العازفون على وتر الثأر العراقي من الكويت، وعلى نغمة إعادة الفرع إلى الأصل، ثلاثة: مخلص ولكن متهور وجاهل يسهل توريطه في الحقد العنصري المتخلف، أو مغرض يعمل وفق منافع خاصة سياسية انتخابية أو تنفيذا لأوامر قوى خارجية يهمها تعميق الشرخ بين العراقيين والكويتيين وإضافة جراح جديدة إلى الجراح التي خلفها قادة عراقيون وكويتيون سابقون عن سابق تصميم وترصد، أو انتهازي منتفع لا يصطاد إلا إذا ازدادت المياه بين الشعبين وساخة.

وسواء كانت حملات الردح الأخيرة مجرد مباريات دعائية انتخابية بين أعوان المالكي ومنافسيه تستبق الانتخابات القادمة فتعمد إلى دغدغة عواطف البسطاء الطائفية والعنصرية وتتاجر بها، أم كانت توجهات جدية مرسومة ومقصودة لأهداف أبعد من مسألة التعويضات والديون والبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فهي مرفوضة من أساسها، بمقاييس عراقية داخلية قبل أن تكون خارجية تخص أسوب إدارة العلاقة بين العراق الجديد ودول العالم الأخرى، كبيرة كانت أم صغيرة.

ولأننا عراقيون، كنا معارضين لنظام الديكتاتور الراحل، يملؤنا الحزن الشديد حين نكتشف، بعد سبع سنوات من زوال الديكتاتور وعنتريات أنصاره، أن رفاقنا، معارضيه السابقين وحكامنا اليوم، خدعونا واستخدموا معنا أخبث أنواع التقية. فبعد أن تربعوا على عرشه، أثبتوا لنا أنهم لا يقلون عنه طائفية وعنصرية وعدوانية واستهتارا بالمصالح الوطنية العراقية العليا.

فما دار ويدور في مجلس نواب المحاصصة يعيد على أسماعنا تلك الاسطوانة المشروخة الكريهة عن الكويت، التي ذاق العراقيون، أكثر من الكويتيين، طعمها المر من قبل. ورغم سقوط أصحابها إلا أن أهلنا ما زالوا يشربون سمومها إلى هذه الساعة. مع قناعتنا الأكيدة، كعراقيين، بأن مكاسب العراق من التقارب السياسي والاقتصادي والثقافي مع دول الخليج العربية أهم وأكبر ألف مرة من الارتهان لإيران والتورط في صراعاتها الدولية والإقليمية العبثية الخاسرة في النهاية.

فلا يجهل أبسط المواطنين، قبل السياسيين والمثقفين، أن الكويت تظن أنها إذا تمسكت بأوراق التعويضات والديون المستحقة، قبل إخراج العراق من أحكام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ستحصل على الضمانات الثابتة والنهائية التي تريدها لتطمئن شعبها على أمنه وتضمن حماية أجياله القادمة من شقيقها الشمالي الذي خبرت قسوته وذاقت مرارة جيرته، على مدى نصف قرن أو يزيد.
وسواء اتفقنا مع هذه القناعة أم لم نتفق فإن استخدام لغة التهديد والشتيمة لمواجهة التعنت الكويتي يقود إلى إثارة مسألة في غاية الخطورة، حتى لو نفعت نصيحة السيد السيستاني وتمت لفلفة القضية وأعيدت إلى أروقة وزارتي خارجية البلدين لتسويتها وراء الأبواب المغلقة.

فقبل أن يطالب أعوان المالكي ومنافسوه السنة حكومة الكويت برمي أوراقها في سلال الزبالة عليهم أن يسالوا أنفسهم هل قدموا للشعب الكويتي، منذ وراثتهم لأسلاب الراحلين الأشاوس وإلى اليوم، ولو من باب الكلام الفاضي في فضائياتهم وإذاعاتهم ومواقعهم الالكترونية، ما يداوي جروحه ويشفي غليله، وهم الذين وصلوا إلى ما هم فيه اليوم من أمجاد وأموال ومليشيات ومستشارين ومستشارات بفضل الغزو الأمريكي ذاته الذي يطالبون الكويت، وليس أمريكا، بدفع غرامة عما سببه لهم من أضرار، وما أفدحها من أضرار؟!!.

كان أملنا، ونحن نعارض صدام حسين، أن نسقط نظامه ونقيم على أنقاضه دولة العدل والعقل والحوار والوسطية، بدل دولة الظلم والجنون والبلطجة والتطرف والعنجهية. لكن فرسان المحاصصة الطائفية الفاسدة يصبون زيتا على نار قديمة، بدل أن يطمئنوا الشعب الكويتي، ومن ورائه باقي الشعوب الخليجية الآخرى، قبل حكوماتها، ويثبتوا لهم، ولنا أيضا، أنهم طووا، قولا وفعلا وإلى الأبد، تلك العقلية المتخلفة التي تتغنى بأمجاد الأمس، والتي تصر على أن تعيد خارطة الكون القديمة إلى سابق عهدها، بالنار والحديد، لا بالحوار والمودة والمصالح المتبادلة والتعاون الإنساني المتحضر النزيه.

فالأحرى بالذين ذاقوا مرارة الظلم ألا يظلموا، وبمن عرفوا التهجير ألا يهددوا به، وبمن شهدوا المقابر الجماعية ألا يعدوا غيرهم بها.
وأغلب الظن أن الكويتيين أكثر من العراقيين رغبة في طي ذلك الماضي الأسود الكريه، وفتح صفحة جديدة نقية ونزيهة مع العراق، شقيقهم وجارهم الكبير. ولكن، حين يرون المالكي ومحاصصيه يرغون ويزبدون ويسنون سيوفهم وخناجرهم، وهم في ضعفهم الحالي وتمزق صفوفهم وخواء دولتهم وفساد وزرائهم وتناحر أحزابهم وتضارب مصالحهم، ألا يعودون إلى الوراء، ويسندوا ظهورهم إلى جدار الأمم المتحدة والتعويضات والديون، ويتساءلون عما سيفعله هؤلاء المجانين غدا لو انفردوا بالسلطة، مثلما يهدد المالكي، وبلغت جيوشهم قوة جيوش صدام حسين، وفاض بهم الشوق والحنين إلى الكويت، كما فاض بأسلافهم الراحلين؟

و بالرغم من معرفتنا الأكيدة بأن كل ما قيل وما سوف يقال في المنطقة الخضراء وغيرها ليس أكثر من فقاعات هوائية فارغة لأن أحدا من فرسان المحاصصة لن يستطيع تحريك فأرة واحدة باتجاه الكويت، إلا أننا، نحن العراقيين غير المتحاصصين، أكثر خوفا من الكويتيين من أن تصبح لغة الشتائم سمة العراق الجديد، بدل الحوار والتفاهم واحترام الرأي الآخر. لأننا نعرف أن سياسة العضلات لن تجلب لأهلنا في العراق، قبل غيرهم، سوى مزيد من العزل والضياع والتمزق وخراب البيوت.

المنطق الوحيد الذي نريد من رفاقنا حكام العراق اليوم أن يلجأوا إليه ويسنوه قانونا لهم ولدولتنا الجديدة هو منطق العقل والحكمة مع الآخرين. فبغيره لن نستطيع أن نقنع الكويت بأن ما يؤمن حاجتها إلى الأمن والاطمئنان هو مزيد من تبادل المنافع بين البلدين والشعبين الشقيقين وليس بمزيد من التوجس والتعنت والاستفزاز. وعلى قدر سعة شرائح المواطنين المستفيدين من تلك المصالح المتبادلة سيكون حجم الضمان الواثق والأكيد لأمن الطرفين، وصيانة مستقبل أجيالهما القادمة. هذا وحدههو الطريق، وليس هناك غيره. ولو كره الكارهون.

إبراهيم الزبيدي