على وقع سجالات ثنائية الاستشراق والاستغراب
منتدى الحوار الثقافي العربي الألماني ينطلق في دبي

مروة كريدية من دبي: على واقع ثقافي عربي أقل ما يُقال فيه إنه مأزوم، وفي وقت تسعى النخب الفكرية العربية التنويرية الى مزيد من الانفتاح في ظل انتشار الايديولوجيات المؤسسة لمزيد من الانغلاقات على الذات، انطلقت في دبي فعاليات ملتقى الحوار العربي الألماني بمشاركة أكثر من مئة باحث ومفكرٍ وأديب وإعلامي من العرب والألمان، حيث يهدف الملتقى إلى تسليط الضوء على عدد من القضايا الثقافية ذات الاهتمام المشترك بغية استكشاف قنوات جديدة لمنح زخم جديد للتدفق الثقافي والمعرفي بين الشرق والغرب.

محمد المرّ : القطبية الأحادية فشلت والبشر شركاء في مركبٍ واحد
محمد المر نائب رئيس هيئة الثقافة والفنون في دبي وفي كلمته الافتتاحية أشار إلى أهمية التواصل الفكري والحضاري بين ألمانيا والعرب وقالquot; إنه على الرغم من أن القرن الفائت شهد العديد من الصدامات الفكرية مع عدة قوى أوروبية كبرى إلا أن ألمانيا لم تكن يوما طرفا في هذا الاشتباك، حيث خلت الذاكرة العربية من أية مرارة تجاه ألمانيا وشعبها، منوها بدور المدرسة الاستشراقية الألمانية التي درست الحضارة العربية والإسلامية بدقة وجدية وموضوعية وبعيدامن التحامل والتعصب الحضاري الأعمىquot;.

محمد المرّ

من جهة أخرى فقد ربط الوضع السياسي بالثقافي حيث أشار الى وضعية العالم خلال مرحلة الحرب الباردة التي دخلت فيها القوى العظمى في صراع محموم لامتلاك أكثر أسلحة العالم فتكا وتدميرا ضمن ما كان يعرف باسم quot;توازن الرعبquot;، والآمال التي راودت الجميع في عالم سالم يهنأ بالأمن والاطمئنان، وهي الطموحات التي ما لبثت أن تبددت مع هبوب رياح العولمة الرأسمالية وتزايد خراب البيئة وتصاعد وتيرة الإرهاب وتفاقم مشكلات العالم السياسية والاقتصادية وظهور أوبئة جديدة حصدت أرواح الملايين إلى أن أصاب العالم تسونامي الاقتصاد الأخير الذي لم يشهد العالم مثله من أيام الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.

المر قال quot; إن العالم في ظل تلك الأوقات المضطربة أثبت فشل أطروحات القطب الواحد كما أثبت أنه لا بديل للحوار والتعاون بين مختلف الحضارات والدول للتصدي للمشكلات المشتركة التي تواجه العالم من شرقه إلى غربه بما يجعل البشر شركاء في قارب واحد يحملون مسؤولية جماعية لإنقاذ أنفسهم من براثن تلك التحديات، معربا عن تفاؤله في قدرة العالم على تخطي تلك العقبات والمعوقات من خلال لغة الحوار مستشهدا بالمثل الألماني القائل: quot;كلما كان الليل داكن السواد، كان الصباح التالي أكثر لطفاquot;.
هانز ماغنز آنزينسبيرغر: التنوير لا يُحْتَكر !

الشاعر الألماني هانز ماغنز آنزينسبيرغر تناول في كلمة له محاولة الغرب احتكار مفهوم التنوير والقدرة على صنع مقوماته ونشر ضيائه، نافيًا ذلك وقال quot;إن المسألة لا تكمن في الصراع على من هو القادر على الاستحواذ على نصيب الأسد من حركة التنوير العالمية، ولكن على مدى الإسهام ذاته وتأثيره إذا ما تم رصده بموضوعيةquot;.

هانز ماغنز آنزينسبيرغر

وأشار الى دور العرب في إلهام شعوب أوروبا في عصر أوج الحضارة العربية وفي مختلف المجالات، ومستشهدا بالنتاج الفكري العربي والإسلامي المتميز الذي مثل قاعدة أساسية استقت منها أوروبا العديد من العلوم والمعارف في عصر الدولة العباسية والدولة الأموية ومن خلال ما أفرزته الحضارة العربية والإسلامية من إنتاج فكري متميز كان حاضرا بقوة في الأندلس ، مستشهدا بفكر الفيلسوف العربي quot;إبن رشدquot; الذي كان سباقا إلى التنوير في عهده وإلى مدينة قرطبة التي مثلت مركزا فكريًّا وحضاريًّا مهمًَا وكانت جامعتها سابقة لأول جامعة تأسست في أي من المدن الأوروبية بما لا يقل عن مائة عام، معزيا الازدهار الفكري والفلسفي الأوروبي إلى الحضارة العربية التي كانت مصدر إلهام للغرب خاصة في مجالات العلوم البصرية والرياضيات وغيرها من المجالات.

الجدير ذكره ان فعاليات الملتقى الذي تنظمه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم تتواصل حتى مساء غدٍ الخميس 27 من نوفمبر في دبي، بحضور لفيف من الشخصيات الفكرية العربية والألمانية البارزة من بينهم الشاعر أدونيس و الطاهر لبيب وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي ومطاع الصفدي وفهمي جدعان وجمال الغيطاني وغيرهم..أما عن الجانب الالماني فأبرز المشاركين هم المستشرق كلاوس بيتر هازا، فولكر براون أحد أبرز الشعراء الألمان وأدولف موشج، والمترجم ميخائيل كروغر، وغيرهم من رموز الفكر الألماني الحديث.

وستتناول الجلسات النقاشية للمنتدى موضوع الاستشراق والاستغراب حيث سيحاول المشاركون الإجابة على مجموعة من الأسئلة المهمة التي تدور حول استشراق ما بعد الحداثة وما تبقى من الاستشراق الغربي والألماني، ومدى صحة النظر إلى الاستغراب على أنه الوجه الآخر للاسشتراق وغيرها من التساؤلات التي تشغل بال المثقفين في هذا الباب.

كما ستتم مناقشة موضوع الترجمة وأهميتها في البناء الثقافي ودورها كوسيلة للتواصل والنقل المعرفي والحضاري، مع استعراض الدور الذي لعبته الترجمة قديماً وحديثاً والإسهام التنويري الذي قدمته في المشهد الثقافي العربي قديماً، و المجالات التي يجب التركيز عليها في الترجمة لتفعيل أثرها كوسيلة للتنمية الثقافية.

جانب من الحضور وبينهم الشخ ماجد بن محمد بن راشد

كما سيتناول المحور الثالث البعد السياسي وصلته بعالم الثقافة مع عقد مقارنة بين مواقف هيجل وفوكوياما، واستعراض العلاقة التي تربط عالم السياسة برواق الثقافة من تأثيرات متبادلة وانعكاسات تتركها التغيرات السياسية الدولية على التوجهات الفكرية والإبداعية في العالم، وتأثيرات الأوضاع السياسية في التطور الاقتصادي الذي يساهم في رفع حضارات ودحض أخرى. وستتلو الجلسات الثلاث التي تجرى بالتزامن جلسة موسعة تضم جميع المشاركين لتلخيص ما آلت إليه النقاشات من أفكار ورؤى.