علاينة عارف من ستوكهولم: إن جائزة نوبل مهما ادعت بالتزامها معيار الإبداع الحق والموقف الإنساني النبيل المنتظر من كل مبدع، تبقى في أحيان معينة أسيرة ضغط جيوسياسي، يتم اختيار كاتب ما حسب ما يلائم الأمر الواقع السياسي قبل أن يكون لسبب ثقافي محض. ذلك أن جائزة عادلة أي غير منحازة، لا وجود لها. كل جائزة، أية جائزة، تتم بشكل تمييزي وبغرضية تحيّزية لا علاقة لها بما تدعيه من موضوعية. عدالةُ جائزةٍ موتُها، وحتى تستمر يجب أن يكون لها كواليس وأغراض وحسابات إرضاء، سياسية قبل كل شيء، وإلا ستتحول إلى مجرد عمل خيري في عصر لم يعد فيه كثير من الفقراء. والشرط الوحيد هو أن يكون الذي تم اختياره لما قدمه من إبداع أصيل، أو لسبب جيوسياسي، له ماض نظيف أي لا توجد فيه لطخة سببها موقف عنصري من قضية أو ارتباط بنظام ديكتاتوري.
ومع هذا فإن جائزة نوبل تجئ أحيانا غير متوقعة، بل تكاد تكون فعلا غير منحازة: على عكس ما تريده سياسة الآن الواقعية. quot;وعندما تأتي بهذا الزخم اللامتواطئ والضارب عرض الحائط المتطلبات الجيو سياسيةquot;،كماكتب عبدالقادر الجنابي في مقال له قبل سنوات، quot;غالبا ما تثار إزاءها الشكوك والاتهامات.... من قبلنا نحن العرب وخصوصا إذا أُعطيت الجائزة لشاعر مغمور بعيد عن الأحداث كلياً، لكنه أفضل من هذا العربي، المدون في سجل المرشحين الدائمين بمائة مرة، فنتهم الأكاديمية السويدية بالتهرب وبعدم أخذ موقف مما يجري في عالم الأدب اليوم، وبالتالي فهي منحازة بالمعنى العربي للكلمة، لأنها تحاشت العرب مرة أخرى بالأخص في ظرف يجب مراعاة شعورهم.... نشكك ونلقي الشبهات... لكن لا نستطيع أن نسأل أنفسنا أولا: كيف يمكننا نيل جائزة تقديرية حقاً، وكل ما نكتبه لا يحرك ساكناً حتى في مستنقع الثقافة العربية الراكد، منذ سنوات وسنوات؟ إن خطورة أية جائزة لا تكمن في انحيازها أو عدم انحيازها، وإنما في تحولها إلى هاجس يومي في حياة الكتاب العرب بحيث جلب انتباه المسؤولين عن هذه الجائزة يغدو هو صلب الموضوع في أعمالهمquot;.
سيعلن، يوم الجمعة المصادف 8 اكتوبر، عن اسم الفائز بجائزة نوبل للاداب لعام 2009 . هناك واحد من بينمئات الكتاب المشهورين والمغمورين، في انتظار أن ينال الجائزة... وكالة لادبروكس للمراهنات تقول ان الروائي الاسرائيلي عاموس أوز الذي كان مرشحا لنيل الجائزة العام الماضي هو الاوفر حظا للفوز بها العام الحالي، يليه الروائية الجزائرية آسيا جبار... كلاهما يستحق، على الأقل لصلابة موقفه، في مساءلة هويته الثقافية... وكلاهما ذوعطاء إبداعي أصيل.
لكن ما ذا سيحصل لو قامت الأكاديمية الفرنسية بفعل مفاجئ، خصوصا ان خبرا تسرب الى إيلاف بأن الأكاديمية السويدية تبحث في اتجاهين:
الأول: اقتسام الجائزة بين كاتب إسرائيلي وكاتب عربي، كخطوة تشجيعية لمبادرة السلام بين إسرائيل وفلسطين وبالتالي مع العالم العربي، واختيار آسيا الجزائرية وعاموس الإسرائيلي يلقى استحسانا لدى المشرفين على الجائزة... ناهيك عن أن الأكاديمية السويدية استبدلت أدونيس بآسيا جبار، quot;ليس بسبب علاقته الوثيقة بالنظام السوري فحسب، بل لأنها اطلعت على كتابات لأدونيس مخزية ومشبعة بالعنصرية والكراهيةquot; كما أوضحأحد المتدرددين الدائمين على الأكاديمية،فضل عدم ذكر اسمه؛ quot;كتابات لها اليوم وقع سيءquot;، كـ:
quot;شعب إيران يكتب للغرب:
وجهك ياغرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ.quot; (انقر هنا لقراءة القصيدة كاملة)

الاتجاه الثاني: إيجاد كاتب عربي تتوفر فيه الأصالة الإبداعية والتبرير الجيو سياسي، في آن. عصفوران بحجر واحد مما سيكون لاختياره وقع مفاجئ على العرب أنفسهم.
وبعد مراجعة لنا مع المقربين من الأكاديمية السويدية لمعظم الأدباء العرب الأحياء، وجدنا أن أنسي الحاج هو الأكثر جدارة للنيل بهذه الجائزة، والمفاجأة السارة الكبرى. فلبنان بعد فوز القوى الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة، وانحسار مد حزب الله، وكبلد يعتبر ملجأ الكتاب العرب الهاربين من الديكتاتوريات العربية، وله تاريخ كبير في انتشار الحداثة الغربية، يستحق أن تعطى جائزة نوبل لشاعره الأنقى أنسي الحاج.. يكفي أن تجربته الكتابية، شعرا ونثرا، تمثل الحجر الأساسي للحداثة الشعرية العربية.