نشر موقع أخبار العالم التركي في 13- 11- 2008 خبراً مؤلماً للغاية هذا نصُّه: تسلم الرئيس التركي عبد الله غول هدية غريبة هامة ولافتة بالنسبة لتركيا من الرئيس السويسري الزائر باسكال كوشبين، والهدية عبارة عن المائدة المستديرة التي وُقِّعت عليها إتفاقية لوزان التاريخية في الـ24 من يوليو/ تموز عام 1923.
وقد أعطت الاتفاقية المذكورة تركيا امتيازاتٍ، ووضعت الحدود الحالية لجمهورية تركيا الحديثة، وألغت الامتيازات الأجنبية، كما ألغت عملياً اتفاقية سيفر التي كانت تتضمن قسماً يخصُّ الأكراد، واعترفت بالمقابل بكل الأقليات الموجودة في تركيا كمواطنين أتراك، وتوصلت إلى اتفاقٍ يتعلقُ بتبديل أماكن الأتراك القاطنين في تراقيا الشرقية، مع اليونانيين القاطنين في الأناضول.

تذكرتُ ذلك، وأنا أتابع ما قامت به سويسرا لإرضاء الزعيم الليبي معمر القذافي وعائلته، بعد الحادثة التي اتُهم فيها نجله هنيبعل بالاعتداء على اثنين من الخدم، وكيف اضطَّر الرئيس السويسري الى الذهاب أخيراً لليبيا والاعتذار، في محاولة للملمة الآثار الاقتصادية المترتبة على الاجراءات التي اتخذتها ليبيا، التي هددت وتوعدت بأن تجعل سويسرا تدفع الثمن، ولن تقبلَ إلا باعتذار سويسرا، وهو ما تحقق لها.

لستُ هنا بصدد التعليق على ما جرى، ولكني تأملتُ بألمٍ وأنا أتابع كيف تلهثُ الدول الأوروبية خلف مصالحها، وكيف تدهسُ حق الشعب الكردي بل أنها تعمل على إهانته بكلِّ ما أوتيت من ديبلوماسية. أليسَ الفعل السويسري إهانة بحقَّ الشعب الكردي؟.

فسويسرا صاحبة الديمقراطية العريقة، كان عليها ان تقدم الاعتذار للشعب الكردي، عن الظلم الذي حاقَ به، نتيجة توقيع الاتفاقية تلك، والتي وضعت الحدَّ للآمال الكردية قبل أكثرَ من ثمانيةِ عقودٍ، وألغيت في لوزان السويسرية ما حصل عليه الشعب الكردي في اتفاقية سيفر.

في هذه المرحلة التي يكثرُ فيها الحديثُ عن ايجاد حلٍّ للقضية الكردية، رغم أني لا أرى جديداً يلوح في الافق، وليس هناك حتى الآن أي شيء يمكن أن يفضي الى حل القضية الكردية فيما يسمى بمبادرة الانفتاح الديمقراطي أو الانفتاح الكردي، وذلك من خلال قراءة ما صدر حتى الآن عن الجانب التركي، وتحديداً من رئيس الوزراء أردوغان والرئيس غول.

رغم ذلك، آملُ أن ينطلق رئيس الوزراء التركي بعد اعادة انتخابه رئيساً لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر الحزب قبل أيام، وقبل فوات الأوان لتصحيح المسار الذي يبدو أن حكومته متجهة إليه، والمتمثلِ في محاولة كسب الوقت ودعم الأطراف الدولية، والعمل لتصفية حزب العمال الكردستاني، من خلال إعادة الكرَّة والهجوم على قوات الدفاع الكردستاني في مناطق الزاب وقنديل، رغم الهزيمة المُذلة التي لحقت بالقوات التركية في شباط من هذا العام، والحصول على الدعم، وخاصة أن الجانبين الألماني والفرنسي يساندان تركيا في مساعيها العسكرية، كما قالها مؤخراً القائد في العمال الكردستاني مراد قره يلان.

رغم كلِّ ذلك، فإن حزب العمال الكردستاني يبدو مصراً في الإبقاء على خيار إعطاء الفرصة لأردوغان حتى النهاية، كما يتضح من حديث القائد أوجلان لمحاميه مؤخراً، حيث لفتَ الانتباه إلى أن الاوضاع ستتضحُ خلال أسبوعين قائلاً : ( ما سيتقدم به حزب العدالة والتنمية عند افتتاح جلسات البرلمان مهم، فسيكونُ سبباً إما في قرار الاستمرار في الحرب، أو الابتداء بمسار التفاوض الديموقراطي، وهذا الأمر سيتضحُ خلال أسبوعين كما أسلفت. يمكن فتح المجال أمام الوضع القائم باستلام AKP لزمام المبادرة والتصرف بجرأة. أما إذا لم يتطور مسار التفاوض الديموقراطي، فإن العنف والاشتباك والقمع والموت سيكون رهيباً. وعلى الشعب أن يكون مستعداً لكافة أشكال التطور، وعليه أن يطور تدابيره الدفاعية. فإن تصاعدت الاشتباكات في مائة مكان، فإن تركيا ستعجز عن تحمل أعبائها، وهدفي هو الحيلولة دون مثل هذا المسار. )

وهو ما يفرض على الحكومة التركية تحمل أعبائها، إذا كانت لا تزال تكرر أنها ستحلُّ القضية الكردية، فإذا كانت الحالُ على هذه الشاكلة، فعليها ألا تتأخرَ كثيراً، فهي تملك الآن الفرصة التاريخية للتوجه نحو حلٍّ حقيقي، من خلال إقرارٍ دستوري بحقوق الشعب الكردي، وعليه فإن بإمكانها إعداد الرأي العام أكثر فأكثر، وتحضير الطاولة التي جلبها معه الرئيس السويسري باسكال كوشبين، والتي وقعت عليها اتفاقية لوزان، التي وضعت حداً للآمال الكردية، مؤسسةً الجمهورية التركية بحدودها الحالية، حيث يشددُ الدستور التركي في مادته السادسة والستين على أن كل من يعيش على أرض تركيا تركي، وحيث الشعارات المقيتة التي تقولُ quot; يا لسعادة من يقول أنا تركي quot; وquot; تركيٌّ واحد يساوي العالم quot;، وما إلى ذلك من الشعارات العنصرية.

من جانبه قال رئيس حزب المجتمع الديمقراطي أحمد ترك، خلال انعقاد المؤتمر الطارئ لحزبه يوم الأحد المنصرم في أنقرة، حول الانفتاح الكوردي للحكومة التركية. قائلاً في خطابه : quot; يتطلب حل القضية الكوردية الجرأة وتحّمل العواقب المترتبة عليها. نحن نتابع النضال في سبيل هذه القضية منذ البدايات وحتى الآن، وتعهدنا بتثمين أي خطوة بهذا الشأن.quot; وأضاف: quot; لا شك في أن حزب المجتمع الديمقراطي وحزب العمال الكوردستاني لن يشكلا عوائق أمام سبل الحل، وفي حال تسبب الكورد في سد الطريق أمام المرحلة سوف نتقاسم قلقنا مع الشعب، وفي المرحلة الحالية لا يوجد في مواقف الحكومة التركية ما يُسرُّ القلوب، وبدأ القلق يساورُ شرائح المجتمع من الآمال التي علَّقوها على المرحلة الحالية quot;. وانتقد اليوم أحمد تورك خلال إجتماعه مع أعضاء كتلة حزب المجتمع الديمقراطي في البرلمان التركي، فوصف تصريحات الحكومة التركية بشأن الإنفتاح على القضية الكوردية بأنها غير عملية وإنها مجرد كلام، ولم يتم البدء بالعملية بجدية. وأضاف ترك : quot; إن البرلمان في دورته الحالية سيصوت على تفويض الجيش التركي القيام بعملية عسكرية ضد حزب العمال الكوردستاني عبر الحدود التركية، وأطلب من أعضاء حزب المجتمع الديمقراطي عدم تأييد هذا المقترح quot;. وانتقد رئيس حزب المجتمع الديمقراطي، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً: quot; إن أردوغان قال أنه لا يريد قتل الشباب، وفي نفس الوقت يريد تخويل الجيش بشن عملية عسكرية موسعة quot;. وشدَّد تورك على ضرورة إتباع العملية السلمية والحوار بدلاً من العملية العسكرية.

فهل سيستمع قادة تركيا إلى صوت العقل الصادر من الجانب الكردي، المتمثل في القائد الكردي عبد الله أوجلان، وقادة حزب العمال الكردستاني، وقادة قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، وقادة حزب المجتمع المجتمع الديمقراطي، لوضع حد للحرب المستمرة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وإنكار مستمر منذ أكثر من ستة وثمانين عاماً، ويعاد كتابة عقد جديد على الطاولة التي وقعت عليها اتفاقية لوزان، من خلال اتحاد طوعي بين الشعبين التركي والكردي وبين كردستان وتركيا، أم أن الحرب ستستمر لعقود أخرى - لا سمح الله - إلى أن يظهر قائد تركي، يجرؤ على أن يقول لا للطغمة العسكرية والطغم المالية والتجارية، المستفيدة من استمرار الصراع، الذي يبدو قابلاً للاستمرار نتيجة التعنت التركي، الرافض لأي شكل من أشكال الاعتراف بحقيقة وجود الشعب الكردي وحقوقه المشروعة ولو في حدها الأدنى، من خلال إقرار دستوري، يضع نهاية للدستور التركي الأسوأ منذ تأسيس الجمهورية، والذي وضعته الطغمة الفاشية التي قادت انقلاب الثاني عشر من أيلول عام 1980.

نواف خليل

صحفي كردي

[email protected]