إعداد عبدالاله مجيد: عندما صعد السينمائي الايراني اصغر فرهادي الى المسرح لتسلم جائزة الاوسكار عن افضل فيلم أجنبي، احتفل ملايين الايرانيين في بلده بهذا الانجاز الفريد من نوعه بالنسبة للسينما الايرانية. وانهال سيل من رسائل التهنئة على تويتر وفايسبوك ويوتيوب بأشرطة فيديو عن تجمعات المحتفلين الايرانيين في لحظة اعلان فوز فيلم quot;الانفصالquot; بالجائزة. وأدلى الرئيس السابق محمد خاتمي بدلوه موجها رسالة تهنئة.
ولاحظ مراقبون ان جائزة الاوسكار كانت نبأ سارا في وقت يشعر كثير من الايرانيين بالعزلة وتقرع طبول الحرب بلا انقطاع. ولأول مرة عاشت ايران حدثا لا يتعلق بالعقوبات أو البرنامج النووي. وسهر الايرانيون في الداخل حتى ساعة متأخرة لمتابعة حفل تقديم الجوائز على قنوات فضائية ممنوعة.
وكان السينمائي فرهادي بمستوى الحدث. فعندما صعد الى المسرح وجه تحية باللغة الفارسية وقال ان كثيرا من الايرانيين في انحاء العالم يتابعون الحفل quot;واحسب انهم سعداء جداquot;. واشار الى انه في وقت يتراشق السياسيون بلغة الحرب والتهديد والعدوان فان اسم ايران quot;يُنطَق هنا من خلال ثقافتها المجيدة، وهي ثقافة غنية عريقة طُمرت تحت غبار السياسة الثقيلquot;. وكانت هذه على وجه التحديد الرسالة التي أراد كثير من الايرانييين توجيهها الى العالم.

ولكن جائزة الاوسكار جاءت في مرحلة دقيقة تمر بها السينما الايرانية. ورغم الاستقبال الحار الذي تلقاه الأفلام الايرانية من النقاد في العالم فان الحكومة بدأت التضييق على صناعة السينما المحلية. وأُغلق quot;بيت السينماquot;، وهو منظمة مهنية لدعم السينمائيين، في كانون الثاني/يناير. ومؤخرا حاول فرهادي بلا جدوى استخدام سمعته لمناشدة السلطات إبقاء quot;بيت السينماquot; مفتوحا.
وكانت صناعة السينما الايرانية منذ فترة طويلة هدفا للمحافظين في ايران، وخاض العديد من السينمائيين معارك طاحنة مع اجهزة الرقابة الرسمية للافراج عن اعمالهم. وكثيرا ما كان السينمائيون يوظفون الفكاهة أو يعمدون الى تمويه اي انتقادات سياسية مكشوفة لإيصال افلامهم الى دور العرض.
واخترق فرهادي حقل الألغام هذا بفيلم quot;الانفصالquot; الذي تتناول قصته المعقدة مواضيع مثل الدين والطبقة والعائلة وتمتد في النهاية الى الحكومة الايرانية نفسها. وكان فرهادي في جميع المناسبات التي احتفت بعمله ينفي وجود رسالة سياسية في الفيلم أو يقلل من شأنها إن وجدت. ومن الواضح ان فرهادي كان يضع السلطات في بلده نصب عينيه، كما لاحظت مجلة تايم مشيرة الى انه لم يصافح مادونا عندما قدمت له جائزة الكرة الذهبية، ولا ساندرا بولوك في حفل تقديم الاوسكار يوم الأحد. وربما كان ذلك لأن فرهادي رجل ورع ولكن الأرجح انه يعرف ان مصافحة أو معانقة أو قبلة بريئة على وجنة أي من السيدتين ستوقعه في متاعب حين يعود الى بلده.
وكانت اجهزة الرقابة الايرانية التي لا تغمض لها عين حذرت منذ زمن طويل ان الممثلين والمخرجين الايرانيين سيكونون مسؤولين في الداخل عن افعالهم في الخارج. وعندما ظهرت الممثلة غولشفته فراهاني في فيلم quot;كتلة اكاذيبquot; مع ليوناردو دي كابريو عام 2008 بطرحة خفيفة على الرأس تعرضت لاحقا للاستجواب في طهران ومُنعت لفترة وجيزة من السفر. وفي كانون الثاني/يناير ردت فراهاني التي تقيم في باريس بنشر صورتها عارية الصدر في مجلة فرنسية فقررت السلطات الايرانية منعها من العودة الى ايران.
وفي حالة فرهادي فان فوزه بالاوسكار دفع بعض منتقديه المحافظين الى احتضانه ولو على طريقتهم الخاصة. وبث التلفزيون الايراني الرسمي عقب منح فرهادي الاوسكار يوم الأحد نبأ حاول تصوير فوز فرهادي بالاوسكار انتصارا على اسرائيل في اشارة الى فيلم quot;هامشquot; الاسرائيلي الذي كان مرشحا في فئة الافلام الأجنبية مع فيلم quot;الانفصالquot;. وذهبت وكالة انباء فارس شوطا أبعد من التلفزيون بنشر نص مزور من كلمة فرهادي التي قال فيها quot;أُقدم هذه الجائزة الى شعب بلدي باعتزازquot;. ولكن موقع وكالة فارس نقل عن فرهادي قوله quot;ان الثقافات والحضارات كافة تثمن البشر رغم كل العداء والتوترات التي أُثيرت بين ايران والغرب حول برنامج ايران النوويquot;.
ويبقى ان ننتظر لنرى إن كان فرهادي سيتمكن من العمل بقدر أكبر من الصراحة حين يعود الى ايران أم ان السلطات ستدفعه الى استخدام مكانته النجومية الجديدة لتوجيه رسائل وانتاج افلام تعكس فحوى الكلام الذي نشرته وكالة فارس على موقعها الالكتروني.
في هذه الأثناء يحتفل ملايين الايرانيين مع فرهادي بفوزه.