لست بالطبع مع بقاء التعويضات التي ترهق كاهل العراق، ولست مؤيدا لإصرار الكويت على بقاء العراق تحت طائلة الفصل السابع، فهذا بالتأكيد ظلم كبير يستدعي أن يقف الجميع ضده بقوة وصلابة، مع أني كنت أتوقع ذلك بالنظر لسجل العلاقات بين البلدين الذي اتسم دائما بالمناجزة والخشونة.

ولكني أتعجب من مطالبة نواب ومسئولين عراقيين الكويت بإلغاء التعويضات على العراق، ودعوتها بعدم معارضة خروج العراق من مظلة الفصل السابع المجحفة، وهي المطالبة التي ترددت عبر أكثر من رواق أو محفل، سواء عبر أروقة مجلس النواب أو من خلال الإعلام أو سواهما، ومبعث تعجبي أن هؤلاء يتجاهلون الفساد الذي أصبحت رائحته الكريهة تزكم الأنوف وتثير الغثيان مع انه أولى بالإثارة والمعالجة، ويتغاضون كذلك عن الرواتب والامتيازات الضخمة التي يحصلون عليها بحكم وجودهم في العملية السياسية، فمقادير هذه الرواتب والامتيازات ربما تفوق كثيرا الأقساط السنوية الممنوحة للكويت لسداد التعويضات، وكان الأولى بالمسؤولين والنواب العراقيين قبل مطالبة الكويت بإسقاط التعويضات، مواجهة ظاهرة الفساد التي أصبح أمرها مخيفا وشرها كبيرا، أو العمل على تقليل الرواتب والامتيازات الهائلة التي يتقاضونها من جراء مشاركتهم في العملية السياسية، فلوا فعلوا ذلك لكان ذلك أجدى وانفع ولأصبحت مطالباتهم بإسقاط التعويضات أكثر قوة وتأثير، لأنها ستكون مدعومة بالإخلاص والنزاهة، أما وأنها تجري بهذا الشكل المجتزئ الشاذ، فلا اعتقد أن مطالبتهم ستكون مسموعة أو مؤثرة، وستبقى مجرد طنطنات يذهب أثرها مع الريح.

إذن على نواب العراق ومسؤوليه إذا كانوا جادين فعلا في مطالباتهم ويسعون حقا لمصلحة الشعب العراقي، إلى ضبط سلوكهم وتصرفاتهم، فهي دون غيرها التي تعكس هيبة الحكومة وقوتها بنظر الآخرين، ولقد شاهدنا كيف أضرت الإدارة الخاطئة للدبلوماسية العراقية بالعراق، عندما أعطت إشارات بان لدول الجوار حقوقا على العراق يجب على الأخير الإيفاء بها بفعل أخطاء نظامه السابق، وكان النظام السابق لم يكن يحكم العراق بل بلدا أخر غيره، وبدلا من أن تتبنى هذه الدبلوماسية ملفات العراق بحكم تمثيلها له، أخذت تتبنى ملفات الدول الأخرى وتصر على أن يقدم العراق تنازلات باهضة ومكلفة لدول الجوار، من اجل أن تسمح الأخيرة بتأهيل العراق من جديد وتقبل به عضوا في الأسرة الدولية والإقليمية، حيث اخذ مسؤولي العراق يتوافدون على هذه الدول في زيارات شهرية أو أسبوعية، لم يجني العراق فلسا منها بقدر ما أضاعت الكثير من هيبته وقيمته، وأفقدته الكثير من الأموال التي تم صرفها للمسؤولين، كأجور لسفراتهم المكوكية الباذخة.

إن على هؤلاء (أي النواب والمسؤولين العراقيين) أن يدركوا أن مفاتيح الحل بأيديهم، فهم قادرون على أن يعيدوا للعراق دوره وسمعته السالفة، شريطة أن يتعاملوا مع البلد بروحية المسؤول لا الخصم، ففي هذا فقط يمكن إخراج العراق من أزماته وإنهاء مشاكله وقيادته إلى بر الأمان.

فهل يعي المسؤولون ذلك؟ أم يبقوا في طنطناتهم الفارغة وغير المجدية، هذا ما ستفصح عنه الأيام بالتأكيد.

باسم محمد حبيب