محمد الحمامصي من القاهرة: الإنتاج السينمائي المصري الأجنبي المشترك ـ وكذلك العربي الأجنبي المشترك ـ كان، ولا يزال من القضايا الشائكة، محل الخلاف الدائم بين عدد كبير من السينمائيين، والنقاد، والمفكرين، البعض يدينه ويشكك في نواياه وفي توجهاته الإعلاميّة، البعض الآخر يرحب به، لكن تقييم التجربة يحتاج إلى مناقشتها من منظور إعلامي، تاريخي، اقتصادي، وثقافي، وسياسي، للوقوف على إيجابياتها وسلبياتها، نقاط قوتها، ومكامن ضعفها، وهذا ما فعلته الناقدة السينمائية أمل الجمل في كتابها quot; أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصريةquot;
صاغت الكاتبة سؤالها الأساسي انطلاقا من: هل رأس المال الأجنبي المشارك في إنتاج هذه الأفلام أثر على طبيعتها سواء من حيث الشكل، أو المضمون؟. هذا بدوره تطلب طرح عدة أسئلة فرعية منها: ما هي التوجهات الإعلاميّة لأفلام الإنتاج المشترك مع الدول الأجنبية؟ ما هي التيمات، والموضوعات التي طرحتها هذه الأفلام؟. هل موضوعات تلك الأفلام تمس واقع المجتمعين المصري والعربي، وتعبر عن مشاكلهما؟ هل تمتعت تلك الأفلام بقدر من الحرية لم يعد متاحا للسينما المصرية الخالصة أو العربية الخالصة؟. هل تعرضت موضوعاتها إلى quot;المحرماتquot;، وquot;الممنوعاتquot; في السينما المصرية والعربية؟ ما هو تقييم الرقابة لهذه الأفلام؟ لماذا فرنسا دون غيرها؟ وهل يُعد الإنتاج السينمائي المصري الفرنسي المشترك حقاً هو الأكثر قيمة بين كل الإنتاج المصري الأوروبي والمصري العربي بدءا من فيلم quot;أرض النيلquot; 1946 وصولاً إلى فيلم quot; باب الشمس quot; 2004 والذي حرم من الحصول على الجنسية المصرية لأسباب مالية؟ وفضلا عن كونه الأكبر عددا إذ بلغ نحو ثمانية عشر فيلما روائياً طويلاً فهل يُعد معظمها حقاً من العلامات الهامة فى تاريخ السينما المصرية والعربية؟ هل كان من الممكن إنتاج هذه الأفلام برأس مال عربي؟ أيهما أكثر أهمية فى تاريخ السينما المصرية تلك الأفلام المنتجة برأس مال عربي، أم تلك المنتجة برأس مال أجنبي؟.
هكذا يأتي الكتاب كمحاولة للإجابة على بعض أو كل هذه الأسئلة بأكبر قدر ممكن من الدقة العلمية، تقول الكاتبة: في النصف الأول من القرن العشرين كان ضعف السوق المحلى أحد المشاكل الخطيرة التي واجهت صناعة السينما في العالم، وهى المشكلة التي عانت منها السينما الإيطالية، والفرنسية، خاصة فيما بعد الحرب العالمية الثانية. المشكلة ذاتها واجهت السينما الأسبانية واليوغسلافية في أوائل الستينيات، لكن هذه الدول لم تستسلم، فإلى جانب بعثات التسويق، وإقامة أسابيع الأفلام فى الخارج، اهتمت بعقد اتفاقيات الإنتاج المشترك بينها وبين الدول الأخرى، عُقدت الاتفاقيات بين رجال السينما الإيطالية والسينما الفرنسية، وبمقتضاها أصبح الفيلم الإيطالي لا يعامل معاملة الفيلم الأجنبي داخل فرنسا، ومثله الفيلم الفرنسي داخل إيطاليا، وعقدت اتفاقيات مماثلة بين إيطاليا، وإنجلترا، وأسبانيا، ويوغسلافيا، أمريكا هي الأخرى أدركت أهمية السوق الخارجي، فاعتمدت عليه لتغطية نفقات الإنتاج، لأن السوق المحلى لا يغطى سوى 75% من تكاليف الفيلم.
وتضيف: كانت السينما المصرية هي الأخرى تعانى منذ الأربعينيات من ضعف السوق المحلى، الذي كان يأتي بـ 40% فقط من إيرادات الفيلم.. فحاولت فتح أسواق جديدة أمام الفيلم العربي، أن الإنتاج المشترك سيكون نافذة للفيلم العربي على أسواق العالم جميعا، وبدأت أولى تجارب الإنتاج المشترك في مصر عام 1946م مع فرنسا، ثم إيطاليا، وأسبانيا، لكنها كانت محاولات فردية لا تساندها الدولة، ومن ثم لم يكن لها الأثر المرجو فى تطور السينما المصرية، وتوسيع أسواقها. ثم شارك القطاع العام ـ متمثلاً فى الشركة الحكومية quot;كوبرو فيلمquot; ـ ابتداءً من عام 1963 في إنتاج عدد من الأفلام المشتركة لكنها فشلت تجاريا، وهاجمها النقاد، اعتبروها كارثة قومية، ضاع فيها رأس مال الشركة المقدر بنحو نصف مليون جنيه مصري في ذلك الوقت، بعدها توقف الإنتاج السينمائي المصري الأجنبي المشترك في الفترة ما بين 1972- 1985. حيث شهد منتصف الثمانينات بداية مرحلة جديدة من الإنتاج السينمائي المصري المشترك مع فرنسا. مع ذلك شهد عام 1985 بداية مرحلة جديدة من الإنتاج السينمائي المصري المشترك مع فرنسا، تم معظمها عن طريق شركة quot;أفلام مصر العالميةquot;، أخرج منها quot;يوسف شاهينquot; نحو ثمانية أفلام مشتركة مع فرنسا، وظهر مخرجين آخرين في إطار هذا الإنتاج مثل: quot;يسري نصر اللهquot;، quot;عاطف حتاتةquot;، quot;أسماء البكريquot;، quot;خالد الحجرquot;.
وترى الجمل أن النصف الأول من السبعينيات شهد ظهور عدة تجارب سينمائية مصرية مشتركة مع عدد من الدول العربية منها لبنان مثل quot;حبيبتيquot;، وquot;أجمل أيام حياتيquot; والفيلمين من إخراج quot;هنري بركاتquot; ومن إنتاج عام 1974.. كان المستوى الفني للفيلمين متواضعاً. لكن على مدار السبعينيات وأوائل الثمانينيات ظهرت تجارب آخرى مشتركة بين منتجين سينمائيين مصريين وبين شركات إنتاج جزائرية. أخرج quot;يوسف شاهينquot; منها ثلاثة أفلام مهمة في تاريخ السينما المصرية والعربية هىّ: quot;العصفورquot; عام 1974 ـ وquot;عودة الإبن الضالquot; عام 1976 ـ quot;إسكندرية ليهquot; عام 1979. وأخرج quot;خيري بشارةquot; quot;الأقدار الداميةquot; عام 1982.. ثم ظهرت تجربة فيلم quot;عصفور الشرقquot; عام 1986 وهو إنتاج مشترك مع إحدى الشركات السعودية. وجاءت تجربة فيلم quot;ناجي العليquot; 1992، وهو إنتاج مشترك بين شركة quot;إن. بي فيلمquot; ومجلة quot;فن اللبنانيةquot;. وجميع هذه التجارب جاءت بعيداً عن الدعم الحكومي.
وتلاحظ الكاتبة أن عدداً لا بأس به من أفلام الإنتاج المشترك نال ترحيباً عالمياً وحصد الجوائز على غرار laquo;المهاجرraquo; و{اليوم السادسraquo; ليوسف شاهين، laquo;سرقات صيفيةraquo; و{المدينةraquo; و{باب الشمسraquo; ليسري نصر الله، و{الأبواب المغلقةraquo; لعاطف حتاتة.
كذلك تلاحظ أن الأفلام المنتجة برأسمال أجنبي جاءت أكثر أهمية من تلك المنتجة برأسمال عربي، باستثناء حالات نادرة، من بينها: laquo;العصفورraquo;، laquo;عودة الابن الضالraquo;، laquo;إسكندرية ليهraquo; (وكلها لشاهين)، و{ناجي العليraquo; لعاطف الطيب.
وتوضح الجمل أن المخرجين الذين تحدثوا عن تجاربهم في مجال التعاون المشترك أكدوا أن الجهات المشاركة في الإنتاج لم تحضعهم لأي تنازلات، وأن الجانب الأجنبي لم يتدخل في السيناريو، على رغم ذلك كانت التهمة الجاهزة هي الإساءة إلى سمعة مصر التي رافقت نسبة كبيرة من هذه الأفلام، أما التهمة الأخرى فكانت أنها laquo;أعمال فولكلوريةraquo; مصنوعة بأموال الغرب ومن أجله وموجهة إليه. الحق أن هذه التهم غبر صحيحة ودقيقة، وهي لا تضرّ بسمعة البلد.
الفرصة سانحة اليوم للتعاون مع الإنتاج الأوروبي والأجنبي عموماً، لكن مع الوعي بمخاطر اللعبة، فهي سلاح ذو حدين، وعلى قدر وعينا يتم توظيف هذا التعاون لخدمة مصالحنا وقضايانا.
قال يوسف شاهين يوماً: laquo;ما دفعنا نحن والفرنسيين إلى التعاون سوياً حاجة أحدنا إلى الآخر، ولإنجاز عمل قوي يتجاوز نقاط الضعف لدى كل منا، فنحن نعاني من محدودية الإمكانات بما يؤثر على وضوح الأفكار، وهم يعانون من انحراف السينما لديهم نحو سينما الكلمة. إنها محاولة لمواجهة الاحتكار الأميركي المتوحش لصناعة السينما ولأسواقهاraquo;.
اللافت أن شركة شاهين laquo;أفلام مصر العالميةraquo; أنتجت وحدها 36 فيلماً مشتركاً مع دول عربية وأوروبية، أي بنسبة 50% من إجمالي الإنتاج المصري المشترك في تاريخ السينما المصرية، وما زال بعض هذه الأفلام التي أخرجها شاهين نفسه يثير النقاش إلى اليوم من بينها: laquo;الناس والنيل، العصفور، عودة الابن الضال، الوداع يا بونابرت، اليوم السادس، إسكندرية كمان وكمان، المهاجر، المصير، الآخر، سكوت هنصور، إسكندرية نيويوركraquo;... إلى جانب الفيلمين القصيرين: laquo;القاهرة منورة بأهلهاraquo;، laquo;كلها خطوةraquo;.
تختتم الكاتبة أمل الجمل بنتائج حول السينما المصرية المشتركةrlm;..rlm; فعلي مدي تاريخ السينما المصرية تم إنتاج نحو اثنين وسبعين فيلما سينمائيا عن طريق التعاون المشترك ما بين روائي طويل وقصير وتسجيلي تحقق منها نحو اثني عشر فيلما بالتعاون مع دول عربية في حين تم إنتاج ستين فيلما مع دول أجنبية متنوعة احتلت فرنسا الترتيب الأول بنصيب أربعة وثلاثين فيلماrlm;.rlm;

المؤلفة في سطور
باحثة وناقدة وإعلامية متخصصة في الكتابة السينمائية، وتكتب القصة والسيناريو، تتابع عن قرب الحركة السينمائية المصرية والغربية، ولها العديد من المقالات المتميزة في هذا المجال فضلا عن كتبها التي منها quot;بعيون امرأةquot; هو سيرة ذاتية ترصد فيها رحلتها مع الكتابة، وquot;السينما العربية المشتركة.. فيلموجرافيا quot;.

المؤلف: أمل الجمل
الكتاب: أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية
الناشر: سلسلة آفاق السينما ـ هيئة قصور الثقافة
سنة النشر: 2010
عدد الصفحات: 466
القطع المتوسط