ارتفعت في الاسابيع الأخيرة وتيرة الترويج لفكرة الوطن البديل والخيار الأردني ليس فقط اسرائيليا بل حتى فلسطينيا من قبل سياسيين فلسطينيين عازمين على خلط الأوراق وخلق جو من الارتباك والتشويش دون ان يدركوا انهم يروجوا للمشروع الصهيوني الذي يرفض الاعتراف بحقوق الفلسطينيين على ارضهم التاريخية وعلى ارضهم المحتلة منذ عام 1967.
ومؤخرا صّوت 53 عضو في الكنيسيت الاسرائيلي على مشروع قرار يقضي باعتبار الأردن الوطن الرسمي البديل للفلسطينين. المصادر الرسمية الاسرائيلية تقول ان هذا التصويت لا يمثل سياسة حكومية رسمية بل وجهة نظر برلمانية. ومهما كان التفسير الاسرائيلي تعتبر هذه الخطوة سابقة احادية خطيرة ويجب التصدي لها بقوة. ونتساءل هل قامت اسرائيل باستشارة الأردن في ذلك؟
الرد الأردني السريع والحاسم
جاء الرد الأردني سريعا وحاسما وواضحا حيث قال العاهل الأردني في مقابلة مع وكالة الانباء الفرنسية السبت 16 ايار 2009 quot;لا يوجد في قاموسنا شيء اسمه الوطن البديلquot;
وعلى ضؤ هذا التطور استدعى وزير الخارجية الأردني ناصر جودة السفير الاسرائيلي في عمان وعبر اثناء اللقاء عن رفض الأردن لهذا المشروع وطالب بالغاءه وسحبه من التداول في اروقة الكنيسيت.
كما طالب برلمانيين اردنيين بالغاء معاهدة السلام مع اسرائيل وطرد السفير الاسرائيلي من عمان.
وفي أكثر من مناسبة رفض العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فكرة الكونفدرالية الا بعد ان يتم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة وبعد ذلك يمكن فتح المفاوضات بين دولتين مستقلتين حول شكل العلاقة ونوع الارتباط وبموافقة الطرفين.
وكرر العاهل الأردني رفضه لهذه الأفكار التآمرية في العديد من المناسبات حيث عبر بوضوح عن الموقف الأردني في يناير كانون الثاني 2004 عندما قال بالحرف الواحد امام حشد من الضباط يمثلون 14 دولة عربية واجنبية في كلية الدفاع الوطني الملكية quot;الأردن لن تكن وطنا بديلاquot;.
واضاف معلقا على موضوع الكونفدرالية quot; سوف لا يكون هناك اي حديث عن هذا الموضوع حتى يتم تأسيس دولة فلسطينية ويبدي الشعبان ألأردني والفلسطيني الرغبة في تحالف كونفدراليquot;. هذا كان قبل خمس سنوات والوضع لم يتغير بل على العكس الأردن الآن أكثر اصرارا وتشددا في رفض هذه الأفكار.
الوطن البديل يهدد المشروع الوطني الفلسطيني
هناك اجماع دولي انه لا بديل لحل الدولتين وهذا ما اعلنه الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما في خطابه الشهير في القاهرة قبل ايام.
اسرائيل تحاول جاهدة لاقناع الادارة الأميركية ان الأردن هي الوطن التاريخي والجغرافي للفلسطينين. هذه السياسة الاسرائيلية ليست جديدة وحاولت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تسويقها والترويج لها من بيغن الى شارون والآن نتينياهو. اذا لماذا يتطوع البعض لمساعدة اسرائيل في مساعيها التآمرية ضد الأردنيين والفلسطنيين على السواء؟.
تزوير التاريخ والجغرافيا وخلط الأوراق هي سياسة اسرائيلية منهجية معتمدة ومتوقعة ولكن ما هو غير متوقع هو ان يأتي ساسة فلسطينيون لترويج هذه الفكرة ومساعدة اسرائيل عن غير قصد او عن غباء في اثارة هذا الموضوع في هذه الفترة الحرجة. اسرائيل محاصرة الآن سياسيا عالميا واميركيا وتتعرض لضغوط مكثفة لايقاف الاستيطان وقبول مبدأ حل الدولتين. وفي وسط هذه المعمعة التي تقلق وتزعج اسرائيل تظهر اصوات هنا وهناك لترويج فكرة الوطن البديل التي هي في الأساس فكرة صهيونية. المروجون لفكرة الوطن البديل لا يخدموا المشروع الوطني الفلسطيني بل يتنازلوا مسبقا عن الهدف والحلم الفلسطيني وهو تأسيس دولة فلسطينية في الضفة والقطاع عاصمتها القدس. فان طرح مشروع الخيار الأردني هو التخلي الكامل عن المشروع القومي الفلسطيني وتقديم تنازلات تاريخية وجغرافية لم تستطع اسرائيل تحقيقها بقوة السلاح منذ تأسيسها.
الموقف الأردني واضح تماما
وحسب قراءاتي ومتابعاتي استطيع ان الخص الموقف الأردني بالكالمات التالية:
الأردن يرفض جملة وتفصيلا اي حديث عن مشروع quot;الوطن البديلquot; الذي هو اختراع اسرائيلي صهيوني ومؤامرة على الأردن والفلسطينين معا. الأردن يرفض ايضا فكرة الفيدرالية والكونفدرالية وعبر عن ذلك جلالة الملك عبدالله الثاني عندما قال quot;هذا موضوع لا يمكن البحث فيه الا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفقط بعد الانسحاب الاسرائيلي والاستقلال الفلسطيني يمكن الحديث عن هذا الموضوع في اطار الأخوة والمصالح المشتركة ولكن ليس الآن اثناء الاحتلال الاسرائيليquot;.
هذا لا يعني ان الأردن ستتخلى عن الشعب الفلسطيني. ما قدمه الأردن من تضحيات ومن اجل فلسطين لم يقدمه اي شعب او حكومة في العالم. استوعب الأردن موجات اللاجئين من فلسطين وقدم العون والاغاثة لمدة 60 عاما وحتى هذاه اللحظة لا تزال قوافل المساعدات الانسانية تذهب الى غزة بانتظام.
الدعم الأردني للقضية الفلسطينية
وفي كلمته المتلفزة التي وجهها جلالة الملك الى شعبه الأردني بمناسبة الذكرى العاشرة لتولي جلالته السلطات الدستورية مساء الثامن من حزيران قال جلالة الملك ان القضية الفلسطينية هي قضية الأردن والأردنيين مثلما هي قضية الفلسطينيين وقدمنا في سبيلها قوافل الشهداءquot; مما يؤكد ان الدعم الأردني للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية يبقى قويا وسوف يستمر.
للتذكير بالتاريخ
فكرة الوطن الواحد للشعبين الأردني والفلسطيني انتهت مع فك الارتباط بين الضفتين عام 1988 وجاء هذا القرار الحاسم نتيجة لضغوط عربية وفلسطينية ابتدأت في مؤتمر الرباط عام 1974 عندما تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن تظهر على السطح من حين لآخر فكرة الفيدرالية والكونفدرالية واحيانا ما يسمى بالخيار الأردني والوطن البديل.
ولمن لا يقدر مخاطر فكرة مشروع الوطن البديل اقول مرة اخرى:
الوطن البديل يهدد أمن الأردن القومي والهوية الأردنية.
الوطن البديل يهدد المشروع الوطني الفلسطيني
الوطن البديل يخدم اسرائيل والصهيونية العالمية
الوطن البديل كفكرة ومشروع هي خطة لتصفية القضية الفلسطينية بطريقة تجميلية
هذه المشاريع سواء كانت فيدرالية اوquot;وطن بديلquot; او خيار اردني كلها تصب في مصلحة اسرائيل وهي مشاريع تصفية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن والشعب الأردني. وما تعنيه عمليا هو تكريس الاحتلال للأراضي الفلسطينية والغاء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. لذا ليس غريبا ان الغالبية العظمى من الفلسطينيين يرفضوا فكرة quot;الوطن البديلquot; لأنهم يريدوا اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس والأردن تدعمهم في تحقيق هذه الأمنية.
نهاد اسماعيل
اعلامي عربي - لندن
التعليقات