حنين عويس: ارتقى المخرج الفلسطيني كامل الباشا إلى نقل المسرح الفلسطيني من المشاهد إلى المحلل للوضع الراهن والظرف المعاش وأحداث الثورات التي يشهدها بعض الدول العربية، فيما قدمه من مسرحية quot;محطات مارتن لوثر كينغquot; مستعرضا ما كان يمثله القس الأمريكي الراحل quot;كينجquot; ورمزيته في الدعوة إلى الحرية والحقوق الإنسانية والعدالة الاجتماعية، برؤية فلسطينية يشاركه فيها ممثلون أمريكيون وفلسطينيون.
فقد جمع الباشا في المسرحية التي كتبها كليبورن كارسون بين التمثيل والغناء والفيديو، واعتمد أسلوب الدمج ما بين اللغتين العربية والإنكليزية مع ترجمة في كلا الاتجاهين لبعض الجمل، وذلك لكي لا يفتقد النص جماليته والرسالة المراد نشرها.
فنون المسرح كرمز للحركة الجماهيرية
جمالية الإخراج كانت واضحة وجلية في عمل الباشا، حيث افلح في عكس الرؤية الفلسطينية للمسرحية الأصلية من دون الإخلال بها من خلال جعلها مسرحية داخل مسرحية بحيث تتناول وصول مخرجة أميركية الى الأراضي الفلسطينية لعمل مسرحية عن مارتن لوثر كينغ بمشاركة ممثلين فلسطينيين وأميركيين ويتم إدخال الكثير من الجمل التي تتحدث عن الواقع العربي والفلسطيني وسط التحضير للمسرحية.
وقال كارسون الذي تعرف إلى كينغ لأول مرة عندما كان في التاسعة عشرة من عمره: quot;هذا العرض هو مسرحية في داخل مسرحية اذ نجح المخرج كامل الباشا بطريقته الخلاقة في عمله ليضيف العديد من التفاصيل التي أضفت جمالا على جمالية المسرحية، لتكون هذه المسرحية هي الأولى التي تعرض بالشرق الأوسط وتتناول الواقع الحاليquot;.
وأوضح الكاتب كارسون أن كتابته للنص جاءت تلبية لطلب زوجة الرئيس كينغ بعد وفاته اذ انه قام بجمع خطبه ومراسلاته ليكتشف أنه انه رمزا للحركة الجماهيرية التي لا يمكن ان توجه من قبل قائد واحد، واننا نناضل ونقاتل ضد الاضطهاد ومن اجل العدالة والديمقراطية.
وأشار أن العمل النضالي أثار فضيلته حيث أنه من خلال ايمانه النص العميق بتجربة الأفارقة في نضالهم بالوسائل اللاعنفية بتحقيق أهدافها وأصبحت أفكارهم رسالة عالمية، متمنيا أن يكون نضالهم مثالا يحتذى به. مضيفا أن نضال الشعب الفلسطيني يعطي أفضل الصور للوسائل المقاومة اللاعنفية على مدار السنوات الماضية.
وأضاف كارسون في حديث للصحافة quot;أنه فخور جداً بأن يقدم الفلسطينيون هذه المسرحية وأنا واثق في أن مارتن لوثر كينغ سيكون فخوراً وهو يرى شاباً فلسطينياً يقف ويعيد قراءة خطاباته. ما يميز عمل العرض هنا (في القدس) أن مارتن لوثر كينغ كان مناضلاً من أجل العدالة والحرية والمساواة وكذلك الشعب الفلسطيني ما زال يناضل من أجل حريتهquot;.
هذا وأكد إبراهيم العبد، مدير مؤسسة الإبداع الفلسطينية quot;لإيلافquot;، أن كينغ الذي اغتيل عام 1986 وهو مناضل أميركي من أصول أفريقية، ينظر إليه كواحد من أهم ينظر إليه كأهم الشخصيات التي دعت إلى الالتزام بتطبيق قواعد حقوق الإنسان. فنضاله من أجل المطالبة بإنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة ما بين الجنسين الأسود والأبيض ليحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 1964.
واستشهد العبد بمقولة لكينغ قائلاً:quot; لدي حلمquot; لدي حلم بأنه في يوم من الأيام ستنهض هذه الأمة لتعيش معنى عقيدتها الحقيقي : نؤمن بهذه الحقيقة: أن كل الرجال خلِقوا متساوين.. لدي حلم أنه في يوم من الأيام وعلى تلال جورجيا الحمراء سيكون أبناء العبيد وأبناء ملاك العبيد السابقين قادرين على الجلوس معا على مائدة إخاء.. لدي حلم أنه في يوم من الأيام أنه حتى ميسيسبي التي تتصبب عرقا من حرارة الظلم والاضطهاد ستتحَول إلى واحة حرية وعدالة.. لدي حلم أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم من الأيام في دولة لن تعاملهم بلون جلدهم لكن بمحتويات شخصيتهم.. لدي اليوم حلم.
وأضاف العبد هذا هو أملنا.. هذا هو الإيمان الذي أعود به إلى الجنوب.. و بهذا الإيمان سنخرج من جبل اليأس نواة أمل.. وبهذا الإيمان سنحول التنافر في أمتنا إلى سيمفونية أخوة جميلة.. بهذا الإيمان سنعمل معا، ونصلي معا، ونقاتل معا، ونذهب إلى السجن للدفاع عن الحرية معا، مؤمنين بأننا سنكون أحرارا ذات يوم.


شعارات رفعت قد تعيق تمويل المسرحية
تناولت المسرحية في 105 دقائق العديد من القضايا الشائكة التي قد تمثل عائق أمام فهم والتمويل من قبل القنصلية الأمريكية في القدس، مصل ما قدمته في احدى مشاهدها كرؤية للعلاقات الفلسطينية ndash; الأميركية، وذلك بطريقة الحوار الذي دار ما بين المخرجة الأميركية والممثلة جورجينا عصفور في دورها كزوجة كينغ، حين يرفض الممثلون الفلسطينيون في مشهد اغتيال الرئيس جون كنيدي لف جثمانه بالعلم الأميركي الذي كثيراً ما يحرقه الفلسطينيون في تظاهراتهم.
وكشفت المسرحية ان الحركة الجماهيرية لا يشترط أن تكون مبدوءة دائما برجال عظماء أو مسؤوليين انما باشخاص عاديين، شباب قادرين على قيادة الثورات للتغيير وايجاد الأفضل، ولهذا فهي نقل مباشر وواقعي لما يحصل في الوطن العربي من ثورات وتجسيدا لما صنعه الشاب التونسي quot;بو عزيزيquot; الذي أشعل شرارة التغيير وانتفض بسببه الشعب.
اذ رفع الممثلون في المسرحية شعارات تنادي بالحرية والديمقراطية والتجديد وأخرى مثل quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot; إضافة إلى ترديد أحدهم تلك الكلمات التي قالها الرئيس الليبي معمر القذافي quot;حارة حارة بيت بيت زنقة زنقةquot;، بما يتناسب مع تسلسل أحداث فصول المسرحية المعدة لتتفاعل مع المستقبل مع نقل صورة الماضي.
ولم ينسى المخرج أن يقدم رؤيته لواقع الانقسام الفلسطيني والحراك الشعبي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية والاختلاف في المواقف السياسية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة ويقول أحد الممثلين quot;الحديث عن النضال عند أبو مازن (عباس) مثل الحديث عن إنهاء الانقسام في غزة.
معلقا الباشا quot;ليست مهتمي تحسين الصورة الأميركية، بل هي وكمخرج فلسطيني التعبير عن ضميري وما يقدمه هذا المشهد برؤية فلسطينية ومن وجهة نظري هذا هو الواقعquot;.