يتحايل أصحاب الحانات والبارات في بغداد على القانون، ويسمون حاناتهم بالمراكز الثقافية والاجتماعية والترفيهية، ما أضر بالكتّاب والصحافيين والاعلاميين العراقيين، فأساءت إليهم وإلى مراكزهم الحقيقية شبهات الخمور والفجور.
بغداد: استغرب الكثير من العراقيين التسميات الجديدة التي صارت تطلق على الحانات أو ما تسمى البارات أو المشارب والخمارات، والتي تحمل صفات الثقافة والاعلام، مؤكدين أن هذه إساءة بالغة للمثقفين والاعلاميين في البلد، مشيرين إلى أن الحكومة يجب أن تسمي الاشياء بمسمياتها وتحميها من الذين يريدون بها شرًا.
يحاول هؤلاء العراقيون استخدام مصطلحات تتماشى مع الواقع العراقي المتشح بالاستفزاز والرهبة، والمليء بالتناقضات والغرائب، للوصول إلى غاياتهم التي يتصورون أنها جزء من حرية كفلها لهم الدستور. لكنهم يشعرون بالخوف، ما يدفعهم إلى ابتكارات لا تثير الحنق في نفوس الآخرين ولا ردود الافعال السلبية.
مراكز ترفيه
انتشرت في الاونة الاخيرة ظاهرة افتتاح المراكز الاجتماعية للترفيه، وهي تحمل عناوين بارزة تشير من خلال اسمائها إلى الاعلام تارة، والصحافة تارة أخرى والثقافة ايضًا مثل المركز الثقافي الترفيهي، والنادي الترفيهي الثقافي الاجتماعي، على الرغم من عدم التقاء الثقافة والترفيه لوجود اشكالية في ما بينهما. لكن التسمية غير مهمة لأنها تؤدي دورها المخطط له للتعبير عن حالة.
فأصحاب هذه المراكز لا يهمهم العنوان سواء كان يحمل اسم الثقافة او الاعلام او الترفيه، فالمهم لديهم أن قارىء هذه اللافتة يفهم المغزى جيدًا.
ولا يرى الكثير من العراقيين ضيرًا في أن تفتح الحانات وتعود الخمارات، خصوصًا في الاماكن التي تشتهر بسمات سياحية أو الشوارع الرئيسية في العاصمة، كما في الثمانينيات، قبل أن تستهدف الحملة الايمانية التي قام بها النظام السابق كل الحانات على اختلاف تسمياتها، ومحال بيع الخمور. تواصل المنع بعد سقوط النظام في العام 2003، حين تم منع افتتاح الحانات، وتفجير محال بيع المشروبات الروحية وقتل اصحابها.
هجوم ودفاع
يقول المدرس عبد الاله عبد الكريم: quot;من الظلم اطلاق صفات الثقافة على اماكن اللهو غير البريء، لأنها ستؤثر على الثقافة والادبquot;.
اضاف: quot;لا أرتاد الاماكن الثقافية ولا هذه المراكز، ولكنني بحسب علمي أن من الظلم أن نطلق اسم الثقافة على مكان للهو غير البريء، لأن هذا يعطي الناس انطباعًا سلبيًا حول الثقافة والادب والاعلام ايضًا، وكأن من يعمل في هذه المجالات وحدهم الذين يمارسون حرية شرب الخمور، وبالتالي ستكون الصورة قاتمة لأن البعض سيربط بين الثقافة والخمر، وربما يتجاوز ذلك عند البعض إلى الكفرquot;.
اما المهندس شاكر مجيد فبرر ابتكار هذه التسميات. قال: quot;انا اعذر هؤلاء فهم يريدون الحفاظ على ارواحهم، ونحن شاهدنا وسمعنا عن القتل والتفجير للعديد ممن يعملون في محال بيع الخمور أو البارات، ففي ظل البطالة الكثير من الناس يضطر إلى أن يعمل هنا، ثم أن الامر ليس خافيًا، والذين يشربون بالآلاف وهم يعيشون بين ظهرانينا فلماذا الاستغرابquot;.
تشويه لصورة المثقف
اعرب الكاتب والصحافي محمود موسى عن أسفه لهذه التسميات، مشيرًا إلى أنها تشويه لصورة المثقف، وقال: quot;إنها محاولة لمراوغة بعض السلطات التي راحت تقمع الحريات الشخصية التي كفلها القانون والدستور، فمن المعروف أن وجود النوادي الليلية المجازة رسميًا، وكذلك البارات، دليل على وجود الحياة المدنية وعلى وجود وتوفر الأمن والأمان، وهذه البارات واحدة من علامات المدنية في مدينة عصرية مثل بغداد التي لا تريد قطعًا أن تتخلى عن بغددتها التي كانت مضربًا للأمثال عند اخواننا العربquot;.
أضاف: quot;المؤسف أن تعمل البارات تحت يافطة الثقافة والأعلام، وكأن الأمر مقصود اذ يراد أن يصور المثقف وكأنّ لا هم له سوى تناول الخمور، وهذا نسف لصورة المثقف التي نسفها السياسي أساسًا، والحل يكمن في اعادة فتح البارات كما كان معمولاً في الخمسينيات وما تلاها، لأن منع البارات استمرار للقمع الصدامي الذي جاء تحت شعار الحملة الإيمانيةquot;.
تحايل على القانون
أكد الشاعر حسين القاصد أنها ضرب من ضروب الاحتيال على القانون. قال: quot;يبدو أن للثقافة تعريفاً آخر عند البعض، لست ضد النوادي بل للوضوح أكثر انا من مرتاديها، لكن لا أوافق على هذه التسمياتquot;.
يتساءل القاصد: quot;لماذا لا تسمى الحانة بمسماها الصريح؟ إنها حيلة قانونية ليستمر هؤلاء بفتح حاناتهم، ولست مستعدًا لدخول أي نادٍ يحمل اسمًا من هذا النوع، وعلى نقابة الصحافيين والمعنيين بالثقافة أن يطالبوا بحصانة للتسميات الثقافية التي انحدرت إلى مستوى الحانة والاسكافيquot;.
من جانبه، صب الكاتب والصحافي الدكتور أثير محمد شهاب جام غضبه على اتحاد الادباء، وحمله مسؤولية التسميات هذه. قال: quot;ارتباط الثقافة بالنوادي الليلية يدلل على عهر الثقافة، ولا يعطي للآخر المختلف سوى أن هذا الشعب همجي يعيش في نهاية التاريخ، ولا بد في ضوء هذا أن أشير إلى أن من يدير الاتحاد ليست لهم علاقة بالادب، وهم خارج الشرعية القانونية، بعدما تجاوزوا ذلك الزمن على وجودهم الحقيقي، فاذا كان المثقف اول الخارقيين للدستور، لا يمكن ساعتها لوم المواطن البسيط، وعلينا ازالة هذه العصابة والتحرك بمهنية من اجل اعادة الهيبة إلى اتحاد الجواهري العظيمquot;.
حانة اتحاد الادباء
روى الصحافي احمد الثائر واقعة جرت له. قال: quot;اوقفت سيارة اجرة وطلبت من السائق أن يقلني إلى اتحاد الادباء، لكن السائق سألني أتقصد نادي اتحاد الادباء فأجبته بنعم، وبعد أن ركبت السيارة أسدى لي حزمة من المواعظ قائلًا حضرتك بلغت من العمر يوجب عليك أن تتجه إلى الصوم والصلاة فلا تدري متى يأخذ الله امانته، وحين ابديت استغرابي إذ لم ارتكب معصية سوى ركوبي في سيارته، استدرك الموقف وبرّر الامر بأن النادي يعني المشربquot;.
أضاف: quot;لا ادري لماذا ارتسمت هذه الصورة في مخيلة السائق، فلا توجد مؤسسة تخلو من نادٍ اجتماعي، ولكن يبدو أن كثرة اللافتات التي تحمل جملة النادي الثقافي والاجتماعي جعلت كثيرًا من الناس يظنون أن اتحاد الادباء ليس سوى نادٍ للشربquot;.
وتابع: quot;رأيت أكثر من مبنى تتقدمه عبارة النادي الثقافي والاجتماعي على الرغم من أنه لا يقدم شيئًا ينتمي إلى الثقافة سوى الدنبلة والحفلات الراقصة وتقديم المشروبات، فلماذا لا يشترط في مثل هذه الاندية الثقافية والاعلامية أن ترفع مفردتي الثقافي والاعلامي وتستبدلهما بالترفيهي فقط لكي لا يختلط الامر؟quot;
اما الصحافي غضنفر العيبي فقد اكد أن الاندية الثقافية والترفيهية للصحافيين والاسماء على ابواب الحانات واحدة من الاساءات العديدة التي يتعرض لها الصحافي العراقي، quot;لأن هذه التسميات تصوّر للمواطن الاعتيادي أن رواد الحانات هم فقط من الصحافيين والاعلاميين وهو أمر خاطئquot;.
ليس كل شاعر أبو نؤاس
أعرب الصحافي احمد محمد احمد، ورئيس منظمة اين حقي، عن استيائه لوجود هذه المركز تحت مظلة ظالمة لا علاقة لها بالموضوع أصلاً، اسمها مظلة الثقافة والإعلام. قال: quot;لا أجد رابطًا بين حق الإنسان في ممارسة اللهو والرقص ومعاقرة الخمور، وبين الثقافة والإعلام والأدب والفكر، فما كل من يشرب الخمر شاعر كأبي نؤاس، ولا كل من يستمتع بمشاهدة الأجساد الراقصة كاتب كهمنغوايquot;.
واشار أحمد إلى أن آخر واقع ترقيعي توصلت إليه الدولة العراقية الديمقراطية الجديدة هو السماح بانتشار المراكز الثقافية والترفيهية، التي يسمح فيها بمعاقرة الخمور ومشاهدة أو ممارسة الفسق والفجور، تحت مظلة الثقافة والإعلام حصرًا، ما دفع بعدد من المثقفين والإعلاميين الشرفاء إلى الاحتجاج على هذه الظاهرة، والدعوة لعقد ندوة حوارية للبحث في كيفية مواجهة هذه التهمة الخطيرة الموجهة لهم بشكل غير مباشر.
عروض استثمار مغرية
تساءل أحمد: quot;لماذا تصبح الثقافة والإعلام مظلة لأعمال تجارية أو سياحية لا تمت للثقافة وللاعلام بصلة؟ ولماذا لا يلجأ المستثمرون في هذا النشاط إلى منظمات المجتمع المدني المجازة الأخرى، كمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو منظمات الإغاثة والرعاية الاجتماعية؟ ثم لماذا لا يشرع مجلس النواب قانونًا واضحًا لممارسة ذلك الحق؟quot;.
أضاف: quot;سأكتفي بالإشارة إلى العروض المقدمة من قبل بعض المستثمرين لرؤساء بعض الجمعيات والروابط الثقافية والإعلامية، ولتوضيح الأمر، المستثمر لا يريد أكثر من إجازة نافذة واسم لامع يضمن له الحماية القانونية، وهو مستعد لدفع ثلاثة إلى أربعة ملايين دينار عراقي شهريًا، مع تخصيص طاولة محجوزة مسبقًا لكادر الجمعية بشكل يومي أو دفع نفقاتها نقدًا، إذا كان كادر المنظمة ممن لا يشربون الخمور ولا يحبون جلسات السمر، والمبلغ في حدود خمسين ألف دينار أي حوالي 45 دولارًا يوميًا فقطquot;.
التعليقات