يلاقي شباب هذا العصر صعوبات بالغة في تدبير أمور ومتطلبات الزواج، خصوصا مع تغير أحوال المجتمعات وإنغماسها في الماديات واللهاث وراء المال.

وتتفاقم المشكلة مع مغالاة الأسر في المهور ومصاريف الزواج مما يحمل المقبل عليه أعباءا كبيرة لا طاقة له بها،رغم أن الشاب الذي يدخل سن الزواج يكون في مطلق الأحوال في بداية مرحلة تكوين حياته الوظيفية مما يتعسر عليه تحمل كل هذه النفقات الباهضة لمشروع الزواج، وتلك الأعباء الثقيلة تؤدي في غالب الأحيان الى عزوف الشباب عن التفكير في الزواج أصلا، أو الى تأجيله لمراحل قد تكون متأخرة، وهذا بحد ذاته يعتبر مشكلة أكبر، لأن هناك العديد من المساويء في الزواج المتأخر بالنسبة للجنسين معا،خصوصا بالنسبة للبنات، لأن الزواج المتأخر وبالذات في مرحلة العنوسة يفرز الكثير من المشاكل الأسرية، خصوصا وأن الفتاة ستضطر بحكم تأخرها عن الزواح بالقبول بأي طارق كان حتى لو لم يكن كفؤا لها!!.


مشكلة الزواج تعتبر من أهم المشكلات الإجتماعية وأكثرها تأثيرا على فساد المجتمع، حيث أن تعسر الزواج أو العزوف عنه، سيؤدي بالمحصلة الى تشجيع العلاقات المحرمة خارج إطار الزواج، أو حتى إرتكاب الجرائم الجنسية كالإغتصاب التي باتت تهدد مجتمعاتنا في الفترة الأخيرة بشكل واضح، خصوصا وأن هناك كما هائلا من الضغط النفسي والجنسي الذي يواجه شباب هذا اليوم في ظل تعدد مواد الإثارة الجنسية التي تنتشر في كل مكان وبوسائل متاحة للجميع.


وبرغم ما ييسره الشرع من صيغ متعددة للزواج، كزواج المسيار أو المتعة أو الفريند أو الزواج العرفي وما شابههم، إلا أن أكثر هذه الصيغ ليست مقبولة في الكثير من مجتمعاتنا، وفي العادة فإن هذه الزيجات تعقد في نطاق ضيق، أستطيع أن أقول بأنه يكاد ينحصر في الطبقات العليا أو الأثرياء والموسرين ماديا الذين قد يكونون متزوجون أصلا ويريدون التمتع بأكثر من زوجة، لذلك نجد بأن أغلب هذه الزيجات يتغلب عليها طابع السرية دائما،والمشاكل المترتبة عن مثل هذه الزيجات أكبر من أن تنحصر والتي غالبا ما تؤدي في حال كشفها الى خراب البيوت وتفكك الأسر.


من أكبر المشكلات التي تواجه شباب هذا العصر هو مشكلة السكن، وطبعا هذه المشكلة أصبحت مزمنة ومتفاقمة في أغلب دولنا الشرقية والإسلامية على وجه التحديد،فكل من يريد الزواج لا بد أن يفكر قبلا في توفير السكن أولا ثم في الامور الأخرى،فتدبير السكن المستقل هو الهاجس الأكبر أمام الشاب المقبل على الزواج.


ومشكلة السكن هي أساس كل المشاكل التي تعترض سبيل الزواج لدى الشباب، فالحكومات عاجزة عن حل هذه المشكلة رغم قدرتها على ذلك، مما يضطر بالمتزوجين حديثا الى أن يلجئوا الى إستئجار السكن وهذا ينزف قسما كبيرا من دخل الأسرة،مما يتسبب في مشاكل دائمية داخل الأسرة.


وطالما أن الزواج هو عقد شرعي تباركه جميع الأديان والقوانين الوضعية، فلا حرج من البحث عن الحلول الممكنة لتشجيع الشباب عليه، خصوصا في مجتمعاتنا التي ما زالت الشرائع والعادات والتقاليد تتحكم بها،من حيث تحريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الرسمي والشرعي، والغريزة الجنسية هي بطبيعة الحال غريزة إنسانية لا يمكن كبتها أو قمعها،لذلك فإنني أتقدم بإقتراح عسى ولعل يسهم في تيسير الزواج بين الشباب، وهو عقد زواج شرعي كما هو العادة من حيث توافر شروطها الشرعية، مضافا اليه إتفاق مسبق حول السكن، بمعنى أن يتفق الزوجان منذ البدء على مكان الإقامة بشرط موافقة أهل الزوجين.


فإذا كانت أسرة الفتاة تمتلك بيتا من الممكن أن يشغل العريس وعروسه جزءا أو غرفة منه، فلا يكون هناك حرج في إستضافة الزوج في منزل أسرة الفتاة ليسكن مع زوجته دون أن يشعر بالحرج، وإعتبار ذلك شرطا من شروط عقد الزواج.

فقد كانت هناك عادة متبعة الى ما قبل سنوات في الكثير من مجتمعاتنا وأعتقد بأنها لا زالت رائجة في البعض منها حيث أن الابن كان يسكن وزوجته واولاده في بيت أبيه، ولكن سكن الزوج في بيت أسرة الفتاة لم يكن عادة من قبل، ودرءا للمشاكل الإجتماعية ولتيسيير الزواج أمام الشباب أعتقد بأنه ينبغي أن تكون هذه المشاركة من أهل العروس لحل مشكلة الزواج أمرا إعتياديا، خصوصا وأنني لا أشك في أن معظم الأسر تتمنى أو تترقب تزويج بناتها.


وفي حال تعذر تحقيق أي من الحالتين، أي سكن الزوج في بيت حماه أو سكن الزوجة في بيت والد الزوج، فيمكن لهما أن يلتقيا في بيت أحدهما بهدف المعاشرة سواء كانت لساعات أو لأيام بحسب الظروف التي تسمح بذلك، ثم العودة الى بيته أو بيتها. بمعنى أن يتردد الزوج أو الزوجة بعضهما على بعض بهدف المعاشرة في بيت أحدهما، طالما أنهما متزوجان شرعا، فيجب توفير فرصة المعاشرة لهما لأن ذلك هو أساس الزواج الصحيح وأن لا يكون ذلك معيبا من الناحية الإجتماعية. وطبعا هذا الحل سيكون مؤقتا لحين تمكن الزوج أو الزوجة من الحصول على سكن مستقل، لكن المهم أن هذا الحل سيسهل المعاشرة الزوجية من دون حرج كحل مؤقت. ولا أعتقد بأن الأديان أو الشرائع سترفض هذه الفكرة لأن الأساس فيها هو عقد الزواج بشكل رسمي وشرعي فيما عدا تأمين محل السكن.ومن الممكن أن يؤجل الزوجان مسألة الإنجاب الى فترة لاحقة لحين الإستقرار في مسكن خاص بهما.


أنا أعتقد بأن هناك الآلاف من الأسر التي تنتظر عريسا لبناتها ولكن هذه المشكلة، أي مشكلة السكن المستقل هي التي تعترض طريقهم، وهي أساس عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، فلو تيسر لهم المعاشرة الزوجية الشرعية بهذه الطريقة فقد تكون وطأة المشكلة أقل..


لا أدري هل يوافقني القاريء الكريم على هذا الرأي الذي أطرحه والذي أعتقد أنه لا يخالف الشرائع أو القوانين، أو ماذا سيكون رأي الفقهاء والعلماء بهذا الرأي الذي أريد به أن أسهم في حل مشكلة تعتبر من أعقد المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا الشرقية خصوصا فئة الشباب المحروم.


[email protected]