عبد الجبار العتابي من بغداد: صدر للشاعرة العراقية منى سبع درباش مجموعة شعرية تحمل عنوان (عراء الوسائد) عن مكتبة عندنان للطباعة والنشر والتوزيع، تتضمن المجموعة 47 قصيدة تتوزع على 80 صفحة من الحجم المتوسط، وتتنوع قصائد المجموعة ما بين شعر التفعيلة والعمودي وقصيدة النثر، وتتناول الشاعرة في قصائدها موضوعات انسانية تنطلق من الذاتية، لكن ما يثير الانتباه في هذه القصائد انها تضم في دواخلها حزنا كثيفا.

كتب المقدمة لها القاص والروائي محمد سعدون السباهي، حيث قال : هذا الديوان نشيد امرأة ساخطة، تمتليء قصائدها بروح السخرية والهجاء والمناكدة، اللغة السائبة هذه تزنر عوالمها بمسحة حزن عميق ونبيل، لايوجد ما يماثله في قصائد زميلاتها من شاعرات العراق الذي في معظمه: اما داجنا او ايروسيا او معقود اللسان، على نحو يثير الرثاء والغضب معا.

واضاف : هذا الصوت المسكون بالقلق، المسكون بالمرارة يذكرنا في جانب منه بالصوت الذكي المسؤول للشعر السبعيني في العراق حيث ينهض على الموهبة غير الملفقة وعلى صدق النوايا، انها تلويحة مني، خاطفة ومن بعيد، ونترك للقاريء النبيه والناقد المنصف وما اكثرهما ان يقول كل منهما كلمة، كلمة من شأنها ان تمنح الشاعرة المثابرة بعضا مما تستحقه وتعيد لقلبها المضطرب ولو جزء من رجاء مفقود!!

اما الشاعرة منى سبع فقد قالت لنا عن مجموعتها الشعرية هذه قائلة : هي الثانية لي، وكانت الاولى بعنوان (الامل الجريح) وهي تضم مجموعة من القصائد المتنوعة ما بين العمودي والشعر الحر وقصيدة النثر وشعر الومضة، يعني كل الاجناس الشعرية جمعتها في هذه المجموعة، اما المواضيع التي تناولتها فهي كل ما يمس حياتنا وفي كل الاتجاهات، فهناك قصائد للوطن وفيها مراثي وفيها قصائد عاطفية.

* لماذا تكتبين في هذه الاجناس الشعرية كلها؟
- القصيدة هي التي تفرض نفسها عليّ، يعني شكل القصيدة هو الذي يفرض نفسه حين اد نفسي خاضعة لولادة القصيدة، وليس انا من اختار نوع الجنس، فاللحظة الشعرية هي من تترك اثرها على شكل الجنس، فكل قصيدة من قصائدي لها حالة هي التي تفرض الشكل، ولهذا جاءت المجموعة متنوعة، على كل حال كتابتي للقصيدة العمودية ولقصيدة التفعيلة كونها تتضمن الكثير من الموسيقى والصور الشعرية الجميلة التي تقترب من روحي.

* وقصيدة النثر كيف تنظرين اليها؟
- قصيدة النثر فن صعب ويحتاج الى كم هائل من المعرفة، والا فأنها ستكون شبه فوضى وقريبة من الكلمات المتقاطعة، وعموما انا أكتب قصيدة النثر، الا اني أميل أكثر الى التفعيلة والعمود أكثر.

* لماذا اخترت هذا العنوان؟
- من يقرأ المجموعة بتمعن سيعرف ذلك، انا احسست انه عنوان معبر حقيقي عن مضامين القصائد.

* ما الذي تمثله لك هذه المجموعة؟
- انا اعتبر هذه المجموعة خطوة فيها الكثير من النضوج على المستوى الثقافي والعمري.

* لماذا اخترت روائيا لكتابة المقدمة وليس شاعرا او ناقدا؟
- انا لم اختره، بل هو من قرأ المجموعة فكتب عنها، وفي الحقيقة انا لم اعرضها على اي احد، ولكن هذا الروائي هو زوجي، فقد اطلع على المجموعة وكتب عنها دون ان اطلب منه ذلك.

في الانطباع عن المجموعة.. تحاول الشاعرة ان ترسم مديات لاحزانها، فهي تكشف من خلال الصور الشعرية انها امرأة تمتلك صوتا شجيا تعرف متى تطلق نبراته ليكون معبرا عن الحالة التي هي فيها،ومن اغلب العناوين التي وضعتها لقصائدها يمكن استنتاج ما يمكن ان تكون عليه الحالة النفسية للشاعرة، مثل : أرق، خيبة، تشتت، اغتراب، تحدي، حيرة، انتظار، ليل،نهاية، يا ريح عطفك، لجوء، طوفان، قنوط، كلهم اشرار، رجاء، احتاج قلبك، عتاب، رثائيات، طوق نجاة، خجل، وهم الحرية، ومرثية للوطن، كلها تشي ان كل هذه الاشياء تتحرك في قلب الشاعرة وعقلها، تتحرك لتندمج مع بعضها لتكون وجعا كبيرا، او تتفرق لتكون عبارة عن حسرات، وللتأكيد على هذا الوجع فهي ترتجف حين تتكلم وبصوت قريب من الهمس المدجج بالخوف :

(وتلك اشرعتي ظمأى
الشواطيء وعد خجول
والضفاف سراب
ودربي الذي اوهن الخطو مني
يباب
ايتها الريح.. احملي ما تبقى
سرابا.. حطاما
بقيا حنين
هناك ذريني
خلف مداك
غريبا يعود!)

انها تؤكد لمن يقرأها انها تنغمس بالهموم التي تتعدى ذاتها، لكنها في ذاتها تتفن في حرق اجراءات ما تحتمل من هموم وتطلقها لتملأ تلك المديات، فالشاعرة مهتمة بوقائع حياتية تلامس روحها لهذا تنز حزنا كثيرا، واينما تنظر وتجد غبارا من الاسى فأنه يسترعي انتباهها فتعلن النفير في داخلها لتحيطه به من جوانبه بهدوء كأنها تهدهد له لكي ينام ولا يزعج اخوانها المواطنين.

: (خطوتي الى اين؟
وكل المنافذ تفضي
لعالم ضائع
تثمله الخطايا
وتموت فيه الحقائق
عالم، غصة كرنفالاته
وابجديته تحبط اللسان
احمليني.. اجنحتي
انى شئت
فسرادق الـ (homesick)
مد رؤاك
اخرمي جواب الذكريات
اتبعي بوصلة الفوضى
فكل الاتجاهات تشير الى.. اللا وطن!)

من قصائدها :
*(نهاية) :

(اقلب الليل
ابحث تحت عتمة عباءته
عن ومضة
لحظة
او..
او...
لست سوى خطوة كبت
متسول في صحراء
تحدق في الماضي
يا لرأسي المصاب.. بالذكريات)

* (انتظار) :

(عد لي
فكأس العمر مترعة بأهات الرحيل
وخطوتي بثياب وهم الامنيات
تقود عري الروح
نحو اللامكان).

* (ارق ) :
وكما السجين..
ادور في زنزانة الليل الممزق
ليس يصحبني سوى
قلقي.. واوراقي
وبقيا ذكريات
تشدني.. وأشدها
وأفر منها أو لها
سيان..
افكاري شتات
اموت.. احيا
ارتمي بين الجهات
اريد من يحمي ظنوني.. من ظنوني


* ولدت الشاعرة منى سبع درباش في محافظة ميسان،درست الهندسة الكهربائية في الجامعة التكنولوجية،بدأت الكتابة والنشر منذ نهاية الثمانينات، أصدرت مجموعتها الشعرية الاولى عام 2002 وكانت تحت عنوان (الامل الجريح) كما انها ناشطة مميزة في منتدى نازك الملائكة التابع لاتحاد الادباء والكتاب في العراق.