سلوى اللوباني من دبي: quot;لم لا نفكر كيف سنغسل ثيابنا غداquot;؟ كان هذا كل ما يشغل بال مواطن بسيط كيف يصلح غسالته المعطوبة، مواطن كان يعتبر أن القادم أفضل بالرغم من أنه يعيش في وطن جعل منه نصف مواطن! يعتبر زوجته المريضة ثروته وترياقه، هي كل ما يملك في الدنيا منذ خمسة عشر عاما. مواطن يحس بخوف دائم لا يعرف سببه! هذا النصف مواطن الذي جرده الكاتب هاني نقشبندي حتى من إسم في روايته الجديدةquot; نصف مواطن محترمquot; الصادرة عن دار الساقي، لأنه يعيش في وطن لا يعترف بانسانيته، أما ما هو إسم هذا الوطن؟ فلك عزيزي القارئ أن تختار كما شئت، فهموم المواطن العربي متشابهة وإن تنوعت الأسماء واختلفت الجنسيات!

قطعة أرض
رواية تجسد الصراع بين المحفل والمواطن على الوطن. الوطن الذي من المفترض أنه ملك للجميع، ولكن على حد تعبير الكاتب quot;قال لي جدي عندما كنت صغيرا أن الوطن ملك للجميع. عندما كبرت، وجدت الوطن قد أصبح قطعة أرض يريد كل واحد إمتلاك جزء منها. لقد أصبح الوطن ملك للجميع بالفعل، كما قال جدي، لكنه لم يعد أكبر من الجميعquot;. وهذا المحفل الذي يراقب الشارع ولكنه لا يعيش فيه، لا يعرف عن الشارع شئ، ويعتقد أن لا فقير ينام جائعا في الوطن. ويعتقد بأن الأمن هو دواء لكل شئ، فالأمن يصنع الأوطان بنظر أعضاء المحفل، يملكون أثمن الساعات ولكن لا يعرفون قيمة الوقت، ولا أحد منهم يتوسل سريرا في المستشفى للعلاج، كما يفعل نصف مواطن من أجل علاج زوجته. محفل يعتقد أن الأصوات في الشارع التي تنادي بحقوق متواضعة تهدد أمن الوطن. فكلمة لا في عرفهم جريمة!

الصندوق
تناول الكاتب قضية الصراع من أجل الحرية باسلوب رمزي خيالي، فأعضاء المحفل يتناقشون بالقرارات، وكيفية التحكم بالشارع، وفي الجانب الآخر نرى أن صندوق الزعيم ذو الأربعة عشر مفتاحا هو الذي يملك تأثيرا للتحكم بالشارع، كل مفتاح له مهمة وطنية وكانه جندي في جبهة قتال. مفتاح للنصر، مفتاح للمناسبات الوطنية، إذا أدار الزعيم أي مفتاح منها يتحول الصندوق الخشبي الى منبر إعلامي يغسل عقل الوطن كله! كما غسل عقل الوطن عندما صنعوا من نصف مواطن لم يسبق له أن نظم مظاهرة، أو شارك في مسيرة إحتجاج، ولا شتم أحدا ولا غاب عن عمله سوى مرة واحدة بسبب مرض زوجته، ولا ارتكب مخالفة سير ولا تهرب من ضريبة، وسدد كامل قرض سيارته وإن بقي قرض الخياط الذي فصل له بدلة الشتاء ما قبل الماضي، صنعوا منه إرهابيا لمجرد أن قال كلمة لا! كما ذكر الكاتب على لسان المحقق في الرواية quot;لأنك إذا قلت لا لزوجتك أو لأبنائك فذاك أمر عادي، لأنك تقوله داخل منزلك فلا يسمعك غريب، تقولها لمن هم أدنى منك سلطة ابن أو إبنة أو زوجة، أما لا للوطن فهي خروج عن الطاعةquot;!

الخيانة
على وقع هتافات الشعب الثائر اصطحب النصف مواطن زوجته الى المستشفى لإجراء عملية جراحية مستعجلة، ليكتشف أن البلاد كلها في حالة حداد عام على أحد أقارب الزعيم. يخبره الأطباء أن موعد العملية قد أجل لمدة أسبوع. يفقد أعصابه وصرخ لا الكلمة المحرمة في البلاد. ليجد نفسه في السجن كإرهابي وتهمته تحريض الشعب على الثورة. أما سلاحه الذي أرعب به الوطن فهو أجزاء الغسالة التي كان يحاول إصلاحها..هكذا قرر المحفل..وهكذا نفذ صندوق الزعيم! شخصية النصف مواطن شخصية مركبة، فكانها عدة أشخاص في شخص واحد، شخصية ترمز للشعب بمختلف أطيافه وطبقاته، فيظهر بشخصية جديدة مع كل حدث جديد، فمن مواطن بسيط، الأمل لا زال يسكنه بالرغم من صعوبات الحياة، الى شخصية متوترة ومستنفرة عندما سلبوها أعز ما تملك وهو حريتها، الى شخصية إنتهازية عندما اقترح المحفل الإستعانة به لتهدئة الثورة، فينصب عضوا في المحفل، ويعلن بطلا سيخرج البلاد من الازمة! شخصيات هي من صنع صندوق الزعيم تدفع بالمواطن الى نسيان ذاكرته وتاريخه كما دفعوا بالنصف مواطن الى نسيان زوجته ومرضها، الى العيش مهزوما ومسلوب الإنسانية، شخصيات تحس بخوف دائم أن يكون الماضي هو أجمل ما عاشوه!

الكرسي
منذ اليوم الأول أدرك النصف مواطن، أن الوطن الذي يتحدث عنه الأعضاء داخل المحفل، هو غير ذلك الوطن الذي يعرفه وراء الباب المهيب للمحفل. الباب الذي ترك خلفه أيضا مبادئه ومشاعره وهموم المواطن البسيط، ليظهر لنا شخصية جديدة أنانية منافقة، شخصية تتناسب مع الكرسي الذي يجلس عليه في المحفل، الكرسي الذي منحه الشعور بالقوة. من موظف بسيط....الى خائن..إرهابي..ومن ثم عضو بالمحفل..الى شاهد على مراسم تشييعه الى مثواه الأخير! فالمحفل قرر أن يتخلص منه بعد أن أدى دوره، quot;تقديرا لمكانة المحفل ففط، سنعلن وفاتك ويمكن أن تغادر المكان في صمت ولتختف حيث شئت الى الأبدquot;!
ومثل أي حكاية تنتشر في أرجاء أي وطن..
تناقل الناس حكاية النصف مواطن:
فجر كل يوم، كان يسمع من القبر، حيث دفن عضو المحفل، صوت أنين، وأحيانا صوت غناء
قال البعض أن الله يعذبه على ما فعل بحق زوجته وبحق البسطاء الذين سحق الأمل في نفوسهم. آخرون قالوا أنه صوت غناء لا يأتي من القبر، بل من رجل هرم يجلس عليه لا يعرف أحد من يكون.
ولا أحد يعلم الحقيقة، فما عاد في الوطن من يفيق مع الفجر!

هكذا انتهت قصة نصف مواطن محترم في صراعه من أجل الحرية، الحرية التي عبر عنها الكواكبي قائلا: quot;هي أعز شئ على الإنسان، بفقدانها تفقد الآمال، وتبطل الأعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع، وتختل القوانينquot;

[email protected]