كل الاشارات وكل القراءات العراقية كانت تشير وقبل اجراء الانتخابات المحلية في العراق الى امكانية كبيرة وواضحة لفوز المالكي وتراجع القوائم الاخرى امامه والغريب كان في الشارع العراقي اصرار غير مسبوق يردد بين فئات مختلفة التوجهات والاعمار يقول quot; يجب ان يفوز المالكي quot;!؟، وفعلا جرت الانتخابات بصورة رائعة ومميزة وصحت التوقعات وفاز المالكي بتسعة محافظات من مجموع 14 محافظة اشتركت بهذه الانتخابات من ضمنها بغداد العاصمة. قد لايكون فوز المالكي بشكل حاسم وبنسبة كبيرة تسمح له بالهيمنة الكاملة على تلك المجالس، ولكن هذه الحقيقة لاتنفي حقيقة اكبر ان ثقل المالكي اصبح اكثر وقع وتاثير في تلك المجالس وايضا حقيقة اخرى اثبتتها نتائج هذه الممارسة الديمقراطية التاريخية في العراق الجديد ان اي من علامات الديكتاتورية والتسلط والانفراد التي يريد البعض الصاقها بالمالكي، انما هي اتهامات لاتعدوا اكثر من كونها سياسية وغير واقعية واحيان كثيرة مغرضة بل وفي احيان كثيرة وهذا هو الاهم (هي معركة الدولة مقابل اللا دولة ).

فالسيد رئيس حكومة العراق وجد امامه وفي مراحل متقدمة من تسلمة لمنصبه تحديات كبيرة ومتعددة وايضا متناقضة قد تبدأ بالارهاب والمشاكل الطائفية ولاتنتهي عند حدود تدخل دول الجوار وايضا طرق التعامل مع قوات اجنبية موجودة على ارض العراق بحكم الامر الواقع، بل وحتى انشطار حزب الدعوة الذي ينتمي اليه نفسه الى جزء اخر يخالفه التوجه والافكار والاجندات. لذلك المهمة لم تكن سهلة امام الرجل اطلاقا، وان مثل هكذا فوز هو ليس سهلا وايضا لايخرج عن خانة التميز والروح العراقية الواضحة التي يتمتع السيد المالكي. من باب المصادفات المميزة ايضا كنت قد التقيت السيد رئيس حكومة العراق ثلاث مرات خلال الشهر المنصرم وخلال اسبوع واحد. اللقاء الاول كان مع مجموعة اعلاميين عراقيين والاخر بعد يومين مع مجموعة من الكفاءات العراقية اما اللقاء الثالث بعد يومين ايضا كان لقاء شخصي في مكتبه الرسمي ولم يكن غيرنا في تلك الغرفة. كنت حريصا في هذا اللقاء ان استمع منه اكثر مما اتكلم quot; كطريقة من نوع الاستكشاف المباشر بعيدا عن عدسات التلفاز والتصريحات الرسمية quot;. وكان السيد المالكي عائدا من زيارته الى تركيا قبل ساعات وقد أخذ اطراف الحديث معي عن تلك الزيارة وتشعب الحديث الى امور دولية واقليمية وحتى امورعراقية محلية متعددة ومتشعبة واحيان كثيرة متناقضة بل واكثر من ذلك الى امور حزبية. وبعد هذا الحديث الاستكشافي الطويل والمتنوع والممتع. وجدت نفسي خرجت من رئيس حكومة العراق المنتخب الاستاذ المالكي ( للامانة الاخلاقية والمهنية غير مخول بنقل الاراء و تفاصيل الحديث الذي جرى )، لكني اود التركيز على نقطة في غاية الاهمية وهي اني لم اسمع منه كلمة او مفردة واحدة خارج حدود الوطنية العراقية العالية او خارج حدود الروحية العراقية الانسانية الجميلة التي تنظر الى كل العراقيين بعين واحدة وقلب واحد وضمير منصف وسلوك معتدل ومسؤول. واقول مسؤول لاني في نفس ذلك الاسبوع كنت قد قابلت بعض الواجهات السياسية العراقية البارزة في عراق اليوم وايضا بعض الوزراء وبعض رؤوساء القوائم البرلمانية واعضاء البرلمان واقولها بصراحة كانوا هولاء ينتمون الى كل الطوائف وكل القوميات وبصراحة اكثر جميعهم كان يبدي حديثه وينهيه بنفس طائفي واضح او بين السطور حتى وان كان يلبس حديثة ثوب quot; الوطنية العراقية quot; الاماندر من بعض الاشخاص الذين يشار لهم بالتميز والاحترام.

العراق في وضعه الجديد الحالي بحاجة قوية الى رجل قوي وجريء يكون نتاج عملية ديمقراطية وتكون ادواته الدستور والقانون وبذات الوقت يعمل على بناء دولة هي اصلا بحاجة الى حوافز كثيرة وجهد كبير لغرض نهوضها من بين الركام المتراكم منذ عقود طويلة وستكون مثل هذه العملية وفي ظروف عادية بالغة الصعوبة، فكيف اذا كانت الظروف اصلا متشعبة ومتناقضة ومتداخلة بشكل يفوق كل تصور وكل القياسات السياسية المتعارف عليها في كل دول العالم.

اعتقد ان السيد المالكي هو الابرز في الساحة العراقية quot; على الاقل في الوقت الحالي quot; من يتسم بهذه الصفات ويسجل له بفخر واعتزاز عراقي اقدامه البطولي على توقيع وتنفيذ قرار القضاء العراقي باعدام الديكتاتور الساقط يوم هرب الكثيرين ممن هم بموقع المسؤولية من بغداد ومن مكاتبهم الرسمية بل ان بعضهم اقفل حتى هواتفه الرسمية والخاصة. كما يسجل للمالكي مواجهته لكل العصابات وايضا قضائه وبنسب كبيرة ومتقدمة على الارهاب الدموي في العراق بل وبصمت وبحلم كبير عمل هذا الرجل على تطهير الاجهزة الامنية والعسكرية من كل علامات الطائفية. وايضا منذ فترة يقاوم وبشدة كل الخطوات والافعال والتصريحات التي يقوم بها البعض لاجل تفتيت قوة الدولة العراقية التي يجب ان تكون بصورة واضحة من خلال فك الاشتباك الحاصل في طريقة فهم الفيدرالية ضمن الدولة العراقية الواحدة.

نعم قد لانتفق مع تلك الخطوة او هذه مع رئيس حكومة العراق ولكننا نتفق بكثير من الامور الجوهرية والاساسية التي يقوم بها والتي يحتاجها العراق كبلد وبقوة. اليوم قائمة السيد المالكي تتصدر كل القوائم الاخرى وبشكل بارز يدعوا للاعجاب اولا لفهم ووعي العراقيين وثانيا لطريقة اداراته لامور البلاد. وهذا يضيف اعباء اخرى اضافية على رئيس الحكومة حيث يجب ان تبرز التغيرات في الاداء والخدمات والاعمار والبناء خلال الاشهر القليلة المقبلة، وتبقى مسالة ومشكلة الفساد الاداري هي التحدي القادم والابرز امام السيد المالكي والذي يجب ان يكون صوته وموقفه واضحا جدا في هذا الملف المدمر خلال الفترة القادمة بعد ان استتب الامن بصورة واضحة وجيدة.

انتظرت دولة رئيس الوزراء خمسة دقائق في غرفة الاستقبال الرئيسية في رئاسة الوزراء. وكنت اتكلم جانبا مع احد الوزراء ولم اشعر الا بصوت رئيس الحكومة العراقية وهو يسال عني ولم يمهلني الرجل الوقت الكافي لكي اتقدم اليه بل بكل تواضع فريد وأدب شديد دخل رئيس حكومة العراق الى غرفة الانتظار وتقدم لي خمسة امتار ليبادرني بسلام حار وتبادل معي القبلات دون ان يعطني quot; كتفه او يقدم يديه لتقبيلها quot; كما يفعل حكام التوريث و انقلابات الليل والبيان رقم واحد، ثم اخذني معه الى مكتبه واول سؤال بادرني به عن احوال العراقيين في الخارج وحتى تفاصيل اخرى كثيرة. حينها زاد وترسخ يقيني ان العراق بخير رغم كل المصاعب التي تحيط به. واذكر هذه التفاصيل مقابل تفاصيل اخرى حيث اتصل بي بنفس الاسبوع احد الواجهات السياسية البارزة في العراق ومن منافسي السيد المالكي في الانتخابات طالبا مني نصا quot; التفضل الى مكتبه لمواجهته quot; وحين ذهبت في اليوم التالي حسب الموعد انتظرت ساعتين اخبروني خلالها ان quot; السيد المسؤول quot; في اجتماع مهم مع احد السفراء المهمين، وبعد انقضاء الساعتين وخروج ذلك السفير جاء احد الموظفين الصغار في المكتب وخبرني بان السيد يسلم ويقول quot; سيذهب لتناول الغداء وبعدها يتفرغ لمقابلتي quot; فماكان مني الا ان انسحبت.

وفي مساء نفس اليوم اتصل بي مدير مكتب المسؤول هذا وهو يخبرني برغبة سيده بالكلام معي فطلبت منه تحويل الخط وما ان سمعت صوت السيد المسؤول الا طلبت من شاب صغير يجلس بجانبي عمرة لايصل الى 15 عام التكلم مع السيد المسؤول واخباره بشكل مباشر quot; بانني اتناول عشائي الان وعليه الاتصال بعد ذلك اذا رغب quot; وقد فعلها الشاب الصغير دون ان يعرف انه يحدث احد ابرز وجوه السياسة العراقية الجديدة. حينها ذهبت الى فراشي وانا مرتاح الضمير واردد مثل مايررد الشارع العراقي quot; يجب ان يفوز المالكي quot; وقد خسر السيد المسؤول وتراجعت حصصه في المجالس المحلية وفاز دولة رئيس الورزاء السيد المالكي لانه الاقرب للناس من غيره ولانه يحترم نفسه ويحترم كل العراقيين... وصدقوا العراقيين في حدسهم وفي قرائتهم للامور وايضا في اختيارهم للافضل.. ولو كانت هذه المقالة كتبت قبل الانتخابات لبرز quot; الناعقين quot; وقالوا هذه دعاية انتخابية. و لكن للحديث بقية ولم ينته....

محمد الوادي
[email protected]