تسارعتْ الأتهامات بين القوى المتناحرة في العراق بعد موجة تفجيرات 19 آب 2009 إلأرهابية الدموية. فالفئات والشراذم التي تدعم الإرهاب بأسم حركات المقاومة الأسلامية وتمولها عناصر من حزب البعث المنحل وعسكريين سابقين، مقربين من جماعة الاخوان المسلمين، لم تلزم الصمت وأنما وبأصرار شديد وكذب (وكأن الله غافل عما يبيتون) سارعتْ لتعريف الشارع العراقي والعربي بأن المهاجمين القتلة مرتبطون مع (فيلق القدس الايراني) كما نقلتها صحف عميلة تسند الأرهاب، رغم تأكيد الحكومة وأشارتها الصريحة بأن الفعل الأجرامي يرجع الى ازلام النظام السابق وعناصر القاعدة.والحقيقة المجردة، كما هي، دون ألباسها لباس الوطنية البراق وتشويه للتعاليم الدينية، أن العنصر الدموي الأغتيالي مازال يستعمل الأكاذيب والحيل وحرب الأرهاب والتخويف للألتفاف على أي مشروع لايخدم مصالح هذه الفئات المتأمرة.
لذلك أستهل كلمتي بالتأكيد على أن محاربة الأرهاب طبقاً لقانون الحرب هو العلاج الوحيد للقضاء على جذور العمل الأجرامي التخريبي (كما سأبينه لاحقاُ) بغض النظر عمن يرعاه ويأويه ويتفنن في قتل الأبرياء.
العمل الذي أرتكبته العناصر الأجرامية (مهما كانت ميولها وأهدافها)، أستهترت بحياة المواطن وشرعّتْ لنفسها قتل النفس البريئة دون حياء أو وازع ديني أو أخلاقي، وتجاوزتْ بجهلها الفطري قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ففي الوقت الذي تتفنن قوى الأجرام في نقل الارهاب الى داخل المدن العراقية وأستغلال عملائها بالمال وبالتخفي وراء الأعمال الخيرية والتبرع بالأموال في المساجد، وفي ظروف عصيبة يمر بها الناس منذ عام 2003، تُبادرُ هذه القوى العميلة بلقاء المسؤولين الأمريكين وموظفي وكالات المخابرات في الخارج (تركيا ودول عربية أخرى مؤخراً) وتتفاوض بأسم العراق لِما تعتقده (حلول مناسبة للأستقرار) وكأن العراق غنيمة ستسقط في يدها، كما تأمرتْ في أسقاط الأنظمة السابقة عام 1963 وعام 1968.
أن المجازر التي أرتكبتها هذه العصابات بحق المواطن العراقي خلال الأربعين سنة الأخيرة والأموال التي سرقتها قبل وبعد سقوط النظام الصدامي، أهلّتْ بعضهم في قيادة مجموعات لاتحمل أي تربية أخلاقية أو وطنية، وتم تعريفها وتدريبها على طرق القتل ونشر الأرهاب و تثقيفها بمبادئ لا هي حزبية ولاهي عشائرية أصيلة، وهذه القيادات تتفوق في عملها على عمل المؤسسات الأمنية العراقية في فنون العمل الأستخباراتي والرصد والتجسس والتضليل و تزييف الهويات الشخصية. كما أن لها أعوان لا تنقصهم الخبرة والمعرفة عند الشروع بالأعمال الأجرامية. ولا تتردد في الجلوس والمتاجرة والمفاوضة بكل مايتاح لها من وسائل الأتصال مع مسؤولين أمريكيين في تركيا وسوريا وعمان وفي أي مكان أخر يوصلهم للأدارة الأمريكية، بدلاً من وضع الوسائل الكفيلة بمنع السيطرة الاجنبية التي يتحدثون عنها..
في ظروف عصيبة يمر بها الوطن منذ عام 2003 ، نرى كل الصواب تطبيق برنامج (محاربة الأرهاب طبقاً لقانون الحرب) على الجميع من دون أستثناء، فهو الطريق القضائي الطارئ الذي لابد من سلوكه الآن.
ومن الضروري القيام بوقفة تقييم لآداء الأجهزة الأمنية العراقية ذات الولاء المزدوج وتقديم دراسة تخصصية للأقسام الأدارية لهذه الأجهزة وتسريح الأفراد من ذوي الولاء المزدوج خوفاً من العواقب والضرر الذي يسببونه على المدى البعيد، و لِما له من جوانب قانونية وقضائية وفنية شائكة تضر بالاستقرار الوطني.
وحسب ما توارد لي من معلومات، هناك مطالبة جدية بإجراء تعديلات هيكلية وتنظيمية واسعة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية، خاصة بعد أن تكررتْ الأختراقات الأمنية ودخول عناصر بعثية متلونة الأهداف والأغراض الى هذه الأجهزة وتخاذل القوى المسؤولة عن تطبيق قوانين حماية مؤسسات الدولة والمواطنين في القيام بواجباتها وأستمرار حوادث الأجرام والسرقة وأطلاق قذائف المورتر من مناطق تقع ضمن نطاق أمني مشمول ومُخول بواجبات الحماية ورعاية المصالح الحكومية.
وبعد أنتفاء الحاجة الى القوة الأمريكية لفرض النظام والأمن لن يكون بأمكاننا توجيه اللوم الى القيادة الأمريكية والطلب اليها وقف موجات القتل والأرهاب الذي تمارسه قوى عراقية ضد المواطنين بكل سفالة وأستهتار، فالقراءة الموضوعية الصحيحة لعمل القطاعات الأمنية توضح وجود خلل أداري أجرائي وعيوب في نوايا من يمسكون العصا الأمنية العراقية.
ولابد من توجيه صفعة تاريخية لزمر المجازر و الغدر والأرهاب والتفجير والقتل العشوائي التي يرتكبها جيل قديم من المغامرين من حملة سلاح البعث وتحالفاتهم الجديدة مع القاعدة وزعماء الأمارات الأسلامية التي تمارس الأعمال القذرة تحت أسماء مختلفة، وتكتب بمنطق الأرهاب الدموي معان التربية الوطنية للمواطن العراقي وتُخصص لأجل ذلك الأموال التي سرقوها قبل و بعد سقوط النظام الصدامي وتقود بالاموال مجموعات الأرهاب وتثقيفها على مبادئ البعث القديمة والجديدة وطرق تخويف وأرهاب الناس وألصاق نصوص التهم الكاذبة على غيرهم للتشويش وخلق الفوضى، تؤهلهم في ذلك اختصاصاتهم ومناصبهم القديمة التي خسروها وأساليبهم الأجرامية التي تعودوا عليها.
لا نستطيع أن نأمل يوماً أن يشجب الموالون للنظام البعثي العشائري السابق والعصابات المجرمة المتحالفة معهم، والجالسون منهم في صالات الفنادق والشقق الفخمة في دول عربية محيطة بالعراق، بالأعمال الأجرامية والتخريب وتفجيرات 19 آب 2009 إلأرهابية الدموية الأخيرة والتنديد بها.
وبدون وضع قانون محاربة الأرهاب طبقاً لقانون الحرب وأدخاله في صيغ الثقافة العسكرية المتحضرة ونشر تفاصيله وتعميمه على أدارات القضاء العراقي كما تعمل به دول عديدة في المنطقة، تضيع المسؤولية الأمنية والجنائية والقضائية، ويستمر فنانو القتل الجماعي في أعمالهم التخريبية، وتستمر حالة تراشق الأتهامات والتصريحات المُضلِلة الغير مسؤولة في الصحف ووسائل الأعلام ويتحول الصراع السياسي تدريجياً إلى صراع اجتماعي يخرج من نطاق القانون الى الفوضى العامة التي يبشر بها المتأمرون على العراق.
وبعد سقوط العملية السياسية ورفض السلطة للأبتزاز الأرهابي بالمشاركة الذي حاولت دول فرضه على العراق تحت مُسمى (المصالحة الوطنية)، ومحاولات الإصلاح التحالفية من أجل الأصلاح العقيم البطيئ والصعب الذي لا تتوفر فيه أي من الشروط الموضوعية لسماع أصوات أستهترت في حقوق المواطن وأستخفت بالمشاركين في العمل الوطني بأشكاله الديمقراطية الدستورية وعبرّت في مرات عديدة عدم وثوق قطاعاتها البعثية الفكر، بوعود الحكومة ذات الغالبية الشيعية والكردية، فأن العمل الوطني يتطلب تجاوز هذه الفئات وتطبيق قانون محاربة الأرهاب طبقاً لقانون الحرب، لكونها الطريقة الناجعة الوحيدة التي يفهمها قطاع طرق التقدم والأمان.
كان ملاحظاً للمتابع في السنوات الماضية الأزمة العميقة بين المثقفين الشيعة والسنة والأكراد ومحاولات كل جانب أقناع الشارع العراقي بأن الأفكار التي يرسخها الغريم للقوى الأخرى هي أفكار أجرامية علمانية ضد الدين الأسلامي،عملاً وعقيدةً، وخضوعاً بائساُ للنظام البعثي العشائري السابق، تقابلها في الجهة الأخرى الحملة التثقيفية التي تقودها مجموعات االعمل الصدامي للتسفيه بالدور الشيعي وتفسير ولائهم لأيران والمرجعيات الفارسية، وحملات البعث المتكررة ضد من أُطلق عليهم بالأنفصاليين الأكراد، الأمر الذي وَلدَ تأثيرات نفسية عميقة على الحياة الاجتماعية والسياسية واللحمة الوطنية العراقية.
لقد كان العلم والتكنولوجيا والحياة العصرية الحديثة، الجهة المستقلة الوحيدة في هذا الصراع، وقد أستفادت من أستقلاليته كل الأطراف الدينية والسياسية و القومية. وماعلينا الآن أِلا الجمع بين علوم مكافحة الأرهاب وتطبيق قانون الأرهاب على الجميع من أعلى القيادات في سُلم المسؤولية الى أسفلها دون الخضوع للأعلام الدعائي وأطلاق التصريحات ونشر الشائعات.
في كتابات عديدة، نُشِر بعضها في كتب عسكرية تثقيفية، قمتُ بالأشارة الى أهمية الألتزام والتقييد بقانون الأرهاب ودعمه لأنه قانون سلوك حضاري جديد أحتاجتْ تطبيقه دول عديدة قبلنا، ولأنه قانون يمنع الأستهتار بقيمة الأفراد وحياتهم، ولقد كان الفرد العراقي الضحية الأولى لأعمال الأرهاب والأستهتار بقيمة حياته ومعيشة أسرته، ولم تتم محاسبة الفاعل الحقيقي للجريمة على أجرامه لأسباب تتعلق بهويته السياسية القومية أو علو شأنه الأجتماعي أو الديني. فالأستقرار الأمني له جوانب الحياة الانسانية ويحمل معه صيغ أجتماعية وقيم أخلاقية، ويجب أن يشمل الجميع دون متاجرة بشعارات الوطنية والدين وتبادل التهم الرخيصة اللئيمة الغرض، أو تلك التي قد تكون مليئة بالمعلومات المدسوسة.
ورغم صعوبة الموقف الحالي، فان العراق لايمكنه العودة الى الوراء لمصالحة قوى مُجرمة بعد كل التضحيات و التكاليف والصعوبات، ولايمكن القبول بأي من عهد من عهود الديكتاتورية والقهر والاحتلال الأجنبي أو الرضوخ الى تجارب جديدة لاتُحقق للمواطن المصلحة السياسية والأجتماعية والأقتصادية والأمنية، وأنتقاله بحرية وأمان في وطنه من الشمال الى الجنوب دون قيود جديدة.
أن الدعوة لقانون (محاربة الأرهاب وفق قوانين الحرب) لايعني عدم التمسك بمعايير المعاملة اللائقة الأخلاقية والأنضباط كما أن التقييم الصحيح لأداء الأجهزة الأمنية لايعني فرض الممنوعات والتحريمات بقدر ماهو فرض النظام لِما هو مسموح والممكن للأسرة العراقية و للمجتمع المدني، وتثقيف القوى التي تُمثل الأمن وتحفظه بأنها لاتستطيع أن تحمل في عقولها وسلوكياتها (أزدواجية الولاء) أو الاستبداد العشائري الديني أوالقومي أملاً في رفع الحصار عن الفرد العراقي ليختار ويبدع ويتصرف بحرية منحتها الكتب السماوية والوضعية له.
ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.
التعليقات