بعض جامعاتها يساوي عمر دولة في الخليج بمأمن من تهمة التخلف، بل إن دول الخليج ليست ضمن العالم الثالث على المستوى الاقتصادي. من المهم الحذر عند نقد التجارب الجديدة، كان من الأولى بنقاد تجارب النهضة في الخليج معاشرة هذه النهضة ودراستها بدل النقد الرخيص والإلغاء الشفهي لأمم تشق طريقها نحو الخروج، وإذا كانت حداثات النهضة والإقتصاد في الخليج مجرّد quot;فقاعاتquot;، فارجعوا يا معاشر المثقفين من مهاجركم ndash; المدفوعة الثمن- إلى عواصمكم واصنعوا فقاعاتكم إن كنتم صادقين.
-النهضة في الخليج لم تكن مفصولةً عن المجتمع، ففي السعودية نعرف أن شركة ضخمة مثل quot;أرامكوquot; ndash; التي احتفلت بمرور 75 عاماً على إنشائها- لم تكن منفصلةً عن المجتمع، كما لم تكن مجرّد شركة تدير المكائن، لقد استفاد منها المجتمع عبر جوانب كثيرة جداً، جوانب ثقافية، وأخرى تعليمية واقتصادية، لقد ساهمت في ضخّ معايير في التعامل مع الآخر، ولم يكن النفط مجرّد ذهب أسود يستبدل من خلاله الأعراب إبلهم بأفخر السيارات، وإنما كان البوابة لدخول عهد اجتماعي جديد. صحيح أن المؤثرات والعوائق الثقافية الممانعة كانت أقوى وتكرّست في بعض مناطق نجد ضد أي مد حديث، وتم عزل تأثير أي مؤسسة أو شركة على الجوانب الثقافية، لكن المعركة لا زالت حامية، ولم تزل quot;أرامكوquot; على سبيل المثال تقوم بمحاولات لتأميم العلم عبر التعاون التعليمي مع بعض شرائح المجتمع لتمرر من خلالهم خبراتها التاريخية، هذا هو الحال أيضاً في المدن الصناعية، كالجبيل وينبع، حيث تقوم إلى حدٍ لا بأس به في منح المجتمع خبراتها العملية وتقوم بتسهيل وسائل التواصل مع الآخر.
-في مؤتمرٍ حول الطائفية أقيم في العاصمة البحرينية quot;المنامةquot; عام 2006 كان الحضور من الجيل البحريني الجديد، أذهلني مستوى التعليم الصلب الذي يتلقونه في مؤسساتهم التعليمية، وصروحهم الجامعية، وفي قاعة المؤتمر كان الطلاب يحاصرون الفلاسفة العرب بأسئلة منهكة، كما تغصّ كشكولاتهم بالملاحظات والتساؤلات. لقد بدأ التعليم في البحرين بتاريخ مبكر جداً حيث افتتح أول مدرسة للتعليم في عام 1893 والبحرين أول دولة سبّاقة تاريخياً في مجال التعليم في الخليج، كما أن أول بعثة طلابية تخرج من البحرين كانت في عام 1928 إنه مجهود تاريخي من أجل تجديد النماذج التعليمية، وتطوير الفكر البشري. لم تكن التنمية في البحرين، معزولة عن التطوير المعرفي والعلمي.
-قطاع الثقافة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في الإمارات يمكنني اعتباره القطاع الذي سيصبح بعد أن تنضج صورة مشاريعه من أهم قطاعات العمل الثقافي المؤسسي في المنطقة، فهو يقوم وفق إمكانيات مادية جيدة، ويتحرك ضمن استراتيجية ليست سهلة، حيث تقوم الآن المؤسسة بمشروعٍ ضخم اسمه quot;ترجمquot; سأسلط عليه الضوء في مناسبة لاحقة. لكن قطاع الثقافة في هذه المؤسسة يقوم عليه ثلة من الشبان الذين يعرفون احتياجات بلدهم الثقافية أكثر من غيرهم، فهم يعملون على زرع ثقافة حديثة واختيارية داخل المجتمات، فليست مهمة المؤسسات صناعة الصدام مع المجتمع، وإنما فتح مجالات quot;الاختيار الفكريquot; عبر طرح رؤى متعددة وحديثة تساهم في نقل المجتمعات العربية إلى مسار التحديث، علماً أن الذين يتحدثون عن مستوى الثقافة في الخليج، ينسون نسب الأمية العالية في بلدانهم، ونسب الاتجار بالأميين في المهن، وهذه مسألة أخرى.
الخليج-مرةً أخرى- سكانه قلة، وموارده من أهم الموارد في العالم، فهو خليج غني بالغاز والنفط ولديه إرث تاريخي عريق، حيث نبعت من أرضه ثقافات وأديان، من الصعب وضع معادلات وتجارب غربية -كلنا نعترف بعظمتها- من أجل تحديث الخليج، هناك معادلة تحتاج إلى حل، كيف نستطيع تجاوز أزمة التقاليد المعششة في المجتمعات هذا ما نبحث عنه. وهو ما يجب على الدول العربية الأخرى احتذاءه، فليست الدول العربية التي عمر بعض جامعاتها يساوي عمر دولة في الخليج بمأمن من تهمة التخلف، بل إن دول الخليج ليست ضمن العالم الثالث على المستوى الاقتصادي. من المهم الحذر عند نقد التجارب الجديدة، كان من الأولى بنقاد تجارب النهضة في الخليج معاشرة هذه النهضة ودراستها بدل النقد الرخيص والإلغاء الشفهي لأمم تشق طريقها نحو الخروج، وإذا كانت حداثات النهضة والإقتصاد في الخليج مجرّد quot;فقاعاتquot;، فارجعوا يا معاشر المثقفين من مهاجركم ndash; المدفوعة الثمن- إلى عواصمكم واصنعوا فقاعاتكم إن كنتم صادقين.
التعليقات