من داخل إسرائيل

اتهمت حكومة نتنياهو ( الثلاثاء 5 مايو ) أمين عام الأمم المتحدة بأن التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن حول ممارسات قواتها المسلحة خلال حملتها العسكرية ضد قطاع غزة بأنه quot; غير منصف وغير متوازن ويفتقد لمصداقية quot; لأنه يحملها مسئولية quot; عدد من الانتهاكات الخطيرة التي نجم عنها استهداف موظفين مدنيين ومؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة quot;.. وقالت صحيفة يديعوت أن كافة المستويات الرسمية والشعبية ستمارس ضغوطا مكثفة لوقف أية تداعيات تنجم عن التقرير، الذي وصفه دبلوماسي أمريكي بأنه quot; يمثل خطراً غير مسبوق بالنسبة لإسرائيل quot;..

قبل نحو أسبوعين نفت التحقيقات الخمسة التي عرضها الجيش الإسرائيلي علي وسائل الإعلام بشدة أن تكون وحداته المقاتلة قد استخدمت الفسفور الأبيض ضد سكان غزة إبان حربها الظالمة ضدهم ( 27 ديسمبر 2008 ndash; 17 يناير 2009 ) مؤكدة أنها أطلقت سحباته فقط للتمويه، مما ألقي بظلال كثيفة علي مهمة التحقيق هذه ( تواصلت لنحو ثلاثة أشهر ) التي لم تفلح في توفير قناعات quot; براءة قوات الجيش الفورية quot; من التهم التي أشرف علي تقصي حقائقها النائب العسكري العام للجيش الإسرائيلي..

أكدت صحيفة التايمز اللندنية، التي كانت أول من لفت أنظار المراقبون في العالم كله إلي استخدام القوات الإسرائيلية لتلك المادة المحرمة دولياً، أن الضجة التي أثارتها تقاريرها في الأسبوع الأول من يناير الماضي دفعت قادة الجيش الإسرائيلي إلي الإسراع بسحب quot; الذخائر المحرمة quot; من ترسانته المصاحبة للمقاتلين.. في حين صرح قادة ألوية لصحيفة هآرتس بأن سياسة فتح النيران كان مبالغاً فيها، كما كان استخدام الدخان الأبيض للتمويه متجاوزا للحاجة !! لهذا السبب طالب عاموس هرئيل في مقال نشره يوم 23 ابريل الماضي في نفس الصحيفة quot; باستقصاء جماهيري أوسع وأعمق بعيداً عن مقولة لم يكن لدينا بديل آخر quot;..

الصور والتعليقات التي تناقلتها وسائل الإعلام وتقارير المراقبون الدوليون والمنظمات العالمية أشارت إلي مقتل مئات من المدنيين.. وإلي ارتكاب أخطاء كانت نتائجها كارثية.. وإلي تضاعف أعداد القتلى والمصابين بين النساء والأطفال والشيوخ..

تحليلات المتخصصين الغربيين تشير بأصابع الاتهام إلي quot; طبيعة الوسائل التي استخدمتها القوات الإسرائيلية المحاربة quot;.. وسائل الردع التي نسب اغلبها إلي سلاح الجو.. وإلي نيران الدبابات الكثيفة وقنابل الهاون شديدة الانفجار التي أطلقت داخل أماكن مكتظة بالسكان مما أدي إلي هدم عشرات المنازل فوق رؤوس القاطنين فيها..

إسرائيل أغاظها أن تبريرات القيادة العسكرية الإسرائيلية فشلت في إقناع الإعلاميون بالأسباب الواهية التي قالوا أنها تقف وراء الارتفاع الخيالي في أعداد البنايات التي quot; سويت بالأرض quot;، كما فشلت في عرض الدلائل التي تبرهن علي الحرص علي عدم استهداف المدنيين quot; كلما كان ذلك ممكناً quot; لأنه لم يكن ممكنا علي طول الخط بسبب تعريف القيادتين السياسية والعسكرية لكل مواطن في القطاع بأنه quot; مخرب quot;..

قالت إذاعة راديو الجيش الإسرائيلي quot; ممثلو الصحافة الأجنبية ndash; علي الأقل ndash; ممن رأوا عن كثب الدمار والقتل الذي تعرض له قطاع غزة وسكانه لم يتأثروا بما جاء في التقارير التي حاولت أن تفرض رؤية الجيش للأحداث التي تابعوها ميدانياً quot;، لأنها كانت تركز في المقام الأول علي نفي الادعاءات التي عرضتها منظمة حماس وأكدتها تقارير الأمم المتحدة..

الجدير بالملاحظة أن بعض قادة الرأي في داخل إسرائيل لم يَعف بعضاً من كُتابها من مسئولية نشر quot; القاذورات والكراهية والمعلومات المزيفة عن إسرائيل quot;، والتي تتحول إلي مادة خصبة تقوم ببثها شبكات الأخبار العالمية..

أليس من قبيل البرهنة الذاتية علي عنصرية إسرائيل وافتقادها لحجية نفي الحقائق التي تناقلها العالم كله ndash; علي الهواء مباشرة - أن يدعي قادة الرأي بها أن كل المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية والدولية حول حرب قواتها المسلحة في غزة كانت quot; مزيفة وكريهة ومغلوطة quot;.. لذلك لاحظ الكثيرون أن العالم الحر الذي لم يتهم أي من أبناء الشعب الفلسطيني وعلي رأسهم كوادر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بأنهم يقومون بعملية quot; قتل أهوج للمدنيين quot;، لم يوافق هؤلاء القادة أن التحقيق الذي أجراه جيشهم quot; كان جريئاً وقوياً وواضحاً ولم تنقصه الاعترافات ولا البيانات quot;..

رموز هذا العالم وكبار مفكريه لا يوافقون الكاتب بن كاسبيت علي قوله بصحيفة معاريف يوم 24 إبريل الماضي أن الجيش الإسرائيلي هو quot; الأكثر لطفاً ورقةً بين جيوش العالم quot; عندما عقد مقارنة بينه وبين الجيش الأمريكي الذي قال أنه quot; أزال قري بأكلمها في العراق وفي أفغانستان quot;، لأن الجيشان تضعهما منظمات حقوق الإنسان في نفس المستوي من حيث إهدارهما لحقوق البشر وعدم مراعاتهما لأخلاقيات الحروب وافتقادهما للشعور الإنساني في كافة تعاملاتهما مع الأبرياء والمدنيين خاصة الشيوخ والأطفال والنساء..

الدكتور حسن عبد ربه المصري

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]