افتتح في الدوحة أمس، المتحف العربي للفن الحديث بحضور أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وعقيلته الشيخة موزة بنت ناصر، وحشد من رؤساء المتاحف في العالم والفنانين والدبلوماسيين. وقد أثار المتحف إعجاب الحاضرين كونه الأول من نوعه الذي يؤرخ للفن العربي في عصرنا الحديث، ويفسح المجال للباحثين للإطلاع على مراحل تطور الفن العربي على امتداد الفترة التي تتجاوز القرن الماضي.

عبير جابر من الدوحة: على بساط ريح من تاريخ الفن حملنا quot;متحف: المتحف العربي للفن الحديثquot;، بين أروقته وصالاته ولوحاته ومعروضاته من منحوتات ومجسمات، ليعرفنا إلى محطات مختلفة مرّ بها المبدعون العرب ليشكلوا حالة بحد ذاتها تستحق التوقف عندها. فقد كان يوم أمس موعداً ضربه العاملون في الشأن الفني في العالم، ليطلعوا على ما يخبئه هذا المتحف لحظة يشرع أبوابه لهم.
فقد إفتتح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وعقيلته الشيخة موزة بنت ناصر، مساء أمس، المتحف العربي للفن الحديث، بحضور حشد من الضيوف العرب والأجانب من رؤساء المتاحف والفنانين والدبلوماسيين والإعلاميين.
وقام أمير قطر وكبار الزوار بجولة على أرجاء المتحف إطلعوا خلالها على المعرض الإفتتاحي الذي حمل عنوان quot;سجّل: قرن من الفن الحديثquot;، وتضمن قرابة 200 قطعة فنية من لوحات ومجسمات ومنحوتات لحوالى 120 فناناً عربياً. على أن يتم تبديل المعارض في أوقات لاحقة بحيث يتمكن الجميع من رؤيتها، وخلال سنتين سيكون الزوار على موعد دائم مع المتحف وسيشاهدون تباعاً ستة آلاف لوحة.

quot;سجّل أنا عربيquot;
استمتع الحضور خلال حفل الإفتتاح ببرنامج موسيقي غنائي لياسين السلمان بعنوان quot;بطاقة الهوية: من نحن، أين نحنquot;، حيث سلطت المجموعة الموسيقية والشعرية الضوء على الفكرة الرئيسة للافتتاح المتمثلة في انبعاث الفن العربي من الشرق والغرب، مع التركيز على موضوع المعرض الإفتتاحي quot;سجّلquot; المستوحى من قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش quot;سجّل أنا عربيquot;. وقد اختار السلمان لهذه المناسبة شعراء ومغنين ومقدمين من بينهم عمر أفندم وشاديا منصور وسهير حماد في مزج للحداثة مع العراقة الكلاسيكية كإجلال للتاريخ والحداثة وخلق مساحة جديدة لصوت الفن العربي.
وقد أثار المتحف إعجاب الحاضرين كونه الأول من نوعه الذي يؤرخ للفن العربي في عصرنا الحديث، ويفسح المجال من خلال مقتنياته التي تصل إلى ستة آلاف عمل فني، للباحثين للإطلاع على مراحل تطور الفن العربي على امتداد القرن الماضي وأكثر، إذ تعود أقدم لوحاته إلى العام 1847 وهي بتوقيع الفنان علي زرعة. أما أحدث اللوحات المعروضة فهي للفنان العراقي ضياء العزاوي وتعود للعام 2008.
وسيفتتح المتحف أمام الزوار يوم 30 ديسمبر، وسيقدم عند افتتاحه أنشطة حرة للأعمار كافة، تشمل مجموعة من الجولات باللغتين العربية والإنكليزية طوال فترة ما بعد الظهر والمساء، وبرامج عائلية تتضمن ورشات عملية ولعبة quot;مطاردة الإبداعquot;، وقراءات شعرية في صالات العرض حيث سيلقي الشعراء الأبيات المؤلفة حديثا والمستلهمة من أعمال في المجموعة وعرض لفيلم مع مناقشته.

يوم افتتاحي طويل
كان أمس يوماً طويلاً من الفعاليات المتلاحقة المتعلقة بافتتاح المتحف العربي للفن الحديث، حيث نظمت إدارة المتحف للإعلاميين من قطر والعالم جولة داخل المتحف عرّفتهم خلالها إلى مختلف المراحل التي شهدها منذ كان فكرة مروراً بمرحلة التأسيس، وصولاً إلى مرحلة التنفيذ.
إنطلقت فعاليات إفتتاح quot;متحفquot; بمؤتمر صحافي تحدثت فيه مديرة المتحف بالإنابة وأمينة المتحف وسن الخضيري، شكرت فيه هيئة متاحف قطر ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، لأنهما جعلا إنشاء المتحف ممكناً. وأشارت إلى أن معرض quot;سجّلquot; الذي يفتتح به المتحف هو نقطة البداية لسلسلة طويلة من المعارض، منها معرضان يفتتحان اليوم الأربعاء في صالة العرض التابعة لمتحف قطر الإسلامي هما quot;محكيّ، مخفيّ، معادquot; وquot;مداخلاتquot;.
وبعد عرض فيلم تسجيلي قصير قدم لمراحل العمل المتلاحقة التي شهدها إنشاء المتحف، تحدث الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني نائب رئيس مجلس أمناء هيئة متاحف قطر ومؤسس المتحف العربي للفن الحديث فأشار إلى أن الفكرة راودته بتأسيس هذا المتحف منذ 25 سنة، quot;لأننا لا نعرف بداية الفن العربي ولا تاريخه ولا مكانته بالنسبة إلى الفن العالميquot;، ولفت إلى أن quot;الحلم تحقق، ولدي آخر بأن يكون هناك متحف للشرق الأوسط وتركيا وإيران والهند وأفريقياquot;.
وتوقف الشيخ حسن عند المحطات الأبرز في تاريخ تأسيس المتحف quot;من عام 1986 الى 1994 كانت مرحلة التجميع حيث عملنا على انتقاء مقتنيات المتحف، تلتها مرحلة اختيار الإسم، فهو المتحف العربي انطلاقاً من الموقع الجغرافي، وهو للفن الحديث الذي يعود لأكثر من مئة سنةquot;.
أما المرحلة التالية فكانت مرحلة quot;زيادة مجموعة المقتنيات وانطلاقة المتحف، ثم في عام2004 ارتأت الشيخة موزة منحنا مبنى مدرسة لتحويله إلى متحفquot;. ولأن المتحف الدائم يتطلب وقتاً طويلاً لينجز quot;إخترنا أن يكون مؤقتاً وبدأنا العمل عليه عام 2007quot;. واليوم أنجز المتحف وهناك quot;خطة لتوسعته لاحقاًquot;.
واعتبر الشيخ حسن أن المتحف quot;سينطلق منه الحراك الثقافي الفني الحقيقي في قطر وسيكون المتحف بيته الأول، كما سيفسح المجال للدراسات وسيغير النظرة للفن في الشرق الأوسط والعالم العربيquot;. مؤكداً أنه quot;أتحمل المسؤولية كما يتحمل الأمير وعقيلته المسؤولية ويدفعون قطر للتطور،وأنا محظوظ في هذه الفترة حيث هناك من يهتم بالفنquot;.

الفن يبدأ من قطر
يعتبر quot;المتحفquot; نتاج أكثر من عقدين من العمل الذي بذله الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني. وقد تبنت المجموعة مؤسسة قطر التي قامت بصيانتها لمدة أربعة أعوام قبل أن تتخذ هيئة متاحف قطر quot;المتحفquot; كمشروع بالشراكة مع مؤسسة قطر.
وقد صرحت رئيسة مجلس أمناء هيئة متاحف قطر الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني قائلة quot;بافتتاح متحف، نحن نجعل قطر مكانا جديرا بمشاهدة واكتشاف ومناقشة إبداعات الفنانين العرب من الحقبة المعاصرة ومن زمننا الحاليquot;. وأضافت quot;إننا فخورون بأن قطر ماضية في كشف هذه الإنجازات الفنية بعمق وإسهاب غير مسبوق، تماما كما قدم متحف الفن الإسلامي وجهات نظر جديدة وواسعة عن تراثنا الذي يعود إلى قرون مضتquot;.
وقال الشيخ حسن quot;إننا نرحب بكل حرارة بالأفراد من بلدنا ومنطقتنا ونرحب بالزوار من كافة أنحاء العالم في هذا المركز من المعرفة والإبداع لطالما انتظرناه. إنّ المقتنين والقيّمين يميلون بشكل متزايد إلى أعمال الفنانين العرب المعاصرين الأمر الذي يعد تطورا نرحب به كثيرا. إلا أن الأنشطة الفنية الحالية يمكن أن تزدهر حقا إذا تم ربطها بشكل هادف مع التاريخ المهم الذي يقف وراء هذه الإنجازات. ويعمق المتحف الحديث عن الفن العربي ويساعد في تقدم إبداع الوطن العربيquot;.
وعلق عبدالله النجار المدير التنفيذي لهيئة متاحف قطر بالقول quot;كان متحف وليد المشاركة العميقة والمتواصلة للشيخ حسن مع الفنانين العرب ورغبته في عرض أعمالهم أمام شعبنا وجمهور العالم. وهذا هو التوضيح المثالي لمهمتنا في هيئة متاحف قطر: بناء فهم عبر الحدود والترحيب بالعالم في الدوحة. ينجز متحف هذه المهمة مستعينا بعنصر الابتكار الذي نطمح له دائماquot;.
كما صرح روجر ماندل مدير هيئة متاحف قطر قائلا quot;يظهر المتحف كيف تقوم قطر بإعادة تحديد دور ووظيفة المتاحف في القرن الحادي والعشرين. إن تجربة المتحف مبنية على الحوار والتفاعل. وقد تم تصميمه منذ البداية لإشراك الجمهور على كافة المستويات، هنا وحول العالم. وهي أهداف مشتركة لجميع مؤسسات هيئة متاحف قطر ndash; لكنها مهمة للمتحف بشكل خاص، في ضوء الدور الذي يلعبه هذا المتحف في مجتمع الفنون الحي المتطورquot;.
وتقول وسن الخضيري quot;يهدف المتحف أن يصبح مصدرا لزواره ndash; بشكل واقعي وافتراضي وعلى المستوى المحلي والعالمي - كي يتعرفوا إلى الفن العربي الحديثquot;. مشيرة إلى quot;إننا فخورون باتباع خطوات سعادة الشيخ حسن كرواد في هذا الحقل المتنامي وبتبجيل الفنانين البارزين الذي أثروا بعمق في فننا الحاليquot;.

عين على المتحف
يستقبل المتحف زواره بمنحوتات تزين باحته الخارجية، عمل عليها نحاتون كبار أمثال آدم حنين النحات المصري الشهير.
ثم يأخذ الزائر طريقه نحو الداخل حيث تطالع قاعة استقبال احتلت جدارها لوحتان لأمير قطر وعقيلته، وبعدها يمكن التجول بين قاعات المتحف العشر: قاعة الدوحة، الحروفية، المعاناة، التاريخ والأسطورة، العائلة، المجتمع، الشكل والتجريد، النزعة الفردية، المدينة، والطبيعة. وهي موزعة على طابقين.
وسيمر زوار المتحف من خلال شرفة تحتوي على منطقة مظللة للجلوس في الهواء الطلق مخصصة للمقهى. ومن بعد الشرفة، سوف يمر الزائرون عبر واجهة تعرض عليها في الليل الصور والأفلام. داخل المتحف، المساحة المرنة مصممة بجمالية معاصرة وغير رسمية. وبأصالة معروضاته نفسها ، يعبر هذا المقر الموقت عن التوازن بين القديم والحديث، وكذلك يعكس التزام المتحف بالتعليم.

ومن ثم يمكن التوجه نحو المنارة التي تتضمن مختلف أنواع التعليم من أنشطة عائلية مفيدة وبرامج تدريبية أو بحوث أكاديمية، أو نحو المكتبة التي تحوي مجموعة واسعة من الكتب والموارد المتعلقة بالفن، إضافة إلى المقهى والمتجر.
يسعى متحف إلى تعزيز الإبداع وتشجيع الحوار وإلهام أفكار جديدة عن الفن العربي الحديث والمعاصر. تصل مساحته إلى 5500 متر مربع (59000 قدم مربع) وهو يقوم في مبنى مدرسي قديم بالقرب من المدينة التعليمية، قام المهندس المعماري الفرنسي جان فرنسوا بودان بتصميمها وتجديدها لتتحول إلى متحف.
ويضم المتحف تشكيلة تمثل الإتجاهات الرئيسة ومواقع إنتاج الفن العربي الحديث الذي يمتد من العام 1847 حتى وقتنا الحالي. ومن خلال ما يعرضه من نظرة شاملة وفريدة على الفن العربي الحديث، يقدم المتحف ثلاثة معارض افتتاحية، بما يتضمن الاستعراض الأول لمجموعته النادرة التي تشتمل على أكثر من 6000 عمل فني. وبالقدر نفسه من الأهمية، يوفر المتحف برامج تشرك المجتمع المحلي والدولي وتشجع البحث والمعرفة، بما يسهم في المشهد الثقافي لمنطقة الخليج والشرق الأوسط ومجتمعات الشتات العربي.

نشاط لاحق
استمرارا للاحتفالات بتدشين المتحف العربي للفن الحديث، يجري تنظيم مؤتمر أكاديمي يومي 16 و17 ديسمبر كتعاون بين المتحف وجمعية الفن الحديث والمعاصر للعالم العربي وإيران وتركيا (AMCA). يناقش خلاله العلماء والفنانون مواضيع من بينها الأساليب الرئيسة للفن العربي الحديث وتاريخ وإيحاءات الثقافة الفنية في العالم العربي ووظيفة النقاد والقيمين في تعريف هذا الحقل والدور المتنامي للتعددية القومية والأسواق.