الغرب ما بعد الحداثي هو الذي أعادنا إلى القرون الوسطى. دخلنا في انتخابات نزيهة، فعاقبنا سياسيّوه، بأن جعلونا مجرد معطى إحصائي في أكبر قفص على البسيطة. وعاقبونا أكثر، فجعلونا: نخلط السولار بالملح، ونطهو طبيخ البامية. الغرب ما بعد الحداثي؟ آ، وما بعد السريالي وما قبل الأخلاقي، والدليل: هذه الطبخة!

*

وعدتنا أوسلو أن نصبح مثل سنغافورة. صدّق المهابيل الوعد، ونسوا ألف عام من التخلّف. مالها الصومال؟ الصومال أقرب وأصوب.

*

على شواشي الغيم، ثمة رغيف بلا شحبار. على شواشي الغيم، ثمة امرأة بلا شحبار.
مع بابور السولار المصري ذي الفتيلة، كل شيء تشحبر في البيت، حتى وجه الطفل الرضيع وحتى ثدي المرأة البيضاء.
لذا دعونا نحلم: على شواشي الغيم، ثمة ... إلخ إلخ.

*

غير مسبوقة: هذه الفجعنة في الأكل غير مسبوقة. كلما قلّ الأكل، زاد نهَم الأولاد، وتحوّل ازدراد اللقيمات إلى غُلمة. كلا، ثقافتي لا تنفع. كلا، يجب إحالة الأمر لمُعاوني فرويد.

*

أفكّر جدياً باستلال كل كتب الرهبان من مظانّها المهجورة في مكتبتي، وتقريرها كواجب دراسي على الأولاد وأمهم. خاصة ذلك الكتاب الذي يتكلّم عن راهب يوناني عاش في القدس، وكان يكتفي بحبة فاكهة كل 24 ساعة. يعني، مش لهذه الدرجة، إنما القصد، إدخال نفحة من الروحانية على هذه الأفواه كاملة النّهم.

*

السؤال الوجودي الواجب طرحه الآن هو التالي: هل تسيبي لفني لها مثل باقي النساء؟ وتغنج في تلك اللحظات الإلهية مثل باقي النساء؟ فعمّنا سراماغو يقول: كل امرأة في السلطة هي رجل. فما بالك إذا كانت امرأة في سلطة في إسرائيل؟ على اعتبار أنّ إسرائيل، وفق التنقيب الأنطولوجي، وبما هي استعمار كولونيالي حديث، هي أكبر سلطة ذكورية في تاريخ عالمنا المعاصر.
لذا، السؤال الوجودي الواجب الطرح يظلّ هو هو: هل تسيبي لفني هي أنثى؟
من أسف، كاتبُ هذه السطور، لا يستطيع التنقيب بحثاً عن جواب.

*

دوغمائي يتقاتل مع ديماغوجي، وعلى 11 مليون فلسطيني أن يدفعوا الثمن.

*

يزورني وافد جديد على حرفة الفقر. قبل أن أفكّر في قراءة كتابه المهدى إليّ، أسأله: لأيّ التنظيمات تنتمي؟ إن نبس وقال لِ ...، أَضمر فوراً عدم القراءة. وهكذا دواليك مع غيره وغيره. ربما أظلم بعضهم، لكنني يقيناً أقتصّ لمسيرة طويلة تعرّضت خلالها للظلم، عبر سنوات وعقود.
أديب وفي قالب؟ يفتح الله يا عمّ.

*

أقول للجندب: يا أخي.
ولليمام: يا صديقي.

أقول يا ذا النور في السماء
أعطني: المزيدَ
كي أحب كل حجر وكل بشرٍ على طريقي.

*

فم طفلها على فم ثديها، وما من حليب كاف.
وعلى اثنين تحديداً أن يخجلا من هذا المشهد: الله ويهوه. بصفتهما متعهّدَيْ هذه المنطقة.

*

أشرّ الحصار: خلوف فم المرضعة. أشرّ الأيام: أن ترى وتفكّر أنّ الكتابة هي حل. وأشرّ الشرّ: هو أن تنسى وألاّ تكتب!

*

... وكأنما مُتأسلمو أيامنا لا يحسّون بعذابات الآخرين.
من فضلك! إمسح quot;كأنماquot; فوراً. وإلا لن نتفاهم.

*

نأمل في حكومة مصر، عندما يأمل شعبها بها. البلد الذي لا خير فيه لمواطنيه، لا خير فيه لأحد.


*

1 + 1 = 2. برافو يا سميحة.

*

أينما ولّيت وجهك في نواحي غزة، ثمة اثنان: واحد يبيع الكاز وكأنه quot;الله الصمدquot;، وواحد يشتري الكاز وكأنه quot;عبد الصمدquot;.

*

لا أعرف لمَ يعنّ على بالي أن أتصوّر شوقي أبي شقرا، واقفاً بالبيجامة في ساحة خان يونس، بين مئات المواطنين، وفي يديه غالون فارغ، وينتظر ...
أأكون قرأت له يوماً عن بائع كاز أو شيئاً من هذا الموديل؟ من يدري. تحدُث.

*

ليس لدينا هذا التقليد، ولا لدى غيرنا: رفْض الجوائز. سارتر فعلها مرة، وصنع الله مرة، وغويتيسيلو مرة، ثم سُك على الموضوع. يمضي دهر ولا نسمع عن أديب رفضَ جائزة. أهو نقص أخلاق لدى الأدباء، أم طمع دنيا؟

*


ناقد تنويري quot;عظيمquot; يقبل جائزة ديكتاتور ظلامي quot;عظيمquot;. عظيم يأخذ من عظيم، فما دخل الصعاليك؟

*

هل جرّبت هذا العقاب؟ أن تقرأ لبعضهم ثلاثين عاماً ثم تكتشف أنهم لا يستحقون؟

*

1 + 1 = واحد وظلّه. شاطرة يا آمال. هناك تقدم في المسائل.

*

الهذيان خصيصة بشرية. هل رأيت بغلاً أو رئيس تحرير صحيفة قومية يهذي؟

*

الناس في غزة تنظر إلى مصر من باب العشم. حاكم مصر ينظر إلى غزة من باب التوريث. معظم المصائب تأتي من باب اختلاف زاويا النظر هذه.

*

لا أنصح النباتيين بقراءة دستويفسكي _ مع أنهم الأقرب إلى روحه ومزاجه. ذلك أنّ أبا الرواية الأعظم، كاتب من وزن ثقيل، لا يقدر عليه إلا أكلة اللحوم، ثلاث وجبات في اليوم.
بعد أن قرأته كاملاً، لزمت الفراش مريضاً مدى أسبوعين.

*

كلما اشتقت إلى مراهقتي وشبابي، عدت لروايات نجيب محفوظ [خاصة الثلاثية]. كم مرة قرأت هذه الملحمة؟ لا أعرف. لكنني أعرف جميع أسماء أبطالها، وصلة القرابة التي تربط هذه بتلك من البطلات.
اليوم أعود لأقرأها، قراءة نوستالجيا إيروتيكية. فلي تاريخ شخصيّ مع بطلاتها.
الصفحة الفلانية مثلاً، ما زالت قادرة على تفجير ينابيعي. الصفحة العلانية لا. ذلك يعني أنني تغيّرت.
ذلك يعني أنّ مرور 33 سنة على القراءة الأولى، ليس بالشيء القليل.

*

أنزل إلى السوق. بمئتي شيكل أشتري ما كنت أشتريه بخمسين. وداعاً للراتب! غدا مع الحصار مجرد أوراق بلا مردود ولا بركة. الحصار يشتدّ وثمة طبقة جديدة من الأثرياء تنولد كالفطر: تنولد وتسحب من جوع الغلابا ودموع المستورين لتعلو وتتضخم.
أحدهم، من أقرب الناس إلي، في غفلة سنتين صار مليونيراً! ترى ماذا يقول عمنا quot;الروائيquot; محمود الزهار؟
أعرف كل ما يمكن أن تقوله حماس، دون أن تقوله. لكنني لن أكفّ عن العجب من سماسرة السفينة الغارقة. سابقاً ولاحقاً و .. ومستقبلاً أيضاً.
الشعب الفلسطيني هيك: يا إما سارق، يا إما مسروق. لذلك قابلني إذا صار لنا مكان تحت الشمس!
مكان تحت الشمس؟ ليش هو إحنا من سلالة بن غريون ولا مؤاخذة؟

*

في خطبة الجمعة قبل يومين، هلكنا الخطيب وهو يتكلّم عن ديننا وأخلاقنا. استمعت للخطبة مرغماً من بيتي. وعلى غير العادة: على غير العادة أبداً: فتح لي هذا الخطيب باباً للتأمل: الدين والأخلاق! هل ثمة زواج كاثوليكي بينهما، كما يُحاولون إيهامنا؟
كلا. وإليك هذا البرهان الصارم، ومن آسيا أيضاً: اليابانيون من أفضل الناس أخلاقاً في المعمورة، ولا دين سماوياً لهم.
إذاً فليكفّ هذا الخطيب الحنجوري عن جعل الأخلاق نتيجة حتمية للدين. الأخلاق سبقت الأديان، تاريخياً، وستبقى بعد زوالها _ إن زالت. ثمّ إنّ لكل ناس أخلاقهم، المنبثقة من تاريخهم وجغرافيتهم. وما هو سيء عندي ربما يكون جيداً عند غيري.
إلى هنا وضحكت. يا كم ينسى حالهم المثقفون! الرجل غلبان، وأنت حمّلتها أكثر من طاقتها يا باسم!

*

هل يتذكّر الواحد منا مكان انبثاق دمعته الأولى؟ غالباً لا للأسف. فيما غالباً أيضاً ما يتذكّر مكان انبثاق نطفته الأولى.
نطفته الأولى؟ ومكانها؟ سقا الله تلك الأيام وذلك المكان، حتى لو كان في مرحاض عموميّ!
كلما مررت بذلك المطرح، شعرت نحوه بحنان خاص، وظللتني غمامة شفيفة من الشجن.
إنّ هذا، من ضمن أشياء كثيرة، ما يُقوّي ارتباطنا بالجذور، وما يُعطي للوطن معنى.

*

كيلو البندورة بعشرة شواكل. السيجارة الواحدة بشيكل. كم تساوي لحظة التحليق والانفصال عن الواقع؟
لو كان الأمر أمري، لجعلتها ببلاش. لكنني أعرف بالتجربة كم هي مكلفة. بعضهم يستدعيها بالحشيش والبانغو والكحول. أنا ألجأ للأرخص والأنبل: للكتب. أتوقّف عن التدخين أسبوعاً، وأشتري كتاباً.
ومع هذا، ثمة من يتهمني بفضاوة البال والتبذير!

*

جارتنا مدرّسة الوكالة الشابّة، ماتت حرقاً من بابور الفتيلة. منذ علمت بالخبر وأنا في ديالوج رديء مع الله. طبعاً هذا عجز ونكوص. لكنها ثقافتي ومحيطي فماذا أفعل؟ لا نقدر على الحمار فنفُطّ على البردعة!

*

إلى الآن، 176 إنسان ماتوا متفحّمين من مواتير الكهرباء الصينية _ وارد الأنفاق. مواتير وخيمة الصنع يعمل معظمها على البنزين، فتصوّر! يأتي رب الأسرة بالماتور، وبغالونات البنزين، ويكدسها في البيت المزدحم.
كل يوم ولنا حكاية. وما من أحد من حكومة حماس، فكّر بتفحّص هذه الأجهزة، وسحبها من الأسواق والبيوت. أتعرفون ليش؟ لأن كل موت عند حماس هو قسمة ونصيب.
تقول لهم: الدول المحترمة، والشركات حتى، تسحب عشرات ألوف السيارات الجديدة، إذا اكتشفت في تصنيعها خللاً هيناً، فيقولون لك: يا أخي هذا نقص إيمان، ألم يقل الله عزّ وجلّ quot;ولا يستقدمون ساعة ولا يستأخرونquot;؟

حقاً، لا جدوى من الكلام. لا جدوى، حتى ينزل الفاعل التاريخي من ملكوت السماء إلى تراب الأرض. هه .. ماذا تقول؟ إنهم أذكى وألأم من كل ثقافتك.

*

يا آلهة الأولمبّ: رواية واحدة كالعطر، وخذي وديعتي.

*

يا وزير الحدود: سنة واحدة في واق واق، وخُذ وديعتي.

*

مُتعَبٌ عَبٌ عبُ. لا يقولها لسان الفم الموجود بين الفكّيْن، إنما عصعوص الظهر اللصيق بالطي ...
سلام.