إيلاف من باريس: أتى إيمانويل هيشت من الإكسبريس على ذكر السيرة الضخمة، التي أصدرها مؤخرا الصحافي النرويجي إنغار سليتن كولين حول حياة مواطنه الكاتب المعروف كنوت هامسون (1859-1952) الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1920، والتي كشف فيها عن مناحي عديدة من حياة ذلك الرجل المتشعب الاهتمامات والميول. وذلك بدءا بأيام الصبا في بلدته الصقيعية ترونوا حيث كان يعمل مساعدا لأحد أكابر أثرياء المنطقة المشتغلين بالصيد هو نيكولاي والسو، الذي يكن له كنوت بيدرسن -وهو اسم هامسون الحقيقي قبل أن يستوحي اسمه ككاتب من اسم البلدة المجاورة: هامسوند- إعجابا كبيرا، نظرا لقوة شخصيته، خلاف ما كان عليه حال خاله الذي عهد به إليه أبواه بسبب عوزهما.
تعلق هامسون حينها بالفتاة لورا ابنة مستخدمه، التي كانت بمثابة حبه الأول. وقد اتخذت في إحدى رواياته البيوغرافية ملامح إدفاردا، والمكتوبة على طريقة روسو، إذ لا يجد فيها بطلها توماس غلان (حبيب إدفاردا) ارتياحا إلا في التحامه بالطبيعة، وفي تردده على الغابات والبحيرات.
جاء في حديث غلان مع زوجة حَدّاد البلدة ما يلي: quot;ثلاثة أمور هن أحب إلى نفسي (...) أحب حلم عشق عرفته فيما مضى، أحب وأحب هذه الرقعة من الأرضquot;- سألته، quot;وماذا تحب أكثر؟quot; أجابها: quot;الحلمquot;. إن هذا الحلم، حسب الكاتب، هو الذي ضيع هامسون، وأدى به إلى النازية. إذ تراءى له في أحلامه تلك، أن هتلر هو من سيضع أسس عالم جديد، حيث سيتاح لبلد النرويج أن يتمتع بسيادته؛ محترما قيم الأرض، ومتخلصا من وصاية الدنمرك والسويد.
حارت السلطات النرويجية في كيفية تكريم كنوت هامسون عندما حلت ذكرى مئة سنة ونصف على ميلاده في العام الماضي. فدون أن ينسوا انه كان خائنا للوطن، فإنه أيضا، كما قال عنه إسحاق باشفيس سانجر، فهو quot;أب الأدب الحديثquot;. وخص في الأخير بتكريم بسيط. ما لم يمنع من التفكير في إنشاء متحف على شرفه في بلدته.
عمد الصحافي إنغار، رفقة عدد من الجامعيين، إلى تبيان مدى موالاة كنوت هامسون للنازية منذ بداية الثلاثينيات، معتمدا على أرشيف شخصي للكاتب، تم العثور عليه بمحض الصدفة مخبأ في صندوقين. ويظهر فيه جليا كونه لا يخفي مساندته للرايخ، لغوبلز ولهتلر الذي التقى به سنة 1943، ولم تجر محادثاتهما كما ينبغي، فطرده هتلر، الذي كان حينها مشغولا بالجبهة الروسية، أكثر من غيرها.
وصف كنوت هامسون هتلر بُعيد موته بأنه quot;محارب في خدمة الإنسانيةquot;. كما قال عنه بأنه quot;مصلح من طينة استثنائيةquot;. بالرغم من ذلك فإن هامسون لم يكن معاديا لليهود، بل أكثر من ذلك مد يد العون إلى الكثير منهم كي ينجوا من الترحيل، كما أنقذ أيضا من المشنقة عددا من المقاومين الشباب.
تأتى نزوعه نحو النازية في البدء من مقته للإنجليز، والذي غذّته الأحاديث العائلية، منذ طفولته، حول الحصار المفروض من طرف البريطانيين على موانئ النرويج إبان الحروب النابوليونية، إضافة إلى تمادي لندن، حينئذ في محاولاتها الرامية إلى الحيلولة دون حصول هذا البلد على استقلاله. لذلك علق أمالا كبيرة على التحالف مع الألمان. ورأى الكاتب بأن كنوت هامسون مضاد للديمقراطية في عدائه للإنجليز.
على كل حال، فقد أتى كاتب سيرة هامسون، حسب الإكسبريس دائما، على شظف العيش الذي عرفه هامسون، حتى في رحلته إلى أمريكا، وعن فشله المتكرر في شؤون الحب. كما أبان فيها عن تشبثه بالأرض وبالعالم القروي، ورغبته العارمة في مزاولة الزراعة جنبا إلى جنب مع الكتابة.
حوكم عليه في قضية عمالته سنة 1947 بغرامة مالية باهظة، ما يعني الإفلاس التام بالنسبة إليه. كان قد فرغ إذ ذاك للتو من كتابه الثاني والأربعين: quot;على الممرات التي ينبت فيها العشب من جديدquot;. كتب حينها: quot;اليوم أصدرت فيه المحكمة العليا حكمها علي، وأنا توقفت عن الكتابةquot;.
بغض النظر عن كل هذا، فإن كنوت هامسون كاتب كبير. وربما قد حان الوقت للعودة إليه وقراءته. ويعتبر كتابه quot;الجوعquot; الذي نشره سنة 1890 من أشهر وأجمل كتبه.