سلوى اللوباني من القاهرة: كتب المذكرات من الكتب الجذابة للقراءة، يستمتع بها القارئ حتى آخر صفحاتها.. هي توثيق لتجارب انسانية يعتقد الانسان ان تجاربه له وحده على حد تعبير الكاتبة والاعلامية ليلى الاطرش، وانها لن تهم سواك حتى يطالبك بها غيرك. هذا ما ذكرته في مقدمة كتابها الجديد quot;نساء على المفارقquot; الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. تروي ليلى الاطرش قصص نساء من مختلف البلدان وفي اوقات مختلفة من سنوات عمرها وذلك اثناء عملها الاعلامي في تلفزيون قطر، تناولت موضوعات عدة من خلال قصص النساء.. تارة تأخذنا بوصفها الجميل لمواقع هذه البلاد فتشعر انك تقرأ كتابا في ادب الرحلات وتارة تأخذك بعيدا وهي تحلل للقارئ شخصيات هذه النساء وافعالهن من خلال العادات والتقاليد والدين والسلطة الابوية. نجحت ليلى الاطرش في ان توثق تاريخا معينا باحداثه ورموزه كما نجحت بان تنقل للقارئ تفاصيل تصوير هذه الحلقات من برنامجها وقتذاك، نقلت القارئ معها في رحلتها هي وفريق العمل من مصورين ومخرجين.. روت تفاصيل الامكنة والشخصيات اضافة الى توثيق تاريخي لفترات معينة لكل بلد. بدأت مع مريم من امريكا الى ربى من لبنان الى جميلة بوباشا في الجزائر وعزة من الرباط الى امرأة من الاردن وامرأة في فرانكفورت سجلت الاطرش 7 قصص في كتاب واحد.
بعد ان انتهيت من قراءة هذا الكتاب الممتع بتفاصيله ورواياته كانت لدي الكثير من الاسئلة لاطرحها على الكاتبة... كما توقفت عند كثير من عباراتها.. عبارات اختزلت فيهاحالنا العربي وهمومه وواقعه.
لماذا الان تدوين هذه المذكرات؟
تقول ليلى الاطرش: quot;عندما رايت ما يحصل للنساء في الحرب على غزة والعراق والصومال ودارفور ومناطق الحروب والصراع والفقر، برزت المرأة في الذاكرة فكان الكتاب... كما تجدين الإجابة في الشكر وهو من عتبات النص، أي يفسره ويقدم له.. قلت إن كثيرين حرضوني أن أكتب ما أعرف، تجاربي اثناء لقاءاتي التلفزيونية والرحلات الشخصية، ويمكن أن أزعم أنني سافرت كثيرا جدا، للعمل وغيره، ويظل في العمل الكثير مما لم تسجله الكاميرا من انطباعات أو نوادر أو أمكنة أو ملابسات مما دار في كواليس الإعداد ويكون أكثر متعة أو خصوصية مما سجلته الكاميرا ويستحق أن يكتب فعلا، ولا مكان له في رواية أكتبها، وفي معظم الاحيان لا يصلح روائيا أو لم يحفزني للكتابة الروائية. وطالبني كثيرون منهم الناقد الدكتور علي الخواجا بعد دراسته المميزة لرواية quot;مرافىء الوهمquot; أن أكتب عن تجاربي في عالم الإعلام، خاصة أنها الرواية العربية الأولى التي اتخذت شكل البرنامج التلفزيوني، ولكن الكاميرا التفتت إلى الفريق المعد كما الضيف. وقد استقبلت الرواية نقديا وقراءة بشكل لافت. واعتقد كثيرون أنني أعرف كثيرا مما لم تحتمله الرواية؟ واعتقدوا أنه سيكون ممتعا مثل الرواية فاقتنعت.

نبش بالذات بعد سنوات
الاطرش: هؤلاء نساء لم يغبن عن الذاكرة ابدا وكثيرا ما فكرت بهن خاصة وأن كل واحدة منهن ارتبطت بمكانها في ذاتي بحيث لا يذكر المكان إلا وتبرز صورتها.. نساء حفرن في ذاكرتي.. ربما تقدمت عليهن شخصيات روائية قي التدوين فقط، ولكن هؤلاء كن ساطعات في ذاكرتي وارتبطن بأمكنتهن، لهذا كان المكان والمرأة وأنا في كل قصة منهن.وقد أتممت الكتاب بوقت قياسي بالنسبة لي ( ستة أشهر)، عادة يستغرقني سنوات من التفكير في تنامي شخصياتي الروائية، أما هؤلاء النسوة فكتبت حقيقتهن ولم يتدخل الخيال الروائي لهذا كانت كتابته أسهل وأسرع من الرواية.
الدين عامل مشترك
بنظري كان الدين عاملا مشتركا بين معظم قصص النساء. ولفت انتباهي جملة quot;اننا في المجتمعات الشرقية والاسلامية نعيش خوفا مستمرا من الله والمستقبل والمؤسسات الدينية ومن الرقيب والسلطة الابوية والاجتماعية. ما أثره على حياة المرأة بشكل عام؟
الاطرش: الخوف لا يكبل المرأة فقط بل الرجل، أنظري حولك إلى عالم يضطهد فيه صاحب الفكر بغض النظر عن الجنسوية. والرقيب والمنع والسجن والمصادرة والملاحقة للرجل والمرأة على حد سواء. ليس فقط السلطة الدينية بل الاجتماعية(الأبوية) ومثلها السياسية.

الخوف في الادب
ذكرت في كتابك: quot;اثر الخوف في ما نكتب، الخوف في الادب، في بلاد تعرف القبيلة والعشيرة ويهمين عليها الفكر الابوي المستحدث، انا عشت في بلاد الرقابة الدين والسياسة والمجتمع والعمل فكيف ادعي اني لم اجرب الخوف، كيف ادعي انني لم اصارع الرقيب الداخلي واحاول تحطيمه في كل مرة امسك بالقلم، لانني اعرف انني حين اتجاوز كل الخطوط قد لا اجد من ينشر لي مقالاتي او يذيع برامجي التلفزيونية او يسمح برواياتي؟ كيف لا يعرف الخوف من يمنع من العمل لان له فكرا لا يعجب الرقيب او المخبر؟ او تمنع عنه جائزة لان ادبه يتحدث عن الفساد الثوري؟quot; كيف واجهت ذلك كأمرأة وفي ذلك الوقت؟ وبعد ذلك لماذا الاصرار على الاستمرار في نهجك؟
الاطرش: النهج هو الموقف وهو أنا فكيف أغير؟ ولست وحدي من الكتاب من عانى من كل ما ذكرتِ، نعم منعت من العمل وخسرت وظيفتي يوما ثم أعادوني ولم أوزع كتابي خوفا على وظيفتي ومنعت عني جائزة لفكري، رغم أنني لم أكن يوما في تنظيم سياسي، ولكن الفكر المستقل ايضا لا يعجب المخبرين بل ويخيفهم ولا تصدق الأجهزة دائما أن الانتماء هو للإنسان وقضاياه ومصلحة الوطن فقط.
الاعلام العربي
تقول الاطرش في كتابها quot;عملت في تلفزيون قطر حيث لم يكن بعد الفضاء العربي قد ظهر وكانت السيادة للتلفزيونات الرسمية حيث كانت الاجهزة الامنية تتحكم في كل ما يقال ويبث ولا تخلو من مراقبة شيخ ديني متعصبquot;. كيف تري الاعلام سابقا والان؟ هل هناك اختلاف ايجابي او سلبي؟
الاطرش: بالتأكيد تغيير إيجابي في الإعلام العربي حين تحول من الرسمي إلى الخاص، فقد جعل المتغير الاجتماعي يخرج عن دورته البطيئة إلى انقلاب في الفكر الجمعي والتصرف والمعرفة، لكن الوجه السلبي هو إعلام quot;الهلسquot; ومثله بعض الفضائيات الدينية التي عمقت الشرخ الطائفي للأسف، والشرخ السياسي أيضا حين يستغل الإعلام بوقا لسياسة من يملكه.ولكن الإيجابيات أكثر من السلبيات.

جميلة بوباشا وفض بكارتها
من هي اكثر النساء في كتابك تجدينها الاقرب اليك وتتذكريها دائما؟
الاطرش: سأقول مثل الفنانين، كل أفلامي مثل أولادي.. ليست أقرب ولكنها أثرت أكثر، أظن أنها إحدى الجميلات الثلاث بطلات تحرير الجزائر جميلة بوباشا ، فهي امرأة ساحرة وعانت كثيرا وكنت ألح على آلامها لتستعيد مشاهد مخيفة ومحزنة خاصة فض بكارتها بعنق زجاجة، أبكتني لحظتها، ولكن مأساتها كانت أكبر واستعادة وحشية ما فعلوه بها أقسى من مجرد تعاطف إعلامية تبحث عن خبطة لبرنامجها وتمضي. كما لن أنسى دمار بيروت كما رايته قبل إعمارها. والرجل العجوز في أنقاض مخيم صبرا وشاتيلا بعد المجزرة وكما وصفته في الكتاب.
أدب الرحلات
ماذا اردت ان تقولي من خلال جمع هذه القصص سوية وبكل ما تحمل من موضوعات اجتماعية واقتصادية وسياسية؟
الاطرش: أردت أن أكتب شيئا مختلفا، فأدب الرحلات بعيد عن اهتمام الكاتبات وحتى الكتاب، ولكنه تجربة ممتعة، لأنني كتبت الحقيقة دون أن أتخلى عن الأسلوب الأدبي. لقد أردت أن اشارك القارىء بما قدر لي أن اعرفه من أمكنة وبشر، أن أتحدث عن الخوف الإنساني، وعن ضياع الأمان ومعاناة النساء في كل هذا.
تجارب لا تتكرر
كيف رأيت هذه التجارب بعد ان مر عليها سنوات طوال؟ هل كانت تستحق منك تصرفا آخر؟ هل لو عاد بك الزمان لكنت تصرفت بطريقة اخرى؟
الاطرش: أولا الزمان لا يعود ابدا.. وبعض هذه التجارب حديث حصل في العام الماضي لكنه هزني كثيرا.. وبعضها ظل حاضرا كأنه حدث بالأمس.. هل سيتغير تصرفي حيال كل حالة؟ أتصدقين؟ لم أفكر ابدا في هذا؟ لأن كل تجربة إنسانية مرهونة بظروفها، لم افكر في هذا لأن الزمان والتجربة ذاتها قلما تكررت في حياة الإنسان، إذا كانت تجربة إنسانية عميقة ومتفردة تهزه من الداخل كما حدث لي.