عبد الجبار العتابي من بغداد: من اللافت للانتباه في قراءة الشعر العربي عبر تاريخه الطويل ان الشعراء العرب لم يلتفتوا الى (العيد) كونه احدى المناسبات السعيدة المهمة قي حياة المجتمعات العربية والاسلامية، فلم يبذلوا جهدا في كتابة قصائد خاصة به يرسمون من خلالها احاسيسهم تجاهه او احاسيس العامة من الناس لاسيما ان لديه مظاهر عديدة وتفاصيل كثيرة، ولم يعبروا عن مشاعرهم فيه كونه فرحة، فقد خلت دواوين الشعر العربي الهائلة جدا الا من اشارات بسيطة وتهان عابرة ومعايدات عادية،واحيانا يستغلونه كوسيلة للعبور الى غرض ما سرعان ما تنتهي مع تراكم العبارات.
وبالتأكيد.. ان هذا عدم الانتباه او عدم الالتفات، الى هذه المناسبة السعيدة المميزة بطقوسها وقيمها الانسانية، يخفي خلفه اسبابا معينة، لانه ليس من المعقول ان يكون الشاعر خارج قوس هذه المناسبة او يجعل نفسه في عزلة تامة ليست فيها اية نوافذ للاطلالة على افراح الشعب ومناسباته السعيدة، ومن هنا وجدنا ان نسأل عن سر ابتعاد الشعر العربي عن الاحساس بالعيد الذي ما زلنا عبر العصور لا نجد من معبر عنه في حياتنا العربية سوى بيت المتنبي (عيد بأية حال عدت ياعيد!!)، وكأن طقوس العيد توقفت عند هذا القول.
يقول الشاعر الكبير محمد حسين ال ياسين قال: كنت ازعم وما زلت ان الشعر الحقيقي خال من الفرح، فلا اعهد في الشعر العربي قصيدة نتفق على انها عالية ابداعية وهي فرحة، لا اعرف.. لان الشعر كما قال الاصمعي قديما وما يزال الامر قائما الى الان (من النكد، فاذا رفه عنه سقط ولان)، هذا نص تعبير الاصمعي، والعيد رفه، فلا تجد في العيد الا الشعر العادي الذي لا يخرج عن كونه موزونا مقفى فيه التعابير والالفاظ الجميلة الدالة على التهنئة والتبريك بهذه المناسبة والا فلا تجد شعرا عاليا حقيقيا لانه فرح والفرح لا يخلق ابداعا.
وحين سألته: ألم يسبق لك ان تطرقت الى العيد؟ اجاب: لا.. لم اكتب للعيد مباشرة ولذاته لم اكتب ولم يكتب غيري من الكبار ايضا، والسبب ان الفرح لا يخلق ابداعا، لا يهز، انا لا انفعل في الفرح، الفرح لا يجعلني منفعلا انفعالا ابداعيا للكتابة ولكن الحزن والكآبة يجعلان الشاعر ينفعل ابداعيا.
وحين سألته: الا يفترض بالشاعر ان يكون قريبا من مناسبات الناس فيتحدث لهم عنها؟ قال: لا يفترض بالشاعر ان يفكر ماذا يريد غيره، المهم ان تكون القصيدة قد انطلقت ابداعيا من ذات الشاعر، واذا صادفت ذاتا اخرى تستقبلها مندهشة معجبة فخير على خير والا فلا يفترض بالشاعر ان يكتب ما يريد الاخرون.
وحين قلت له: لماذا ما زلنا نتمسك ببيت المتنبي ونطلقه ازاء كل مناسبة عيد؟ اجاب ال ياسين: لاننا نريد ما بعد هذا المطلع، لان ما يخص العيد في قصيدة المتنبي هذا المطلع، ومن بعده يبدأ بمدح سيف الدولة والاكثر من ذلك بمدح نفسه حتى ينتهي من القصيدة.
اما الاديب والباحث الدكتور خليل محمد ابراهيم فقال: العيد بالنسبة للشعراء.. قضية انسانية عادية يتكلمون عنها كما يتكلمون عن امور كثيرة، ويكفينا ان نتذكر البيت الشهير للمتنبي الذي يقول (عيد بأية حال عدت يا عيد / بما مضى ام لامر فيه تجديد) وتستمر القصيدة في هذا المجال، وكثيرا ما كان الشعراء يمدحون الخلفاء او يتغزلون بأحبائهم في قضايا العيد ولكن كثيرا ما كان العيد منطلقا للشعراء الى قضايا اجتماعية مهمة مثل مشكلة اليتيم في العيد التي تطرق لها الشاعر الرصافي في قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها (أطلّ صباح العيد في الشـرق يسمـع/ ضجيجاً به الأفراح تَمضـي وتَرجـع) وينتهي الى ان يقول (نهوضاً إلى الغـرّ الصُـراح بعزمـة / تخِـرّ لمرماهـا الطُغـاة وتـركـع /ألا فاكتُبوا صكّ النهوض إلـى العـلا / فإنّـي علـى موتـي بـه لمُـوَقِّـع) حيث انه يتكلم عن ضرورة ان يثور العراقيون على العثمانيين، ومن هنا انت ترى ان الشعراء يتكلمون عن العيد باتجاهات مختلفة، والقصيدة التي تغنيها ام كلثوم (يا ليلة العيد انستينا) مشهورة، فالشعراء اذن.. يتكلمون في قضية العيد ولكن لا يتكلمون عنها كما يتكلم الاطفال بمعنى انها مجرد عيدية واراجيح وتسلية وجمال، هم يتكلمون عنها ضمن المشكلات الاساسية التي يعانونها كأشخاص او يعاني المجتمع وهم من ضمنه، من هنا لا يجب ان ننظر الى الامر على انه مجرد عيد واراجيح وملابس جديدة وجميلة، فالشاعر محمد مهدي البصير يرحمه الله وقف فألقى خطبة في حينه في عام 1920 ليقول (العيد ما لمن لبس الجديد، بل العيد لمن خاف الوعيد)، وانت تلاحظ هنا انه ينقض المسألة التي اعتادها الناس من انهم يلبسون الجديد ويعطون العيديات ويتعايدون فيما بينهم ولكن هو يتكلم عن الذي يخاف الله سبحانه وتعالى، والسؤال المطروح: كم هم الذين يخافون الله فعلا والذين يستطيعون ان يستبشروا بالعيد؟، من هنا ولما كان مجتمعنا مجتمعا متعبا على طول حياته فقلما شعرت انا شخصيا بجمال العيد وعلى هذا الاساس فأنا ارحب بمن يزورني ولكن قلما زرت احدا في العيد، وانا اظهر للناس ارتياحا بالعيد لانهم يزورنني وعليهم عليّ حق ان استبشر في وجوههم، اما ان اكون انا سعيد بالعيد فعلا، فأنا لا اشعر بأن العيد اكثر من يوم عادي فيه من الالام والامال ما لا يختلف عن اي يوم اخر.
وحين سألته: اليس من حق الشعراء العودة الى طفولتهم والاستفادة من طقوس العيد التي كانوا يمارسونها؟ قال: من حقهم..، ولكن اي هذه الاشياء الجميلة في هذا الواقع المر، هذه هي المشكلة، فالامة العربية والاسلامية لم تعش حياة سعيدة ابدا، والشاعر كما اتصوره هو عصب الامة الحساس الذي يؤذيه اي لمس، وحين يكون عصبا حساسا وتكون الحياة كلها قاتمة ومؤسية ومؤلمة ومن فوق الام ومن تحت الام والحروب واقع والقحط واقع والتهميش واقع فمن اين تأتي امتاعات العيد واين تجدها، العيد لايكون سعيدا الا اذا كان الانسان سعيدا فعلا.
فيما افتتح الناقد والشاعر علوان السلمان حديثه ببيت المتنبي ايجعل منه قياسا لما مر به العرب خلال القرون المنصرمة، فقال: لابد لي ان اردد ما قاله المتنبي قبل قرون (عيد بأية حال عدت يا عيد)، ولا اجد بدا من التمسك به عبر كل تلك السنوات التي تتشابه ربما، وان المتنبي قاله في زمانه ذاك فكيف في زماننا هذا حيث الصراعات والاقتتال والحروب والموت الجماعي، ماذا يحدد هذا وماذا يوجد هذا؟ أيوجد قصيدة عيد ام قصيدة فرح، والله لا نستطيع ان نقول نعم، انها لا توجد بيننا الا قصيدة المأساة كون الوطن العربي ما زال يعيش المأساة وهنالك الصغوط العالمية التي تقودها المتحدة الاميركية وقوتها المدمرة، اذ تهديداتها تقتل كل رغبات انسانية اضافة الى الاقتتال الداخلي وخاصة في بلدان العالم الثالث، فما ما دامت الحروب والاحتلالات قائمة وعبر التاريخ الطويل فكيف يشعر الشاعر او المواطن العربي بالفرحة والاحزان تلتف حوله من مكان وزاوية، لكن مع كل ذلك نقول ان قصيدة العيد مقبلة بعون الله وستأتي في يوم ما بعد ان يتحرر الانسان من قيوده التي تكبله، وها انذا اردد ما قاله ناظم حكمت (ان اجمل القصائد هي التي لم تولد بعد).
واضاف: انا ارى ان الاستذكارات للطفولة والعيد تكون من خلال المادة النثرية وليست في الشعرية، هنالك مادة شعرية للطفولة، حيث اجاد شاعر الطفل في بناء وتشكيل هذا النوع من الشعر اما كبار الشعراء فلم يستطيعوا ان يقدموا نصوصا كاملة في هذا المجال، بقدر ما قدموا كلمات او ابيات متفرقة، والسبب ان لحظة الفرح لحظة انية تأتي مع تلك القصيدة او هذه لذا لاتكون الا نتفا من القصائد.
اما الشاعر الشاب حبيب النورس فقال: اولا أود ان اقول ان ما بعد الحداثة تحديدا اصبحت العملية الشعرية بلا مركز واصبح الهامش مركزا وبالتالي هذه القضية نسفت الاغراض الشعرية، نحن الان في قصائدنا كشعراء لا نجد غرضا واضحا او بيّنا في القصيدة، اي بمعنى ان الشاعر يكتب بشيء من الهامشية، بشيء من الغوغائية الشعرية، اي انك لا تخرج بغرض واضح ولا بغرض واحد معين، انه يعالج عدة مفهومات ولكن بوحدة عضوية واحدة، هذا مفهوم القصيدة الحالية، وفي زمن الحداثة تحديدا اتصور ان عملية النأي عن الكتابة ان من يكتب عن العيد سوف يجعل قصيدته ندا لقصيدة المتنبي الشهيرة التي ملأت الافاق بصداها، وبالتالي لا بد ان يكتب شيئا يضاهي او افضل مما قاله المتنبي، واتصور ان الشعراء لايجازفون او لا يغامرون بهكذا مغامرة اي لا يجازفون بالكتابة امام المتنبي .
انا اتصور ان قضية الادلجة السياسية والظروف كونها تلقي بظلالها على الشاعر فهذا شيء اتصوره نسبيا، اي ان نسبة تأثر الشاعر بتلك الاوضاع، في وقتنا الراهن على سبيل المثال ان البلد يمر بأحتلال والكثير من الامور غير الطبيعية او فوق غير الطبيعية ومع ذلك نجد الكثير من الشعراء يكتبون بشكل حالم وللطبيعة بعيدا عن الوضع المعاش، وحين تقرأ لهم تحس انك في زمن اخر.
انا اتصور مسألة الكتابة الشعرية تحديدا عن موضوعة العيد هي مسألة راجعة الى الشاعر ذاته، مثلا الكثير من الشعراء لايمتلكون تلك الذكريات الجميلة والسعيدة كي يكتب عنها ولكن كموضوعة اتصور انهم يتناولونها ضمن القصائد وهناك كثير من القصائد في مناسبات العيد لاسيما في القرن التاسع عشر، هناك الكثير من شعر المناسبات وتجد العيد ولكن لم يتم ذكر مفردة العيد تحديدا والمقصود المعنى الحقيقي للعيد الا في قصائد قليلة ومنها قصيدة المتنبي.
التعليقات