بالرغم من سياسة quot;اليد الممدودةquot;، والمعتمدة حاليا من قبل الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إيران، وبالرغم من اعتبار البعض أن الوقت ما زال مبكرا لتقييم نتائجها بالنسبة للازمة الإيرانية، لا يبدو أن هناك في الأفق بوادر حلول على مستوى هذه الأزمة، العالقة والموروثة من الإدارة الأميركية السابقة. والإنفراجات المنتظرة على مستوى هذا الملف، وعلى سواه من الملفات الشرق أوسطية، كان قد ركز عليها الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية، وشكلت إحدى العوامل الرئيسية التي ساهمت في وصوله إلى البيت الأبيض. وعدم ظهور هذه البوادر بانت عبر جملة المواقف الفاترة أو الضبابية غير المتحمسة، والتي صدرت على لسان المسئولين الإيرانيين في الآونة الأخيرة. وقد يجوز القول وبعد مراجعة تصريحات رئيسي الجمهورية أحمدي نجاد والمجلس علي لاريجاني، بأن مواقفهما التي تتسم بالفوقية، والاستعلاء، وترشح منها الرغبة بتلقين الدروس وإملاء النصائح فيما خص quot;ما يجب أو لا يجب فعله.....quot; في ممارسة السياسية بشكل عام، وفي التعاطي مع إيران بشكل خاص، إنما تهدف في الواقع إلى إحباط الحماس الدافع لهذه المبادرة، وصولاً إلى حشرها في آخر المطاف في خانة اليأس والقنط.


وقد لا يكون مستغرباً وفي ظل مواقف الإدارة الأميركية المزمعة على اعتماد الليونة والانفتاح تجاه النظام الإيراني، أن تقابلها إسرائيل بإنتاج سلطة تشريعية تتميز بالتطرف اليميني الحاد. وبشكل يناقض تقديرات بعض المراقبين الذين اعتبروا أن هذه النتائج سوف تربك الإدارة الأميركية الجديدة، كونها تؤكد على التشدد في وقت تمهد الإدارة الجديدة لقيام مرحلة الاعتدال والحوار، يمكن اعتبار نتائج الانتخابات الاسرائيلية مؤشر لتصعيد في مستوى النفور والاستنفار بين إسرائيل وإيران في المرحلة المقبلة. وحتى يظل هذا التطرف بمثابة سيف ديمقليس، مسلطا فوق رأس النظام في إيران، من أجل المحافظة على خيار الضربة العسكرية في حال لم تؤدي لغة الحوار وسياسة الاعتدال واليد الممدودة، إلى النتائج المرجوة. بمعنى آخر وضمن هذا المنطق يمكن اعتبار نتائج الانتخابات الاسرائيلية تخدم مشروع أوباما، من ناحية أن التطرف الذي إستولدته هذه الانتخابات يندرج ضمن الإستراتيجية الأميركية الشرق أوسطية الجديدة، عن طريق تقديمها للحلول العنفية البديلة لسياسة الانفتاح والليونة.


أما فيما خص الأسباب التي تكمن وراء احتمال فشل مبادرة التقرب الأميركية من طهران، فهي تتمحور حول ما أجمعت عليه وساءل الإعلام الغربية، واعتبرته أخطار مترتبة على انجرار النظام الإيراني للتنسيق مع quot;أمريكاquot; العدو التقليدي. ومنها أن سياسة quot;اليد الممدودةquot; تشكل فخاً لنظام الملالي، كونها تسحب من يد هؤلاء أهم مرتكزات الثورة والتي تجسد quot;الشيطان الاكبرquot; في الولايات المتحدة. وكما لكل ثورة شيطانها أو شياطينها، فللثورة الإسلامية شيطانها، وهو الولايات المتحدة. وفي انهيار هذا المفهوم تنعدم أحدى مقومات وجود الجمهورية الإسلامية الأساسية. فهل تمد الجمهورية الاسلامية يداً لمصافحة اليد الأميركية الممدودة باتجاهها، وتكون بهذه المبادرة تلغي أهم مرتكزات وجودها...... وتنتحر؟ لأنه في غياب quot;الشيطانquot; والتجييش حول أخطاره، قد تتجه الشعوب للتفتيش عن شيطان آخر تصب عليه عارم غضبها، والناتج عن تفاقم الحرمان، وفقدان أبسط مقومات الحياة، كما يحدث في كل الثورات حين ينقلب الشعب على أقطاب الثورة، وكما حدث بعد الثورة الفرنسية والثورة البولشفية. وحينها تكون السلطة الدينية المتشددة القائمة هي المستهدفة، وتلك مغامرة يعمل أرباب السلطة من ملالي وتوابعهم في إيران، على تفاديها بكل ما أوتي لهم من حنكة ودهاء، من أجل المحافظة على المكتسبات السياسية والمادية.


لذا وفي سياق الهروب إلى الأمام ولتحاشي مد اليد مقابل اليد الأميركية الممدودة، والوقوع في هذه المطبة المميتة، عمدت السلطة المقررة في إيران على استبدال المحاور أحمدي نجاد العالي النبرة، وعلى أقله في المرحلة القائمة، برئيس البرلمان علي لاريجاني المحاور المحنك والأكثر اعتدالاً. وهي مبادرة لا تخلو من الدهاء، لأنه اذا كان نجاد شاطر في الهجوم فعلي لاريجاني بارع في المناورة. وقد يكون تسليمه مهمة التحاور مع الإدارة الأميركية الجديدة من باب التكتيك الذكي من منطلق بوادر تبيان حسن النوايا الإيرانية تجاه المجتمع الدولي وليس من باب إزاحة أحمدي نجاد عن الساحة. ولاريجاني وللأسباب التي ذكرنا والتي تستبعد تحويل الولايات المتحدة إلى صديق جديد، ليس على أهبة تعبيد الطريق من أجل إقامة أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة.


وكصدى لكلام الرئيس أحمدي نجاد الذي أكال التهم للإدارة الأميركية محملاً إياها تبعات سياسة إدارة بوش السابقة، ومستعيداً تاريخ تصرف الولايات المتحدة مع إيران منذ بداية الثورة، فأنبها على ما اعتبره دعما أميركيا للعراق في حرب الثماني سنين، وصولاً إلى مطالبته الرئيس أوباما بتقديم الاعتذار للشعب الإيراني، مذكراً إياه بمبدأ أن الكلام شيء والتصرف شيء آخر، وبأن الولايات المتحدة والتي لها تاريخ من العداء تجاه إيران عليها أن تبادر إلى تصرفات مغايرة تنبئ عن حسن نواياها تجاه إيران........، أكمل علي لاريجاني بدعوة وجهها إلى الرئيس الأميركي أوباما داعياً إياه إلى اعتماد لعبة الشطرنج بدل لعبة الملاكمة. وفي وقت لم نرى حتى الساعة الرئيس أوباما يمارس رياضة الملاكمة من المهم التذكير بأن لعبة الشطرنج هي لعبة تأخذ وقتا غير محدود، ولعبة طالما سعت إيران لمارستها خلال السنوات الماضية مع وكلاء الطاقة الذرية ومع مجلس الأمن ومع المجتمع الدولي بشكل عام، وأدت إلى تطويل أمد ألأزمة ومكنت إيران من تطوير برنامجها النووي بشكل بات من المتعذر والمستحيل على مراقبي الوكالة العالمية للطاقة الذرية، معرفة كم هو عدد المفاعلات النووية الخفية وأين تتواجد وتنمو وتتطور هذه المراكز.


والسؤال هو إلى أي مدى يمكن للإدارة الأميركية أن تتنازل وتعطى من مخزونها السياسي ذو الطابع التفاوضي السلمي قبل أن تفقد صبرها؟


مهى عون