أشرف أبوجلالة من القاهرة: رغم مرور ما يزيد عن 100 عام على وفاته، إلا أن موجة الجدل التي سبق وأن حاصرته في حياته، ما زالت تطارده حتى الآن .. إنه الكاتب وعملاق الأدب الروسي الكبير، ليو تولستوي، الذي عاد للأضواء مجدداً، بعد أن مرت ذكرى وفاته من دون أن يهتم أي من المسؤولين الروس أن يحتفي بها، على عكس ما يحدث مع باقي المناسبات العامة.
تولستوي، الذي توفي في العشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 1910، لا يزال إلى الآن موضعاً للاهتمام، حتى بعد مرور قرن على وفاته. وقد اختلف بشأنه الروس العام الماضي، تماماً مثلما كان يحدث في حياته. حيث اتهم المثقفون الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بوضع تولستوي ( الذي يعد بطلاً قومياً ) في القائمة السوداء. وذلك في الوقت الذي اتهمته فيه الكنيسة بأنه ساعد على سرعة صعود البلاشفة.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية بأن سيرجي ستيباشين، رئيس الوزراء الروسي الأسبق، قد بعث برسالة إلى رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي أصبحت حَكَمَاً في شؤون السياسة والثقافة. وبلغة دبلوماسية، اعترف سيرجي بـ quot;الحساسية الخاصةquot; التي يحظى بها هذا quot;الموضوع الحساسquot;، وطلب الغفران نيابةً عن تولستوي، الذي سبق وأن تعرض للطرد قبل 110 أعوام.
بعدها، مضت الصحيفة تؤكد أن الازدواجية والتناقض في طريقة التعامل مع تولستوي واقع جديد في روسيا. فقد صنَّفه الروس كأبرز من عملوا في المجال الأدبي، وهو ما يعود بشكل كبير إلى الفلسفة الراديكالية التي كان يبشر بها وسط الدوي الأولي لثورة أكتوبر. وقد جاء نشر كتابي quot;War and Peacequot; و quot;Anna Karenina quot; ليُزِيد من شهرة تولستوي بشكل كبير، لدرجة أن أحد المعاصرين وصفه بـ quot;القيصر الثاني لروسياquot;. وكان يستخدم تلك المكانة لكي يشجب الكنيسة، والشرطة، والجيش، وتناول اللحم، والملكيات الخاصة، وجميع أشكال العنف.
وقد أحبه قائد الثورة البلشفية، لينين، واعتبره مرآةً للثورة الروسية، متجاهلاً سلميته وإيمانه بالله. وقبل اقتراب موعد الذكرى الخمسين لوفاته، أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بدأت تحضر للاحتفاء بتلك المناسبة قبلها بعامين، وذلك لكي يصبح النُّصُب الخاص به جاهزاً لأن يتم إزاحة الستار عنه.
وللاحتفال بالذكرى المئوية لوفاته، في روسيا القلقة من الفكر الطوباوي، قالت النيويورك تايمز إنه لم يكن هناك وجود لأي نوع من أنواع مراسم الاحتفاء السابقة هذه. بل على العكس، تم الاحتفاء بشكل بارز العام الماضي بالكاتب المسرحي والمؤلف القصصي الروسي، تشيخوف، بمناسبة مرور 150 عاماً على ذكرى ميلاده، بما في ذلك قيام الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، بزيارة مسقط رأسه.
ومع عرض فيلم The Last Station الذي يسرد الصعاب التي واجهها تولستوي، في موسكو، قبل الذكرى السنوية لوفاته مباشرةً، تبين أن الفيلم قد تم تصويره في ألمانيا، وشارك فيه ممثلون من بريطانيا، وأخرجه شخص أميركي. وقال المخرج والمنتج الروسي، أندريه كونشالوفسكي، إنه توسل إلى جميع الوزراء في الحكومة الروسية كي يدعموه في مراحل إنتاج الفيلم، لكنه أُجبِر على تحمل كافة تكاليف الإنتاج بمفرده، في نهاية الأمر، حسبما نقلت عنه الصحيفة في هذا الشأن.
لكن ذلك لم يكن بالأمر المفاجئ بالنسبة إلى quot;فلاديمير تولستويquot;، الحفيد الأكبر لتولستوي، الذي يشرف على المتحف الموجود في عزبة ياسنايا بوليانا التي يمتلكها تولستوي وكان يعيش فيها. وبصرف النظر عن حفل الاستقبال الذي أقامه وزير الثقافة الروسي، قال فلاديمير تولستوي إن الذكرى السنوية لجده الأكبر اتسمت بتجاهل متعمد له. وأضاف قائلاً :quot; تحاول أي قوة أن تُكَيِّف العظماء مع احتياجاتها. والسلطات الحالية لا تتكيف معه، أو أنهم ليسوا ماهرين بالقدر الكافي. ربما يكونون على ثقة كبيرة من أنفسهم لدرجة جعلتهم لا يعتقدون أنهم في حاجة إليهquot;.
التعليقات