علي خصباك: الأغتراب يستفز المخيلة يسحبها الى صحرائه، وأنت تتأمل هذه الصرخة الخارجة لتوها من الروح، تختلط أمام عينيك تريك نفسك وانت تعدو خلف حلم طفولي دثرته الأيام، وتستذكر لحظة خسارات مابعدهاخسارات، فبين كف أمك الحانية، يسحبك من ياقتك دوي مدافع وقسوة شظايا تبحث عنك أيها المرمى! تسقط من جيوبك ألوان (الباستيل)، ويدفعك صوت مرعب الى خندق أو ساتر أو ارض حرام..!
في تلك الصرخة تتقيأ كل أحلامك وأمنياتك وخساراتك ووقائعك.. الحب الذي لم يكلل بالنجاح وصار مجرد لون وردي شاحب رسمته مرة على أوراق دفترك الصغير.. تستذكر المسافة مابين البيت والمدرسة، ترقب العصافير والشجر، وتحدق على أعالي البنايات بحثا عن مَعلَمٍ صغير لترسمه ذات مساء، تستذكر وعود والدك بشراء شئ ما يفرحك ولم يفعل حينما تكتشف وبعد أن تاخذ دوره كم كان يكدّ ويكابر..!
في تلك الصرخة ترى نفسك تتقافز مابين أربعة عقودٍ من الزمن مضت، ولكل عقد منها قصة بل قصص، أحلام ضاعت ورغبات تكسرت على حجر الزمان القاسي..
صرخة تشبه ساعة نيلك درجة عالية من النجاح، فصرخت روحك، ودارَ رأسك وعيناك بلا حراك.. تشبه لحظة موت الأم والخواطر في داخلك تتعثر ولاتقوى على الأستراحة أو الوقوف أو التوقف..!
صرخة تشبه لونا لمّا يكتشفه أحد بعد، تحتار بلون السماء ولون الماء والشجر والنهر والصحراء، كلها الوان ولكن ماهي الوانها... صرخة حائرة، جمعت كل تناقضاتك وحبك وألمك وحزنك وأحلامك وأوراقك ودفتر خدمتك العسكرية وبطاقة أحوالك الشخصية، لتختصر وطنك..، ترميك خلف الحدود وتطردك، ثم تنده عليك وتومئ لك بوردة..!
صرخة لن يقوى على احتمالها أحد ولن يطلقها أحد على الأطلاق، صرخة غائبة وغير مكتشفة لكنها حاضرة مثل الخاطر الذي يعييك من أن تصفه..
صرخة مفعمة بالأمل وهي تعلن براءتها مماحدث للوطن وتستنكر حرائقه وموته الذي يحدث في كل آن، وعل امل أن يسترد أنفاسه ويضم الحالمين بين حناحيه، يدفئهم من زمهرير الغربة ومن رمضاء الصحارى الممتدة بين الروح والخيال.. صرخة مثل حرائق المخيلة حينما تنتابك ساعة تريد الخلود الى النوم وتشعر انك الوحيد المؤرق على سطح البسيطة ولاأحد يشاركك هذا الهم الهائل من الألم، تشعر انك وحيد غريب، لكنك محب ولن تفرط حتى بهذا الألم الذي هو رصيدك الحقيقي ومدرستك الخالدة..
صرخة بحجم كل مامرّ بك وبحجم بكل ماسيأتي، هو ظاهرتك الأثيرة والفريدة التي لن تكون يوما تحت المجهر لأنها عصية على الرؤية، ولن تبصرها سوى الروح!، روحك وقلبك.
إنها تجسيد حيُّ لمانريد ان نقول، فيدير العالم رأسه لأنه مشغول بصراعاته وحروبه الأزلية من أجل فناء نفسه!
انها تعلمنا التأمل وتمنحنا طرف الخيط ليسحبنا الى ذواتنا التي نسيناها.
صرخة الفنان أحمد جحالي الذي استطاع منحنا أملا من أن ندون صرخاتنا على الفضاء، لنقول ثمة امل له وجود سيعيد لحياتنا التوازن.