1-
أجل يروعنا صرير مجنزرات فولاذية، تحت ظلال صخرة نحتمي بظلالها، عند طلوع النهار تمكث دقات قلوبنا في الساحات؛ يصلنا صراخ الحيوان الأكبر، دائماً ذات الجوع
الذي يغازل فمه المتآكل وشهيته العظمى للفريسة. يصبغُ من دمها القاني إطار صورته المغبرة؛ ها أني أرى يده تسحب مشجب البندقية، من فوق السطوح نجمة الرعاة شاهداً على حقده المسنن بالوباء، بعفن الأمراض السحيقةِ؛ يهاجر السكان، تتقيء المدن أحشائها، تتوالى بواخر هذيانه ومدافعه الثقيلة، تحتل البحر لكي تولع فيه عود عقابه المشتعل، المياه تطفيء ذلك الشهاب الأخرس، تقاومه الصخرة، الغدران المتماسكة بغرينها، والأسماك التي ستحمل ألوان وأقواس القادم. لا صدى لتفاؤل ضاحك في هذه المعلقة، لكن، مع طلوع الشمس، غادرتها مرارة الأحزان والركوع للصنم الأكبر، أنتَ أمام شعب لا يخر خاشعاً أمام خراتيت السريةِ، والشبيحة، بفوانيسه الليلةِ، مكبرات منائره الشاهقة، وأجراس كنائسه التي ستعزف في صبيحة ما تشييع جثمانه، بعد أن يكون البصاق قد أغطى أدران وجهه المشرئب كنعامة، ستغرقه الأزقة الضيقة في جلبة غضبها وأصواتها الكسيرةِ.

2-
لا تحاكي حمرة عينيه وعربدته التي تجهز على الأشجار، الفتية وطيور البرية. لترفض نياشينه المخضلة بالدم وغبار العقود التي ما زال يحملها على منكبيه، كأرث تمتع بلحم ضحية، منذ نصبه الأب القاتل على عرش فتكه، بعد موت الاجنةِ في بطون الأمهات، بعد تروايح الجمعة، عند مطر أيام الأحاد المتوالية، وصيحات السلالم الصاعدة نحو سماء خابية. لن تجعله يسوق ضناك للمجزرة كما يجز القصاب عنق البهيمة؛ لن تترك الخبز يسقط من بين يديك وأنتَ تهتف للفتاة المدللة، ذات الأسم المعروف، أو ما تحمله من فساتين ملونة؛ حرية، العريس قريب، رقصات الشوارع جاهزة، وقبر الطاغية يزحف نحو قصره وقلاعه التليدةِ.

3-
يقفلون الحارات في النهار، يقطعون الضوء ويحولون الناس إلى العتمةِ، يلوثون سواحل اللاذقية، يسحبون من خلفهم طوطم من مليون رجل، يملأون فم الرجال بالسم والمرارة، النساء، المخيمات، القناطر تأن تحت مدراعات الشخير العالي والضارط في منتصف
الليل، لهم مخالب وأسنان موروثة من عصر التتار ومغول المكائن الحديثة، يثقلون على الهواء، على الروح، على نسرينيات المحبة، على اللوز والمشمش في فراديس حماة، خناجر عربية ضارية تطعن قلب دير الزور العربية، ينهار المعري ومخطوطات بصيرته المضيئة، الشام كومة من الحجارة والكلاب المسعورة، لكن، أنتَ، ستخرج من تحت ركام الذاكرة، من سلاسل الغسق، من سوق الحمدية، من فوق دكة الزبداني، من رغيف جسر الشغور، بساتين تلكلخ وصفارات أنذار البوراج الكاسحة. سوف تعلقُ في دارك المخربة معلقات الأزمنة القادمة.