صدرا في وقت متزامن عن الزيارة التاريخية للعميد
* طه حسين أول ناقد يكتب عن أدب الجزيرة العربية في العصر الحديث.
* حفاوة المثقفين السعوديين بزيارة العميد لحاجتهم للاعتراف بأدبهم.
* المؤلفان يرصدان أكثر من 100 مادة ثقافية عن طه حسين

عبدالله السمطي من الرياض: هل هي مصادفة أدبية أن يصدر كتابان عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، في وقت متزامن وفي عنوان متشابه، ومضمون يكاد يكون متطابقا؟ وهل هي مصادفة أن يتضمن الكتابان الرؤية الوصفية نفسها التي ترصد زيارة طه حسين إلى المملكة العربية السعودية في العام 1955م، وهي زيارة كانت على قدر من الأهمية في ذلك الوقت لما مثلته من مغزى ثقافي يتمثل في الحفاوة بصاحب:quot; الأيامquot; الذي كان من أوائل النقاد العرب الذين كتبوا عن الأدب السعودي؟ هذا السؤال نطرحه هنا كانطباع أولي عن الكتابين اللذين صدرا لكل من الكاتبين السعوديين: محمد القشعمي، وحسين بافقيه في شهر مارس 2009م. لقد صدر كتاب:quot; طه حسين في المملكة العربية السعوديةquot; لمحمد القشعمي عن النادي الأدبي في الرياض الطبعة الأولى 2009م فيما عنون حسين محمد بافقيه كتابه ب:quot; طه حسين والمثقفون السعوديون quot; وصدر عن دار المؤلف للطبع والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2009م
وقد اعتمد المؤلفان في كتابيهما على قراءة هذه الزيارة قراءة تاريخية توثيقية تنحو إلى الرصد والوصف عند محمد القشعمي ، وتتجه إلى التحليل عند حسين بافقيه. والعامل الجوهري المشترك لدى الكاتبين يتجلى في رصدهما للزيارة منذ بدئها حتى ختامها، وما كتب فيها من مقالات، وما صدر عنها من رؤى وكلمات وقصائد شعرية، ثم أضيفت بعض المواد الأخرى التي تتعلق بحضور طه حسين في الثقافة السعودية، ولنقف بإيجاز مع كل كتاب على حدة.

القشعمي راصدا:
في كتابه:quot; طه حسين في المملكة العربية السعوديةquot; قام محمد القشعمي برصد كل ما كتب أو نشر عن زيارة الدكتور طه حسين للسعودية في 15 يناير 1955 بوصفه رئيسا للجنة الثقافية للجامعة العربية التي انعقدت دورتها في مدينة جدة، بدعوة من الأمير فهد بن عبدالعزيز ( وزير المعارف آنذاك) والتي استمرت (19) يوما.
وقد أخذت زيارته ndash; كما جاء في مقدمة د. حسن النعمي للكتاب- زخما ثقافيا استثنائيا بحجم حضور طه حسين في الثقافة العربية المعاصرة، حيث اكتسبت هذه الزيارة قيمتها الثقافية والتاريخية من شخصية طه حسين حيث رتب له برنامج ثقافي شامل، ألقى فيه عددا من الكلمات، واستمع إلى عدد وافر من الكلمات والقصائد، وزار الحرمين الشريفين، وقبل الحجر الأسود، وزار مسجد الرسول (ص) ومدينته المنورة.
ولقد ألقى طه حسين كلمة ضافية في حفل افتتاح الدورة التاسعة للجنة الثقافية للجامعة العربية، عبر فيها عن أصالة المكان الدينية والثقافية والحضارية، ولقد كان الاحتفاء كبيرا بطه حسين بدءا من السفينة التي أقلته إلى جدة حيث قوبل بأغان وهتافات العمال المصريين والتلاميذ السعوديين، والأناشيد، والكلمات، حتى حضوره الندوات والفعاليات الثقافية التي أقيمت له، ثم مغادرته عائدا إلى القاهرة.
لقد ظهر الاحتفاء الأكبر بطه حسين لدى الأدباء السعوديين بطريقة تظهر حاجتهم إلى الاعتراف بأدبهم من قبل شخصية في منزلة طه حسين، فيسعون إلى طلب التقديم لكتبهم، ويسعون إلى ذكرهم في محافل الأدباء. من هنا كانت الزيارة مهمة على الصعيد الثقافي والإعلامي آنذاك. هذه الزيارة يرصدها القشعمي من خلال رصده لكل مجرياتها، وقد استهل في البداية بمقدمة عن سيرة طه حسين، وبدايات الزيارة، حيث رحب الجميع بمقدم طه حسين للسعودية، وبدأت جريدة (البلاد السعودية) وهي الصحيفة اليومية الوحيدة آنذاك، ترحب بمقدمه إلى السعودية، وتتابع أخبار المؤتمر مرحبة برئيسه طه حسين، وناشرة لجدول أعمال المؤتمر ومنها: quot;الاقتراح بإنشاء مجمع علمي عربيquot; وquot;استخدام وسائل الإيضاح الحديثة لتحقيق أهداف الجامعة العربيةquot;.
اعتمد مؤلف الكتاب على أرشيف جريدة quot;البلادquot; بشكل أساسي، في رصد مجريات هذه الزيارة، بدءا من العدد (1783) 3 يناير 1955 قبل وصول طه حسين باثني عشر يوما، كما تابعت الزيارة والمؤتمر الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها: أخبار الظهران، ومجلة الرياض، والمدينة المنورة، وأم القرى، واليمامة، والحج، والمنهل.
وقد تضمن كتاب القشعمي (68) مادة ما بين أخبار، وتغطيات صحفية، وحوارات، ومقالات، وخطب، وجواب ملكي كريم، وقصائد شعرية، كتبت عن الزيارة، أو كتبها طه حسين كمقدمات لبعض الدواوين الشعرية السعودية.
وقد شارك في هذه الكتابات أعلام الثقافة السعودية وأدباؤها في تلك المرحلة، منهم: محمد أمين يحيى، وعبدالعزيز ساب، وعبدالله عريف، وعبدالقدوس الأنصاري، فضلا عن المقالات التي تناولت طه حسين وأثره الثقافي التي كتبها حمد الجاسر، وعابد خازندار، وعبدالفتاح أبو مدين، وأحمد الضبيب، كما تضمن الكتاب قصيدة زجلية لحسن نصيف، وقصيدة للشيخ محمد متولي الشعراوي بعنوان: quot;انشروا العلمquot; في مديح طه حسين.
بالإضافة إلى ذلك يقدم القشعمي ملحقا بالمقالات والدراسات والكتب التي كتبها باحثون سعوديون وتبلغ (17) عنوانا.
ولم يقم القشعمي بكتابة نقدية قارئة لزيارة طه حسين، أو أثره في الحياة الثقافية السعودية، واكتفى بهذا الرصد المهم الذي كان من الممكن أن يغدو أكثر أهمية إذا ما خضع للتحليل البحثي القارئ، وهو الأمر الذي قام به حسين بافقيه في كتابه.

منهجية بافقيه:
تتبدى منهجية الناقد حسين محمد بافقيه من مستهل الكتاب الذي صدره بديباجة عن طه حسين لخص فيها رؤيته لحضور العميد في الثقافة العربية، بدأها بالقول: quot;ملأ طه حسين الدنيا وشغل الناس، ولا يزال لسيرته وما أخذ به من أفكار سطوة على الحياة الثقافية في دنيا العرب، وانقسم الناس فيه إلى متعصب له، ومتعصب عليه، ولكنه في كل ذلك كان حدثا ثقافيا وفكريا مهيبا، وضرب في سيرته وجهاده الفكري المثل الأعلى في الإصرار، والإيمان والكفاح... فلم يدع ناحية من نواحي تلك الثقافة دون أن يضع فيها علامة تهدي الحائرين إلى الطريق، فكان الأديب، والناقد، والقصصي، والمؤرخ، وعالم الاجتماع، والأستاذ الجامعي، والمربي، والوزير، والسياسي، والصحفيquot;.
وقد قسم بافقيه كتابه إلى ثمانية أقسام، تضمنت صلة طه حسين بالمثقفين السعوديين، وما كتبه من بحوث ومقدمات عن الأدب والثقافة في المملكة، وطائفة مختارة مما كتبه المثقفون السعوديون عن طه حسين، وحواراته الصحفية في الصحافة السعودية، وحضوره في الشعر السعودي، وتوثيق للزيارة التي قام بها طه حسين للسعودية. وقد تضمن كتاب بافقيه ( 41 ) مادة متنوعة ، سوى ما كتبه هو واضعا رؤيته كباحث، وجاءت المواد كالتالي:
- مقالات طه حسين وخطبه ومقدماته وكلماته عن الأدب والثقافة في المملكة.
وبلغت هذه المواد التي جمعها بافقيه 10 مواد ، عبارة عن 6 مقالات ومقدمات، و3 كلمات أو خطب، ومقالة في مجلة صرخة العرب.
- (16) مادة مقالية وشعرية وصحفية ترحيبا بطه حسين عبارة عن: 9 مقالات صحفية، 3 حوارات صحفية 4 قصائد شعرية
- (12) مقالة عن طه حسين لأدباء ونقاد سعوديين.
- (3) مواد متنوعة: حوار أجراه كامل الشناوي، ومقالتان لمحمد حسن الزيات، وعثمان حافظ.
هذه المواد التي رصدها بافقيه في كتابه، تشكل مادة ثقافية، قام بقراءتها وفحصها، حيث كتب دراسة من خمسين صفحة (الصفحات 21-71) عن: quot;طه حسين والمثقفون السعوديونquot; وأصل الدراسة محاضرة كان ألقاها الباحث في نادي الطائف الأدبي في أغسطس 2005.
وقد تتبع بافقيه علاقة طه حسين بالثقافة السعودية، وعلاقتها به، بدءا من نشره لأول مرة دراسة بعنوان: quot;الحياة الأدبية في جزيرة العربquot; في مجلة الهلال في مارس 1933، والتي ضمنها فصلا في كتابه: quot;ألوانquot; وهي أول دراسة فيما يرجو الكاتب عن الأدب والثقافة في السعودية، والتي كانت quot;اعترافا بالأدب الحديث في المملكةquot; من شخصية بحجم طه حسين.
وقد تعرف الأدباء السعوديون الأدب والثقافة في مصر عبر البعثات التعليمية إلى مصر، ووصول الصحف والكتب المصرية إلى أيدي المثقفين السعوديين، ونهوض كوكبة من المصريين بالتعليم في المدارس والمعاهد السعودية الحديثة آنذاك.
وكان طه حسين يشكل حلما للأدباء الشبان خاصة في منطقة الحجاز بعد صدور كتابه: quot;في الشعر الجاهليquot; وما أحدثه من ضجة، خاصة لدى محمد سرور الصبان، ومحمد حسن عواد، ويتضح هذا جليا في كتابيهما: أدب الحجاز، وخواطر مصرحة.
وقد شكلت المقدمات التي كتبها طه حسين لكتب بعض الأدباء السعوديين مثل أحمد عبدالغفور العطار، وإبراهيم فلالي، وعبدالله عريف، وحسن القرشي وثاقة مبدئية بالثقافة السعودية، تلتها كتابات أخرى عن النتاج الأدبي في السعودية، وبعد أن مرت سنوات طويلة بدأ المثقفون السعوديون في قراءة طه حسين قراءة أخرى، ونقده ، ونقض ما جاء به أحيانا، ويشير بافقيه إلى ذلك بالقول:quot; غير أن التاريخ quot;صمتquot; عن موقف طه حسين من quot;نطقquot; أبناء الجزيرة العربية حينما quot;نطقواquot; ولكن الذي بدا آنذاك أن مثقفي الجزيرة العربية، كاوا قد بلغوا من الفهم والمقدرة على الاستيعاب، ما سمح لهم بتصحيح رأي العميد ونقضه، وقد كانوا قبل ذلك بثلاثين سنة، على أول عهدهم بأسباب الثقافة الحديثة - كما يقرر طه حسين- quot;يقرأون فيفهمون أحيانا، ويعجزهم الفهم أحيانا أخرىquot;.

موازنة إحصائية:
اشترك المؤلفان في إيراد (24) مادة متنوعة، ما بين المقالات والكلمات، والأخبار الصحافية عن زيارة طه حسين للسعودية، فيما أورد بافقيه (20) مادة ثقافية لم ترد في كتاب القشعمي منها: تقديم طه حسين لديوان quot;الهوى والشبابquot; للعطار، وتقديم كتاب quot;رجالات الحجازquot; للفلالي، وكتابة طه حسين عن ديوان: quot;وحي الحرمانquot; لعبدالله الفيصل، وقصائد لحسين عرب، وطه زمخشري، فيما أورد محمد القشعمي (38) مادة خبرية وحوارية ومقالية عن طه حسين لم ترد في كتاب بافقيه، منها: قصيدة الشعراوي، رثاء حمد الجاسر لطه حسين، كلمات لعبدالله عريف، وعبدالعزيز الرفاعي، وخطاب عبدالعزيز السلامة، ومقابلة تليفزيونية مع ماجد الشبل، وغيرها من المواد، التي قد تحتاج إلى مراجعة تاريخية دقيقة أحيانا، حيث يذكر بافقيه ndash; على سبيل المثال- أن مقالة: ماذا تركت في نفسي لطه حسين نشرت في مجلة صرخة العرب ndash; مارس 1955
فيما يذكر القشعمي أنها في يوليو 1955م
ومن هنا يمكن الدعوة إلى إصدار كتاب مشترك، أو متكامل يضم بشكل موسع هذه العلاقة الثقافية بين طه حسين والمثقفين السعوديين، وهذا ما يمكن توسمه في الباحثين في المرحلة المقبلة.
إن كتابي: القشعمي وبافقيه يشكلان قراءة توثيقية وبحثية عن حضور طه حسين في الثقافة السعودية، ويشكلان إضاءة جديدة لسيرة العميد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.