يعتقد البعض أن من الصواب أن يقدم مطالبته بحقوق أبناء جلدته على أي مطالبة أخرى، انطلاقا من هيمنة العاطفة على الفكر وعلاقة الذات بالموضوع، لكن يتجاهل هؤلاء حقيقة أن شعورهم هذا هو بشكل ما شعور أناني ولا علاقة له بأي سمة أخلاقية، بغض النظر عن أي علاقة قد تربط هذه السمة بالعوامل الفطرية والموضوعية، فهي بالنهاية استهانة بالمشاعر الإنسانية بشكل عام، لان الإنسان بارتهانه لهذا الشعور الأناني، فانه يسوغ لسواه فعل الأمر ذاته انطلاقا من قاعدة العمل بالمثل، فيغدوا ضحية وجلاد في ذات الوقت.


إن علينا أن ندرك أن هذا الاعتقاد هو من السوء بحيث شكل على الدوام واحدا من أكثر السلوكيات البشرية فداحة، بعد ترتبت عليه الكثير من صور البغض والكراهية التي مازلنا ندفع ثمنها إلى الآن.


ولعل ما يحصل في قضية شاليط والأسرى الفلسطينيين، هو ابلغ تأكيد على فداحة هذا التعاطي الخاطئ، بعد أن تحول شاليط والأسرى الفلسطينيون إلى موضوع للمساومة لا أكثر، في ظل غياب أي محاولة للالتفات للإبعاد الإنسانية لهذه القضية التي اشترك في تجاهلها الطرفان معا وليس طرفا دون أخر، وما حصل في فلم شاليط الأخير هو خير تأكيد لهذه الحقيقة التي ربما غابت عن أذهان كثيرين، حيث كشفت هذه الحادثة عن ثنائية عجيبة يندر أن نجد مثلها كثيرا، فإذا كانت حركة حماس قد غالت في مساومتها إلى درجة أعطت من خلالها انطباعا قويا على رخص العربي بإزاء الإسرائيلي، فان إسرائيل قد غالت أيضا عندما رسخت هذا الأمر وربما استجابت له بطريقة تمثيلية، بحيث يمكن النظر إلى هذه العملية على أنها ربما تمثل جزءا من إستراتيجية معدة سلفا أو أريد لها أن ترسخ واقعا ما، وكلا التصرفان ممجوجان من قبلنا ومن قبل كل المنصفين باختلاف ألوانهم ومشاربهم.


ففي ذات الوقت الذي لا نريد فيه أن يساء إلى الأسير العربي أو أن يحط من قدره، فإننا نرفض أيضا أن يتحول شاليط إلى أداة مساومة أو إلى وسيلة للربح على حساب وضعه الإنساني، ولابد بالتالي من وضع حد لمعاناة الناس فلسطينيين كانوا أم إسرائيليين، ويجب أن نفصل ذلك عن قضية الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، فلكل منهما شانه الخاص وقد لا يلتقي مع الأخر إلى بالإطار العام، ومن يحاول أن يربط بين الأمرين أو أن يحصل من هذا الربط على نتائج معينة، فانه يميل بالتأكيد على القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية العامة.


فمثلما نعتز بأسرانا ونتمنى أن يحضوا بحريتهم، لابد أن نتمنى ذلك لشاليط انطلاقا من الدافع الإنساني ومن ضرورة أن تكون مواقفنا منطقية وطبيعية، حتى نحظى ليس فقط بتعاطف الآخرين معنا ومع قضايانا المصرية بل وحتى باحترامهم وتقديرهم، والاهم من ذلك أن نكون منصفين وعادلين وهذا هو الأهم بتقديري.