مهرجانات .. ومهرجانات للسينما
قصي صالح الدرويش من باريس:يشهد العالم العربي تزايدا، بل تزاحما على صعيد المهرجانات السينمائية. فبعد مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الأول في أبو ظبي، أسدل الستار عن المهرجان الوطني التاسع للفيلم في طنجة، ليبدأ بعد ساعات مهرجان دمشق السينمائي وبعده بأيام قليلة يحل مهرجان القاهرة الدولي للسينما وبعده بثلاثة أسابيع مهرجان دبي الذي يتزامن مع مهرجان مراكش، ناهيك المهرجان السينمائي العربي الأول الذي استضافته وهران في نهاية يوليو وقبله مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان سوسة ومهرجان الإسكندرية ومهرجان طنجة الدولي للفيلم القصير ومهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي ومهرجان تطوان ومهرجان سيلا الدولي لسينما النساء أو مهرجان الدار البيضاء أو مهرجان الفيلم التسجيلي في الدوحة.
لا خلاف بشأن فائدة كثرة هذه المهرجانات، الكثرة بركة. فهي تمثل اكتشافات إبداعية فنية وتفاعلات حيوية ثقافية واقتصادية وسياحية، أو يفترض أن تكون كذلك. وكلمة مهرجان تعني وجود جماهير، أي مجموعات تتذوق الفن السابع وتريد التعرف على جديده وقديمه. ومن شأن المهرجانات أن تزيد إقبال الجمهور على السينما كفن متخصص له شروطه ومفاهيمه وقيمه المختلفة عن العروض الترفيهية التلفزيونية. في فرنسا مثلا ينظم سنويا عدد كبير من المهرجان السينمائية المختلفة، فهناك مهرجان للسينما الكوميدية وآخر للبوليسية وهناك مهرجان للسينما الفانتازية ومهرجان للسينما التاريخية أو للسينما الرومانسية او الحربية أو لسينما الحب.. و حتى للسينما الجنسية. وهناك مهرجانات مخصصة لدولة أو لمنطقة جغرافية، على غرار مهرجان دوفيل للسينما الأمريكية ومهرجان الفيلم العربي في باريس ومهرجان سينما البحر المتوسط وأمريكا اللاتينية أو السينما الهندية. وهناك مهرجان محلية دولية مثل مهرجان نانت الذي شاهدنا في أحد مواسمه تكريما للنجم الهندي راج كابور والنجمة المصرية سامية جمال أو مهرجان مونبيليية الذي كرم في أحد مواسمه السيدة فاتن حمامة. وهناك مهرجانات دولية متوسطة مثل مهرجان موسكو ومهرجان لندن ومهرجان لوكارنو ومهرجان تورنتو. وأخيرا المهرجانات الدولية الكبرى التي تعرض نخبة الأفلام الجديدة المختارة والتي تحظى بمتابعة إعلامية دولية مثل مهرجان البندقية ومهرجان برلين ومهرجان سان سيباستيان، وطبعا في المقدمة مهرجان كان الذي يتميز بسوق تجارية واسعة، إذ تستأجر شركت الإنتاج والتوزيع مكاتب لها لتسويق الأفلام التجارية. وتقدم العروض المختارة في الصالة الرئيسية بحضور مخرجي الأفلام والممثلين وكتاب السيناريو والمنتجين وشركات التوزيع، تسبقها عروض خاصة للنقاد وعشاق السينما أو للعاملين في ميدانها. باختصار حالة فنية استعراضية يتمتع بها حتى الإنسان البسيط الذي لا يجد وسيلة لدخول صالات العرض عبر مشاهدته للنجوم المعروفين يتقدمون على البساط الأحمر. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من خمسة آلاف صحافي يطلبون بطاقات اعتماد للمشاركة في المهرجان ينالها نحو أربعة آلاف منهم فقط.
وبالعودة إلى المهرجانات العربية، نقول إن مهرجان القاهرة هو التظاهرة العربية الكبرى من حيث مشاركة المخرجين والنجوم والصحافيين والمصورين، فهو يملك كافة العناصر الاحتفالية، طبعا بفضل حجم مصر وحجم إنتاجها السينمائي ولكن أيضا حجم التجربة والخبرة التي تراكمت مع الزمن سواء في عهد سعد الدين وهبة أو الذين خلفوه مثل حسين فهمي وزهير عبد الباقي ويوسف شريف رزق الله من دون أن ننسى النجوم والمخرجين المصريين الذين يواظبون على المهرجانات الدولية ويتعلمون منها. أما مهرجاني قرطاج ودمشق فيتخصصان بسينما العالم الثالث ويشكلان بوابة للانفتاح والثقافة السينمائية على الرغم من أن الانفتاح يظل ناقصا في غياب الحرية السياسية. ويعاني مهرجان دمشق من ندرة صالات العرض المناسبة ومن غياب السينمائيين المغاربة حتى يكاد يصبح أغلب المدعوين إلىه من مصر.
ويمكن تمييز مهرجان مراكش باعتباره تظاهرة كبيرة ومهمة، نظرا لأهمية الأفلام المتسابقة ولحضور مخرجيها ونجومها سواء كانوا أوروبيين أو أمريكيين، ناهيك عن تمتعه ومنذ البداية بجمهور عريض، خاصة في أوروبا. ويعود الفضل في هذا النجاح إلى مديره السابق دانييل توسكان دو بلانتييه المنتج الفرنسي المعروف الذي اختاره الملك محمد السادس على رأس هذا المهرجان. وكان دو بلانتييه لسنوات طويلة رئيسا لشركة صالات السينما الشهيرة quot;جومونquot;. وإذا كان حضور دوبلانتييه في إدارة هذا المهرجان قد ساعده على الولادة كبيرا، إلا أن الكثيرون يأخذون عليه غياب المشاركة العربية على مستوى الأفلام أو حتى على مستوى النقاد، كما يأخذون عليه غلبة الطابع السياحي على السينمائي. لكن مهرجان مراكش تطور بسرعة، خصوصا بعد أن دخل في إدارته مدير التلفزيون المغربي فيصل عريشي ومدير المركز القومي للسينما نور الدين الصايل الذي يعتبر من كبار النقاد إلى جانب كونه كاتب سيناريو مهم ومنتج للسينما. وسبق له العمل مسسؤولا في قناة التلفزيون الفرنسية quot;هوريزونquot; ثم مديرا للقناة الثانية في التفزيون المغربي الخاص، قبل أن يصبح رئيسا للمركز القومي للسينما. ولا شك أن الرعاية الملكية ساعدت مهرجان مراكش سواء من حيث التمويل أو من حيث الاحتفاء بالمدعوين، فالملك المغربي يمنح سنويا أوسمة رفيعة لبعض كبار النجوم، مثل مارتن سكورسيزي، والعائلة الملكية تنظم حفل عشاء في قصر مراكش يترأسه الأمير مولاي رشيد وأخواته. ويتمتع مهرجان مراكش بحرية كاملة، إذ يغيب مقص الرقيب عن مواضيع الأفلام وصورها، والحرية مسألة ضرورية للإبداع الفني ولتنظيم أي مهرجان.
ويشكل مهرجان quot;الشرق الأوسط للسينماquot; في أبو ظبي وقبله مهرجان دبي حدثين مهمين لا يقلل من أهميتهما عدم وجود إنتاج سينمائي في الإمارات، فالمهرجان حافز مهم لتذوق السينما ولصناعة إنتاج وطني وتكوين مخرجين وتقنيين. ويسجل مهرجان دبي نجاحا على الرغم من نواقصه، إذ اعتمدت إدارته على خبراء غربيين في تنظيمه وفي تشجيع بعض النجوم العالميين والعرب على المشاركة فيه، ويلبي النجوم العرب بوجه خاص دعواته جماعات جماعات. كما بدأ المهرجان ومنذ السنة الماضية بدعوة بعض النقاد العرب من مصر أو من المغرب أو من البحرين لاختيار الأفلام. ويملك مهرجان دبي كل الإمكانيات لتوسيع هذه التظاهرة عبر تشجيع حضور المشاهدين، لأن المهرجان الناجح بحاجة إلى أفلام مختارة وإلى جماهير كافية أيضا.
حضور غاب عن مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي الذي جرى تنظيمه بسرعة خلال ثلاثة أشهر، وهي مدة غير كافية لإنجاحه، لا يغير من ذلك توكيل خبراء أمريكيين بمهمة التنظيم أل تعيين الصديق الناقد سمير فريد مستشارا فنيا له، مع أن حضور فريد يشكل عاملا مشجعا للنجاح باعتباره أحد أهم نقاد السينما لا في مصر فقط بل في أنحاء العالم وقد لعب دورا أساسيا في تنظيم دورة مهرجان القاهرة عام 1985 وساهم في تنظيم مهرجان سينما الأطفال ومهرجان الإسماعيلية. فقدرة سمير فريد على اختيار الأفلام أو اختيار أعضاء لجنة التحكيم ليست كافية لإنجاح مهرجان دولي قادر على التنافس، خصوصا إن لم تمنح له حرية التصرف. تنظيم مهرجان سينمائي لا يتم على غرار حفلة الأوسكار، فهذه سهرة واحدة لها إمكانياته وقواعدها لاستقبال النجوم والفنيين المدعوين أو لاستقبال الجمهور المعني بالسينما وأضوائها. فالمهرجان المهم في أمريكا هو مهرجان السينما المستقلة الذي ينظم بعيدا عن استديوهات هوليوود والذي أسسه ويشرف عليه النجم الشهير روبيرت ريدفورد.
حين تعين سيدة أمريكية نائبا للمديرة التنفيذية في مهرجان أبو ظبي لقاء نصف مليون دولار لا بد أن تكون قادرة على إحضار مخرجي الأفلام المشاركة وبعض نجومها إلى المهرجان. ولا بد أن تكون المديرة التنفيذية للمهرجان المذيعة التلفزيونية المتألقة نشوى مصطفى قادرة على إقناع كبار المخرجين والممثلين المصريين على حضور هذه التظاهرة. ويبدو أن تخصيص جوائز مالية لم يكن كافيا لاستقطاب النجوم، ناهيك عن أن هذه الوسيلة غريبة عن المهرجان الكبرى. كما عانى مهرجان دبي من غياب للجمهور، فباستثناء حضور هام جاء لمشاهدة فيلم quot;سكر بناتquot; للمخرجة نادين لبكي، بقيت صالات العرض شبه فارغة لا يتعدى جمهورها مائتي متفرج ففي قاعة تتسع لألف وخمسمائة. وحتى من النجوم العرب، لم يحضر سوى نجوم الدرجة الثانية وأبرزهم خالد النبوي، فيما تمثل التواجد السوري الوحيد بالممثل بسام كوسا الذي جاء لحفل الختام فقط، وحضر محمد الأحمد مدير المؤسسة السورية للسينما بصفته عضوا في لجنة التحكيم ولم يحضر سوى ناقد واحد ومخرجتين من المغرب فيما لم يدع المهرجان أية شخصية من الجزائر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو ما أهمية دفع جوائز مالية ثمينة لفائزين لم يكلفوا أنفسهم عناء الحضور؟ وما معنى أن يفوز ممثل ألماني بجائزة قيمتها مائة ألف دولار ولا يزور أبو ظبي لاستلام جائزته. ومع ذلك لا اعتراض على الجائزة النقدية شريطة أن تندرج في سياق منطق مفهوم. فأبطال كرة التنس يشاركون في دورة دبي وأبطال سيارات السرعة يشاركون في سباق المنامة وكبار المثقفين والكتاب يأتون إلى الإمارات لاستلام جوائزهم، فلماذا لا يحضر الفائزون أو المشاركون في مهرجان أبو ظبي؟ صحيح أن اختيار توقيت المهرجان لم يكن مناسبا لأنه جاء في ثاني أيام عيد الفطر المجيد.
لا شك بأن أصحاب القرار في أبو ظبي قاموا بخطوة مشجعة بتنظيم مهرجان للسينما وضعوا له ميزانية مناسبة بلغت 12 مليون دولار. وبإمكان هذا المهرجان أن يشجع إنتاج السينما في دولة الإمارات وفي العالم العربي أو حتى على المستوى العالمي كونه يخصص منحا مالية تشجيعية لإنتاج عشرين فيلما في كل مهرجان بقيمة 300 ألف دولار لكل مشروع تختاره لجنة تحكيم مشكلة من النقاد والمثقفين، على أن تعرض هذه الأفلام المنتجة في مهرجان أبو ظبي وتحمل إشارته. وسيكون لهذه العملية مساهمة هامة بالنسبة للسينما العربية ولدولة الإمارات.
نادرا ما تكون التجربة الأولى ناجحة، وإذا استفادت إدارة مهرجان الشرق الأوسط من أخطاء الدورة الأولى، يصبح الباب مفتوحا أمام أبو ظبي لتصبح من عواصم السينما العربية، ناهيك عن أفق أن يشكل المهرجان نواة إنتاج سينمائي في الإمارات وفي الخليج .
التعليقات