على صعيد السياسة الخارجية طرح الرئيس الامريكي الجديد باراك أوباما الكثير من الوعود والتعهدات لملفات خارجية عديدة. واعداً المجتمع الدولي والعالم الاسلامي والعربي على وجه الخصوص العمل على تغيير الصورة الامريكية التي ازداد تشوهها في الفترة العقيمة للرئيس بوش الابن، خاصة عندما برزت مصطلحات قسمت العالم الى محورين الاعتدال والشر.


نالت الدول العربية وايران الجزء الاكبر من هذه المسميات. وتعامل المجتمع الدولي ضمن هذه المصطلحات بآليات سخرت جميعها لصالح الوجود الاسرائيلي والمعتقد الديني الذي يخدم فكرة قيام دولة يهودية، بالتالي ادت هذه المصطلحات الى نشوء حروب دمرت العالم الاسلامي والعربي- وان تداخلت المصالح الدولية فيها- ورفض اليسار الغربي حججها واستغلها بإعلام وتظاهرات عمت شوارع العالم تندد لهذه الحروب وبالاخص الحرب على العراق.
معروف ان اهم الملفات التي وعد بها الرئيس اوباما للتغيير هي:-

1 الملف الفلسطيني والعمل على اقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة اليهودية.
2 معالجة الملف النووي الايراني بالحوار والدبلوماسية بدلاَ من التهديد والوعيد.
3 التعجيل بسحب القوات الامريكية من العراق بفترة زمنية لاتتجاوز (16) شهراَ ابتداءاَ من يوم تسلمه الرئاسة.
4 العمل مع الاتحاد السوفيتي بضرورة الوصول الى عالم خالي من السلاح النووي.
5 كما احتلت قضية كشمير المتنازع عليها منذ (60) عاماَ جانب آخر من هذه الملفات الشائكة ووعد بضرورة التعاون مع الباكستان لحل مشكلة كشمير بعد ان عملت ادارة بوش السابقة على طمأنت الجانب الهندي على حساب الرغبات الباكستانية.
6 غلق معتقل كاونتنامو.


ملفات مهمة كيفما تفنن الرئيس اوباما بالتعامل معها فإن لإسرائيل جانب رئيسي فيها من حيث التأثير لذا ستراقب عن كثب شديد كل ما سيجري من متغيرات وستطلق العنان فيما اذا شعرت إن مصالحها قد تصطدم بأيً طرح لايروق لها.
هل كانت الوعود مجرد استهلاك انتخابي لكسب رضا الناخب الامريكي الذي انهكته ميزانية الحروب التي وصلت كلفتها 600 مليار دولارشكلت عبئاَ كبيراَ على حساب ماله وارواحه.


يتسائل المراقبون من يملك مفاتيح القرارات المهمة في امريكا هل هو البيت الابيض أم الكونغرس. و ماهي مواطن ومنابع القوة التي يمتلكها ويستند عليها الرئيس اوباما ذو العرق والانتماء الديني المزدوج في وعوده السلمية الوردية التي وعد بها العالم مقابل الفكر الصهيوني المسيحي واليمين المتشدد خاصة أمام منطمة ايباك الصهيونية التي يشكل الكونغرس 70% من اعضاءه اهم اقطاب هذه المنظمة.


تعمل ايباك منذ 50 عاماَ مع الكونغرس من اجل التأثير على السياسة الخارجية الامريكية لصالح اسرائيل،و تعتبر بسبب ماتملكه من امكانات مالية ضخمة اهم القواعد التي تسند وتدعم الاقتصاد والسياسة الامريكية. تستطيع بهذه الامكانات الضغط على الادارات الامريكية للحفاظ على المصالح الاسرائيلية. اضافة الى انها استطاعت ان تؤسس العشرات من المنظمات الصهيونية الاخرى وأهمها منظمة ( قف لجانب اسرائيل )تشكلت من المجتمع المدني وتعمل جنباَ الى جنب مع منظمة ايباك.


لم يسلم معظم روؤساء امريكا السابقون ككارتر وكلنتون وكندي من الابتزاز و الانتقادات التي وجهت اليهم من قبل اعضاء منظمة إيباك وحتى الرئيس بوش الابن وبالرغم من سياسيته العدائية الواضحة نحو المسلمين لقد وجّهت له ايضاَ انتقادات لاذعة من قبل رجل الكونغرس القوي حينها والمنتمي الى منظمة إيباك (رام انويل ) الصهيوني المتشدد والذي يعتبر من اكثر المتشددين بمواقفه ضد الشرق الاوسط كقضية فلسطين والملف النووي كما انه كان من اكثر المناصرين للحرب على العراق. عيّنه الان اوباما ككبير موظفي البيت الابيض. انتقد هذا الرجل بوش انتقاداً لاذعاً عندما ادان بوش المحاولة الاولى لعملية اغتيال القيادي الفلسطيني في حركة حماس (عبد العزيز الرنتيسي) مما حدا بالرئيس بوش الى تغيير مواقفه عند محاولة اغتياله للمرة الثانية مدافعاً عن الحق الاسرائيلي واصفاً عملية الاغتيال بالدفاع عن النفس. كما ان لرام مانويل الذي اختاره اوباما موقف آخر فقد كان من اول المطالبين بعدم السماح لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من القاء كلمته في امريكا عنما انتقد اسرائيل هجومها على الجنوب اللبناني في تموز عام 2006.


يستفسر المراقبون اين هي اوجه التغيير التي وعد بها اوباما؟ هل يعتبر تعيين هذا الرجل بهذا المنصب هو تراجع عن الوعود ام ضغوظ لايقدر عليها اوباما.
يصف رجل المخابرات الامريكية السابق فيليب جيرالد اختيار اوباما لرام مانويل يعني ( توظيف رجل ايباك في معسكر اوباما )ويقول ان هذا التعيين يثير القلق عند الناخب الامريكي والمتطلعين الى التغيير، وان المجتمع سيصاب بخيبة امل مريرة.


لقد ارث اوباما مرحلة عقيمة لايبدو للعالم او حتى المجتمع الامريكي سيشهد في فترته على اقل تقدير السنتين الاوليين من حكمه وهي فترة الاختبار تغييرات جذرية او حتى ملحوظة لصالحه.

الملف النووي الايراني
في الجانب الايراني وملفها النووي يسعى اوباما بهذا الخصوص الى البحث عى ثغرات جليد مسبقة للحوار المباشر مع ايران مستعملأ سياسة الترهيب والترغيب فبالرغم ان ايران رحبت لهذه الدعوة وهي في الانتظار للقاء مباشر مع الادارة الامريكية كما قرر اوباما لكن كما اعلنت بشروط الاحترام المتبادل بين البلدين اضافة الى انها لم تخفي مواقفها بعدم اعترافها بأسرائيل حتى يوم القيامة كما صرح بعض المسؤولين، اضافة الى مواقفها الاقليمية المعروفة من حماس وحزب الله ونفوذها بالعراق. هذه المواقف الايرانية التي لاتليق ولا ترضي الجانب الاسرائيلي،. هل ستشهد المنطقة تغييراَ جديداَ وما هي آلية الترهيب التي ستستخدمها امريكا في حال ظلّ الموقف الايراني يراوح في مكانه من حيث برنامجه النووي؟


ونفوذها الاقليمي وكيف ستتعامل اسرائيل التي تشهد حكومة منتخبة يمينية متشددة جديدة اولى اولوياتها الموعودة الى شعبها هو جلب الامن والاستقرار الى اسرائيل فلا يهدء لها بال إلا بالحد من البرنامج النووي الايراني ولي اذرع احمدي نجاد. امنية يتفق معها الكثير من الدول الاوربية كأنكلترا والمانيا وكثير من دول المنظقة العربية التي تنظر الى النفوذ والقوة الايرانية المتنامية بريبة وقلق شديدين خاصة ان ايران اصبحت الان تملك ثلاث قوى نووية و صاروخية واقمار صناعية يتخوف الغرب من خشية عبورها القارات.


التقارير تشير ان تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل سابقاَ وقبل وصول حزبها المتطرف في الانتخابات الاخيرة الى سدة الحكم اجرت اتصالا هاتفياَ مع نائب الرئيس الامريكي اوباما جو بايدن اخبرته ان مجرد الحوار مع ايران سيكون علامة ضعف وهو مايشير الى ان اسرائيل قد ستكون مستعدة لاستخدام نفوذها في إيباك واللوبي الصهيوني ضد احلام اوباما اذا لمست ماتتأثر به المصالح الاسرائيلية، وهذا يعني حدوث كل الاحتمالات. مرة آخرى من له النفوذ الاقوى في الحكم الكونغرس ام البيت الابيض وهل سيستطيع اوباما ان يحتوي الملف النووي الايراني حسب رغباته خارجاَ من الضغوط الكونغرسية. كما ان مادور العسكر في البنتاغون من هذا الملف وما حجم العلاقة بين اوباما ورجال البنتاغون ومابعد الخطوات المتقاربة فيما بينهم، هل بإمكانه ان يوازن بين طموحاته وبين رضا اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس والعسكر في البتاغون. العالم ينتظر الى أيّ اتجاه ستقود الدبلوماسية الاوبامية الخاصة لهذا الملف هل سيشهد العلم معجزة عندما تتخلى ايران عن ملفها.وان حدث هل سيكون على حساب السكوت عن النفوذ الايراني الواسع في الشرق الاوسط،فأيهما لدى اسرائيل افضل هل الملف النووي الايراني ام نفوذها في المنطقة ودعمها لحماس وحزب الله.خيارات كلها علقم في طريق الطموحات الاسرائيلية.

التسليح النووي العالمي
هناك مواقف متعارضة بين اوباما والبنتاغون بخصوص التسليح النووي فقد حدد اوباما على ضرورة التوصل الى عالم خال من السلاح النووي فيما ينظرالبنتاغون بالاتجاه نحو ترسانة جديدة بدلا من القدية حسب مادعى الى ذلك روبرت غيتش وزير الدفاع السابق والذي احتفظ بمنصبه مع ادارة اوباما.
انسحاب القوات الامريكية من العراق
فيما يتعلق بإنسحاب القوات الامريكية من العراق فالاتفاقية الامنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة تنص على انسحاب كامل قبل حلول نهاية عام 2011 فيما يطالب اوباما بإنسحاب كامل بغضون (16) شهراَ ابتداءاَ من يوم تسلمه الرئاسة.الادارة الامريكية ترى ان الانسحاب السريع قد يؤدي الى مخاطر عودة القاعدة وازدياد النفوذ الايراني وتدخل الدول الاقليمية المجاورة، لذا يعتقد روبرت غيتش وزير الدفاع الامريكي بإن مايرغب به اوباما ليس هو الخيار الوحيد وانما هناك خيارات مطروحة اخرى قيد الدراسة.


قضية كشمير
اما في مسألة كشمير المتنازع عليها منذ (60) عاماَ مابين الهند والباكستان فمن المعروف ان الادارة الامريكية السابقة تعاملت مع هذه القضية الشائكة بضمانات طمأنت الهند ضد الحقوق والرؤى الباكستانية. خاصة بعد زيارة آريل شارون للهند عام 2003 اعتبرت بعدها اسرئيل اول شريك تجاري للهند في حين اعتبرالمستثمر الاسرائيلي تاسع اكبر المستثمرين فيها. كما تنشط منطمة إيباك الصهيونية في الهند في التحالف مع الهندوس لتهجيرهم الى الولايات المتحدة، اضافة الى ان الهند ترتبط بتحالفات عسكرية وطيدة مع اسرائيل.


كما ان اسرائيل وامركا تنظر الى الشارع الباكستاني الذي يقف مع القضية الفلسطينية بأنه عدو مشترك للهند وكل من اسرائيل واولايات المتحدة.
اوباما اثناء حملته الانتخابية صرح بضرورة العمل مع باكستان لحل مشكلة كشميرفسّرهذا التصريح بأبعاد قد يهدف منه التعاون والعمل مع اسلام آباد لأجل القضاء على عناصر القاعدة المتواجدين مابين الباكستان وافغانستان لذا لابد ان تكون هناك تنازلات تخص قضية كشمير. لكن اسلام آباد طالبت لأجل الحصول على هذا النوع من التعاون الامريكي الباكستاني لابد ان تكون هناك تعويضات مالية.


ملخص ماذكر هل ستشهد السياسة الامريكية اول التغييرات منها بحكم الصراعات ما بين اوباما كشخص وبين الكونغرس المتحصن بين اعضاءه اشد منظمة صهيونية تستطيع في اقل من ساعات معدودة ان تجمد اهم القرارات الدولية.وهل ستبدء مراحل لي الاذرع بين صقور اشد منظمة نفوذاّ في المال والقرار وبين وداعة البيت الابيض، ام ان الوعود والاحلام التي وعد بها اوباما بالتغيير لاتحمل محتواها ثقلاَ معيناَ خاصة اذا تذكرنا ان بعض التقارير تشير ان اوباما خلال حملته الانتخابية قد رفض مقابلة المسلمين الامريكيين كما انه قضى خلال رحلته لجمع الحقائق في الشرق الاوسط عدة ايام في اسرائيل بينما لم يقضي سوى (45) دقيقة مع الزعماء الفلسطينيين.


لم ينسى المجتمع العربي التزام اوباما الصمت اثناء الهجوم الاسرائيلي السافر الاخير على غزة بحجة لايحق له التصريح وهو لم يدخل البيت الابيض بصفته كرئيس في ذلك الوقت الباقي منه ايام قليلة او ساعات.
دلالات تعني الكثير فهو امام خيارين اصعبهما مرّ اما الرضوخ أو التحدي نحو مصير مجهول خاصة عندما اختار رام آنويل ان يكون كبير موظفي البيت الابيض عنده في مكتبه البيضاوي.

ليلى البحراني