ترجمة ـ صلاح سليمان: في خضم هذا الزخم المتنامي من الكتابات والتعليقات والرسومات التي بدأت تجتاح العديد من دول العالم مشككة في حضارة الاخر ومحرضة علي فكرة ا لتصادم الثقافي والحضاري، و تحديدا بين الثقافة الغربية والثقافة الاسلامية فان الحاجة تبدو ملحة لاصوات العقل بين الجانبين لتخمد نزر هذا التصادم في المهد وتعلي فكرة التسامح والتعاون بين الثقافات، وهذا بالضبط ما حدث منذ شهور قلية عندما اتحفتنا المكتبة الالمانية بكتاب جديد اسمه فلورنسا وبغداد ونشأة التصوير للكاتب والمؤرخ واستاذ علم البصريات هانز بليتنج الذي اشاد فيه بالحضارة الاسلامية وعلمائها اللذين ساهموا عبر نظرياتهم العلمية مساهمة فعالة في حضارة الغرب.
الكتاب يقع في ثلاثمئه وتسعة عشر صفحة يسبر فيه الكاتب اغوار الثقافتين الغربية والاسلامية مؤكدا علي انه ماكان لحضارة الغرب ان تتطور دون اسهامات العلماء العرب..وعبر مقارنة مسهبة بين اهم مدينتين في ذلك الوقت وهما بغداد وفلورنسا اللتين لعبتا دورا كبيرا في نهضة العالم، فان الكاتب ينقلنا الي اجواء الاستقرار التي مهدت الي اتصال المدينتين بشأن تبادل المعرفة والفنون مع كثير من التركيز علي الفن والتصوير من واقع تخصص الكاتب الذي يقول : اعتقد انني من عنوان الكتاب كتبت قصة نشاة التصوير التي ترتب عليها تطور الفن والرسومات.
ففلورنسا ترجع اهمينها الي انها كانت منشأ ومهد عصر النهضة الاوروبية ومقرا لعمالقة التصوير في ذلك الوقت وكان فيليبو برونلسكي من فلورنسا هو أحد أهم المهندسين المعماريين المؤثرين في طراز عصر النهضة.
اما بغداد فكانت شاهدة علي نطور صناعة الفن بصفة عامة،فقد برع العرب في الزخرفة و الحفر على الخشب وتطعيمه بالفسيفساء والتلوين والتذهيب اضافة الي تصاميم هندسية كالمشربية التي انتشرت في الثقافة الاسلامية و ظهرت جلية في الكثير من المنازل اضافة الي الخط العربي بزخارفه الهندسية المتداخلة واشكال الزخارف الهندسية التي تمتاز بالدوائر المتداخلة ذات المركز الواحد، وعبر التجارة والتواصل انتقلت الكثير من افكار ونظريات علماء الشرق الي الغرب.

اما كبف نشأ فن التصوير وتطور يقول الكاتب: بالنسبة لي ان فحص الصور والتراكيب المصورة التاريخية وقبل التاريخية ومقارنتها من كافة الجوانب يعطي الدلائل علي تطورها
ويرجع الفضل في كل ذلك الي عالم عربي هو محمد بن الحسن بن الهيثم البصري الذي ولد عام 965 م في بغداد وتوفي في عام - 1039م، في مصر واليه يرجع الفضل في تأسيس علم الضوء ودراسة خواصه في صوره الثلاثة الاستقامة والانعكاس والانعطاف وهي دراسة استنتجت من المنهج الرياضي الذي برع فيه ابن الهيثم.. واستخدمت نظرياته بعد ذلك في فكرة البعد الثلاثي في تشيد الاشكال الهندسية وهي التي تطورت فيما بعد واستخدمت في تشيد المنارات الشاهقة.. ويبدو ان الكاتب تاثر بهذا العالم ودراساته خاصة وانه متخصص في هذا المجال فقد ركز علي نبوغه وتفوقه في هذا المجال ويري ان كنابه المناظر الذي الفه سنة 1021 م قد اسس فيه لعلوم الضوء وكيف انتقل الي الغرب وتمت ترجمته الي اللاتنيية واخذا عنوانا لاتنيا Perspectiva ورغم العنوان اللاتيني الا انه ترجمة حرفية لكتاب ابن الهيثم وفيه كل اسس علم الضوء وعلم العدسات ورسومات تشريحية للعين ويعتبر المرجع الاوحد الذي استند اليه علماء الغرب فيما بعد في تطوير تقنيات الضوء وكل ماترتب عليه من اختراعات لالات وعدسات ونظريات حتي ان هذا المرجع قد ترجم الي العديد من اللغات الاسبانية والايطالية والانجليزية والعبرية والفرنسية عدة مرات وفي عام 1572 نشر ريزنر ترجمة كاملة له مع شرح للعين وكيفية وصول شعاع الضوء عليها كما تصورها ابن الهيثم.
وفي موقع اخر من الكتاب ينفي الكاتب التشكيك في قدرة العلماء العرب وانهم فقط اكتفوا بترجمة النظريات الاغريقية ويستدل بذلك علي نظرية ابن الهيثم ان العين تري طبقا للشعاع الساقط عليها وليس كما كان يري بطلميوس ان العين تري بواسطة اشعة تنبعث من العين نفسها لقد اتاح ذلك لبن الهيثم استحداث نظريات جدية واسس جدية في علم الضوء وعن انكساراته وانعكاساته وكانت نواة لثورة في هذا العلم طورها الغرب وانتهت بصناعة الكاميرا التي هي في الاصل مشتقة من الكلمة العربية القمرة اي الحجرة شديدة الظلام

ان احياء مثل هذه النقاط المضيئة في الحضارتين الغربية والاسلامية لهي اكبر رد علي المشككين والعنصرين ودعاة الحروب بين الحضارات.
[email protected]