عبد الجبار العتابي من بغداد: اكد الكاتب مازن لطيف ان ابناء الطائفة اليهودية في العراق لعبوا دورا مهما في عملية لتأسيس الدولة العراقي الحديثة لانهم كانوا من الطبقات المتعلمة والمثقفة في العراق، مشيرا الى انهم جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي تشاركوا مع اخوانهم العراقيي كل هموم الوطن ومشاكله، مبديا اسفه ان يحدث لهم ما حدث من اسقاط للجنسية العراقية عنهم ومن ثم ترحيلهم، فيما هم الى الان يحنون الى العراق ويغنون له.
وقال مازن: لقد انجزت كتابي عن يهود العراق وطبعته ونشرته مؤخرا وهو يحمل عنوان (يهود العراق/ موسوعة شاملة لتاريخ يهود العراق وشخصياتهم ودورهم في تاريخ العراق الحديث)، وفيه تناولت كل ما يخص هذه الطائفة التي عاشت في بلاد ما بين النهرين وخمت خدماتها الجليلة كجزء لايتجزأ من ابناء الشعب العراقي
واضاف: في مقدمتي المدخل للكتاب، كتبت انثيالاتي وتصوراتي، قلت: كنت وما ازال اتابع بشغف وبلهفة كل ما يذاع ويكتب عن يهود العراق في الكتب والصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، وفي نفسي رغبة ملحة للتعرف على تاريخهم وتقاليدهم وعاداتهم وطقوسهم نشأت هذه الرغبة لدي منذ ان كان عمري 6 سنوات حينما كانت جدتي تحكي لي الحكايات عن يهود العراق وكيف تم تسفيرهم وكيف تركوا اللوعة والاسى في قلوب من جاورهم واحبهم واحبوه صادقين، ومكثت ابحث و انقب عن اخبارهم كثيرا خلال عقود طويلة من التحريض ضدهم والدعاية المضادة لهم.
وأشرت الى ان: الكل يعرف اليوم يقينا ان قرار اسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق في فترة حكومة توفيق السويدي عام 1950 وتجميد اموالهم واعتقالهم بصورة عشوائية بتهم ملفقة عديدة، منها الصهيونية والشيوعية ثم تسفيرهم من وطنهم النهريني، جاء في سياق مؤامرة عالمية معروفة، ومن حينها بدا نزيف العراق ومنها طفحت على السطح اشكالية تهجير العراق لخيرة ابنائه كما حدث بعد ذلك في العقود الصدامية العجاف.

انقر هنا: اليهودي العراقي ذاكرتي الممحية

وتابع: وانا هنا اؤكد ان الوطن العراقي خسر جزءا لا يتجزأ من شرائح شعبه واقتطع منه عدد كبير من المثقفين والكتاب والفنانين والسياسيين والادباء والفنانين ورجال الاعمال، وهكذا خسر العراق شريحة مثقفة مؤهلة وواعدة، وخسر كفاءات وملكات كانت تسير بخبرة ومهارة زمام اقتصاد الدولة العراقية الوليدة بعد قرون من الاحتلال والاستنزاف منذ سقوط بغداد عام 1258م تحت سنابك التتار والمغول، وبعد قيام دولة اسرائيل كانت خسارة العراق اكبر من خسارة اية دولة عربية اخرى وقد عاملت مواطنيها اليهود بنفس الطريقة التعسفية الحمقاء كما حدث في اليمن و المغرب و ليبيا ومصر حيث شكل اليهود فيها جزءا هامشيا في الحياة الاقتصادية والثقافية وليس عماد اقتصادها كما كان الامر مع يهود العراق العريق.
و قال مازن ايضا: مازال الناس ممن عايشوا عقد الاربعينيات وقبلها يكنون ليهود العراق اطيب الذكرى واعطرها ويذكرونهم باحترام جم وحنين مضمّخ باعطر الذكريات. اقول ذلك ليس مغاليا او منحازا بل من خلال تجاربي المتواضعة وعلى محك حديثي مع مئات المثقفين و الشخصيات الاجتماعية من مكونات البنية العراقية،وكلهم يلهجون بفضلهم و يتمنون عودة هؤلاء الذين هم جزء لا يتجزا من اهلنا الذين شردتهم ازمنة الضياع والمهاترات والعبثية والتبعية لصراعات سياسية لم تكن لنا فيها ناقة ولا جمل. المفاضلة لهؤلاء لا تقتصر على شعورهم المتوهج بالانتماء الى وادي الرافدين بل من خلال حق مشروع يكفله حضور يمتد خلال 2500 عام وتهاجن وتلاقح ومشيمية للكيان العراقي تفوق كل ممن يدعي الانتماء لعوالم هلامية خارج الاطار الجغرافي العراقي ويجد مبررها بمسوغات دينية او طائفية او عرقية واهية، فمحبة العراق تمثيل الفيصل والميزان وكل من عشق طين الوادي وبيئته وخلقه فهو منتم دون مزايدة عليه من دعاة صفاء الدماء ونسل الارومات والبيوتات.
ومضى يتحدث: قلت في مقدمتي: ان يهود العراق المرحلين الكرام كانوا يشكلون، وبدون مبالغة، جزءاً مهماً وفاعلا من بنية الشعب العراقي، وبالرغم من ان حقهم اغتصب واموالهم المنقولة وغير المنقولة جمدت وصودرت في ارض اجدادهم بعد ان عاشوا فيها منعمين، ومثلما حمل الاندلسيون مفاتيح بيوتهم في غرناطة الى عدوة فاس في افريقيا، فان يهودنا مازالت عاداتهم وتقاليدهم العراقية يحافظون عليها اكثر من كتب تراتيلهم الدينية، ويستغرب كل من يزور اسرائيل عندما يرى كيف يعيش يهود العراق في كنفها في ما يمكن ان نسميها quot;دولة ثانيةquot; هي عراق مصغر يتألف من حوالي نصف مليون يهودي من اصل المئة الف الذين اقسروا على الرحيل، وهم اليوم يمارسون حياتهم وطقوسهم ولغتهم العربية كانهم ما زالوا يعيشون في العراق، الحنين لدى هؤلاء اليهود العراقيين يفوق حنين الكثير من العراقيين من ديانات اخرى ممن استأنس الغربة او انخرط بترفها او انتمى لاوطان وعوالم واصول وبيئات كان ينتمي اليها حتى حينما كان في العراق ويتوق اليها شغفا حتى نالها، ومثل هؤلاء بالنسبة لنا غير ماسوف عليهم، اما يهود العراق فقد انتزعوا عنوة من غرس وادينا الخير المعطاء، مثلما نخيلها التي اجتثت جذورها لا يمكن غرسها في تربة اخرى ثانية، والمعروف عنهم بكاؤهم معنا على كل نائبة تصيب عراقنا الحبيب، فعلى عكس الآخرين من الذين يتشفون بما يحدث فيها، لانهم من اصحاب الضغائن في الوطن وخارجه او ممن نسب الينا اخا لنا بهتانا.
يقول مازن: في المقدمة التي كتبتها توقفت ازاء السنين الطويلة التي مر بها العراق، واستنتجت ما قلته: نشهد جميعنا كيف ان ويلات العراق جاءت ربما جاءت نقمة وحوبة بعد تسفيرهم وتجميد اموالهم، وطردهم من وظائفهم، و التقط رعيل المرحوم عبدالكريم قاسم بلمحة خاطفة خطورة الامر بعد نهاية الحكم الملكي عام 1958 حيث حاول الزعيم بعراقيته المعهودة ان يلغي قرار اسقاط الجنسية عن اليهود الا ان الضغوط عليه كانت اكبر مما يمكن مقاومته، ثم حلت كارثة انقلاب 8 شباط/ فبراير 1963، حينما سيق العراق الى متاهة مسخ الشخصية العراقية وجاء بعدها التيار العروبي، و تعرض بعدها ممن تمسك بتربة العراق من اليهود الى مضايقات شتى اضطر على اثرها الى انتهاج منهج التقية واعتنق الكثير منهم ديانات اخرى كالصابئية والمسيحية والاسلام من اجل المكوث في العراق، وحينما نفق حزب البعث الصدامي غير ماسوف عليه في 9نيسان / ابريل عام 2003، هلل العراقيون الشرفاء وتفاءلوا خيرا وتطلعوا الى العدل واعادة الحقوق المهدورة للاقليات، وحلموا بعودة يهود العراق لكن دجل الاعلام العربي عاد مرة اخرى وحاول وما يزال تشويه صورتهم بالرغم من ان عودتهم ستخفف من وطاة الاستيطان في فلسطين وهو امر مرتجى، لكن يبدو انهم راغبون في دوام وجود اسرائيل، كل النخب العراقية الواعية تتطلع اليوم الى عودة اليهود العراقيين واستعادة مواطنتهم وذلك اعتدادا بما يملكونه من تاهيل حضاري.. ويمكن ان يدخل الامر من باب اهتمام الحكومة العراقية بعودة المهجرين العراقيين عموما، مثلما فعلت سلطنة عمان مع مهاجريها في افريقيا وذلك بعد عدة اجيال اثر نهضتها في مطلع الثمانينيات.

قراءة في فصول الكتاب

الكتاب صدر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد، يحتوي على 278 صفحة من الحجم الكبير، جمع فيه الكاتب أكثر من تسعة وأربعين مقالة ولثلاثين كاتب وكاتبة كتبوا بمواضيع مختلفة في شأن الطائفة اليهودية العراقية.
تضمن الكتاب ثمانية فصول،حيث احتوي الفصل الأول علي مواضيع مثل: الوجود اليهودي في العراق ودور الطائفة اليهودية في تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وكانت من أهم المقالات في هذا الفصل مقالة للكاتب والباحث فكري جواد عبد الذي حصل بحثه علي الفوز في المعهد الأمريكي للأبحاث العلمية في العراق ndash; تاري عام2009، ولمحات تأريخية ليهود العراق وهي ندوة في كلية القانون والسياسة ndash;جامعة بغداد، مقدمة من قبل مركز الدراسات الفلسطينية ومن ضمن المتحاورين(د. احمد سوسة، د فيصل السامر،د. علي الوردي ) كما تضمن مقالة للكاتب توما شماني بعنوان (إمارة حيد اب اليهودية عبر التأريخ ) للدكتور مجيد القيسي، كما تضمن (مناقشات) ثم مقالات عن: امارة حيداب اليهودية في كردستان، والمراقد الينية اليهودية في العراق وتكوين العقل اليهودي العراقي عبر التاريخ.

أما الفصل الثاني الذي تضمن لمحات من تاريخ العراقيين اليهود فقد احتوي على مقالتين للدكتور رشيد الخيون بعنوان ( يهود العراق حُسنً من محاسنهِ)، و الاخرى بعنوان (يهود العراق تجارة معاداتهم ) ومقالة للكاتب والباحث مازن لطيف (المؤلف) بعنوان ( يهود بغداد... تأريخ منسي وشجون حميمية)، ومقال للكاتب والصحفي خالد القشطيني بعنوان (دور اليهود في تأريخ العراق وشخصياتهم اللامعة في العهد الملكي).
وقد تضمن الفصل الثالث مقالات متنوعة عن (ثراء الارث الثقافي) فهناك مقالة للكاتب مازن لطيف بعنوان (الصحافة العراقية اليهودية والموقف من يهود العراق) و (المطابع اليهودية في العراق) ودورهم في تأسيس أول المطابع في العراق وصدور أولي الصحف في العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية في القرن التسع عشر الميلادي.
اما الفصل الرابع فقد تضمن (شخوص يهودية ورموز للثقافة العراقية) مثل (إسحاق بار موشية) اول يهودي يكتب مذكراته عن بلاد الرافدين والدكتور داود كباي.. شخصية خالدة في الذاكرة العراقية، والشخصية الفذة صالح نعيم طويق، ودور القانوني والمالي ساسون حسقيل في مساهمتهِ بتشكيل أول دولة عراقية عام1921 وترأسه لأول وزارة مالية في الحكومة العراقية ومن ثم تعاقبه علي الوزارة لعدة حكومات متشكلة، وعن الصحفية نيران البصون،كتب هذه المقالات مازن لطيف، أما مقالة عن الأديب شمعون بلاص فكانت للدكتور طالب الخفاجي، وعن سيرة الأديب الحلي المولد أنور شاؤول للقاضي د. زهير كاظم عبود.
أما الفصل الخامس الذي تضمن (آراء وانطباعات) الأدباء والصحفيين عن مأساة التهجير القسري لليهود العراقيين، منهم الكاتب الصحفي خالد القشطيني (يوم بكيت على العراق )، والكاتب معين أحمد (يهود العراق الاصل هنا والفرع هناك )، والكاتب والشاعر نبيل ياسين (اليهود العراقيون واستعادة الجنسية) ثم مقالة عن يهود الديوانية ودور عائلة خلاصجي في مجالات الزراعة والتجارة في المدينة للكاتب مازن لطيف، ومقالة للكاتب عامر البياتي بعنوان (يهود العراق.. حب وانتماء متجذر في الوطن الاول)، ثم مقالة بعنوان ( يهود العراق) للقيادي الفلسطيني أبو مازن محمود عباس، أما الكاتب والصحفي سلام عبود فمقالة بعنوان (يهود العراق وخرافة البحث عن وطن افتراضي).
وقد تضمن الفصل السادس (الموسيقى العراقية والحمية اليهوية) وتناول فيه كل ما يخص الفنانين والموسيقيين والملحنين اليهود العراقيين ودورهم في تطويرها وتطوير المقام العراقي ودور الملحن صالح وداود الكويتي في تطوير الغناء البغدادي للكاتب مهيمن الجزائري، وازدهار الموسيقي العراقية للكاتبة العنود العبدلي، وتأريخ اليهود في موسيقي العراق للكاتب مازن منصور.
كما تضمن الفصل السابع (رسائل نعي عراقية الى سمير نقاش) الروائي العراقي الذي تمسك بكتابة قصصهِ باللغة العربية، تضمن مقالات عنه كتبها للدكتور علي ثويني والكاتب طالب الشطري ورياض الفرطوسي والكاتبة فاطمة المحسن.
وتضمن الفصل الأخير والثامن (حوارات مع يهود عراقيين)، مثل الروائي شمعون بلاص، للكاتب والباحث عدنان حسين أحمد، والكاتب نعيم قطان المقيم في (كندا) للكاتبة أنعام كجه جي.
اما ختام الكتاب فكان لمجموعة من صور لشخصيات اليهود العراقيين.